رندلى منصور في “دوران”… بارقة أمل في زمن الانحطاط

 

       

من المنظور الضيق، نحن هنا لنحتفل بإطلاق ديوان رندلى الجديد، “دوران” ولكنّنا في الحقيقة نحتفل بحجرة صغيرة من حجرات أساس تكوين حضارتنا، حيث أن الحضارة تقاس بفنّها؛ الإستعراضي، والتشكيلي، العمارة، الكتابة…

ففي أوج الحضارة العربية، كان الشعر العربي، ويقال عن ونستون تشرتشل، رئيس وزراء بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية (وقد يكون القول غير مؤرخ)، عندما طُلب منه تقليص ميزانية الفن لدعم ميزانية الحرب، أجاب، اذا لا تُنتج الفن فما الداعي للحرب!

ما هي الكتابة الفنية؟

هي موهبة من سبحانه تعالى، موهبة تمكن الانسان الموهوب من الوصول الى عُمقِه الحسّي والتعبير عن هذا الإحساس بالكلمات. أضِف عليها مخزون ثقافي يجمعه الشاعر من التعامل مع محيطه والتعرف على حضارته وحضارة الغير، وأخيرًا مخزون لغوي يجمعه الشاعر من القراءة وحبّ الكلمة.

عندما تجتمع الثلاثة في إنسان يأتينا إنتاج مشابه لكتاب أديبتنا رندلى منصور.

كتبت رندلى لتعبّر عن حياتها كاسرة في هذا الزمان والمكان. تخبطت مع الحريّة بشكل عام وحريّة المرأة ومكانتها المتناقضة في مجتمعنا هذا. تخابطت مع حضارتنا وثقافتنا ومتناقضاتنا الفكرية، العملية، السياسية والأخلاقية.

الشاعرة رندلى منصور خلال توقيع ديوانها

هي لم تكتب السياسة كما تزاول، لكنّها كتبت السياسة المنبثقة من الإنسانية والوجدان.

الله أنعم عليها بموهبة نمّتها منذ صغرها بثقافتها ولغتها، فتكتب منذ الصغر، لتنشر في ٢٠١٣.

بحكم حبّي وصداقتي لزوجها أدهم، أنا أعتقد بأن أدهم هو النار الهادئة التي لحمت موهبة رندلى مع ثقافتها ولغتها لتنتج ديوان “بلا عنوان”، ثم رواية “حرية وراء القضبان” ومن ثم ديوان “دوران” والدليل على ذلك أن جميع عناوين كتاباتها على وزن أدهم شومان.

السؤال المحيّر هو لماذا أنا هنا؟

هل هو لكوني أديب أو ناقد، صحيح أني أحبّ الكلمة لكنّني في الكتابة ضعيف.

هل لكوني زميل وصديق، فأنا أعلم بأن لرندلى وأدهم أصدقاء وزملاء أولى ليكونوا مكاني.

أعتقد أَنِّي هنا، لأَنَّنِي شاهد عيان لحضارتين؛ غربية وشرقية، وشاهد لثلاثة أجيال، جيل والديّ، بعدها جيلي وبعدها جيل أبنائي، وبحكم عملي في المدارس، جيل المستقبل؛ جيل آبائي، كان يقرأ ويحبّ الكلمة ويناقشها، كان جيل أخلاق وقيم. أما جيلي، فهو جيل التلفزيون والمال، فقلّت القراءة وخفّت القيم والأخلاق. ثم أتانا جيل السكين والبارود، والذبح و الدم والتكفير، فقضى على الحضارة والقيم والأخلاق.

ما هو آتٍ، هو جيل الآي باد، والأكل السريع (فاست فود)، لن يجد الكثير من قيمنا وأخلاقنا وحضارتنا، إنما خليط عولمي لا طعم له ولا ريحة.

وسط هذا الظلام القاتم من الخراب والانحدار، والانحطاط واختلاف الموازين، نجد زهرة هنا وهناك مثل كتابات رندلى وأمثالها، تعطينا بريق أمل، فتجمعنا في مناسبات كهذه، لنكون حجر أساس لإعادة بناء حضارتنا.

رندلى أتمنى لك التوفيق الدائم والإنتاج المزدهر

*****

(*) ألقيت خلال حفل توقيع ديوان “دوران” للشتعرة رندلى منصور  في الندوة  الثقافية الاجتماعية- القماطية في 29 يوليو 2015.

اترك رد