صباح فخري ….  العملاق الذي أطرب الحجر والشجر والبشر…   

            

نادرا ما نجد في العالم ظاهرة بحجم عملاق الأغنية العربية الأستاذ صباح فخري انه ( محمد صباح الدين أبو قوس).. انه ابن الشام ابن مدينة حلب السورية…

هذا العملاق الذي بدأ الغناء و عمره لا يتجاوز السن الخامسة… أحاول من خلال مقالي هذا ان ابتعد كثيرا عن حياته و سيرته الذاتية فهو لا يخفى على أحد و انما أحاول ان أتطرق الى عبقرية هذه الظاهرة الفنية…. انه ذو شخصية متميزة بجوهرها و أبعادها، انه ذلك الانسان الذي اختزن تجارب ذاتية بلورت شخصيته.. انه ذلك الانسان الذي يتمتع بقوى الاحساس و الفكر..

و هذا ما يظهر جليا في مدى احياءه للثراث العربي و تطويره و عصرنته دون ان يفقده هويته العربية و هذا ما يبرز جليا في أغانيه (الفل و الياسمين و الورد…يا شادي الألحان…يا مال الشام..و أغاني كثيرة أخرى).. فلا تجده يختلق أو يقلد فالاستاذ صباح فخري هو نفسه مضمون نفسه.. ان عبقريته تكمن في وضع فن الكلام و فن الأنغام في ميزان واحد و هذا ما لا نجده عند اي مطرب في العلم انه الوحيد الذي ينفرد بذلك و هذا ما نلمسه عندما نستمع الى (على العقيقة اجتمعنا..يا بهجة الروح..ايها الساقي..بالاضافة الى الموشحات الذي يعتبر رائدها ).

لقد تمكن الأستاذ صباح فخري من تأسيس مدرسة فنية خاصة به و هي مدرسة فنية كاملة و متكاملة و متجانسة فقد تجده يستعمل المدراس الفنية كلها ( الكلاسيكية والرومانسية و الرمزية و الانطباعية و السريالية ) ليصوغها في منظومة فنية خاصة به و هذا ما يعكس عبقريته الفنية و مدى تصوره للأشياء مما جعله هو في حد ذاته يؤسس لمذهب فني جديد و خاص به ..مذهب فني مميز يعكس فعلا عبقرية صباح فخري هذه المدرسة التي تضاف الى المدارس العالمية الاخرى و ان كنت أنا شخصيا أطلق عليها ( المدرسة الفخرية ) و يتضح ذلك في الأغاني التي لحنها هو بنفسه و هذا ما يجهله الكثيرون فهو الذي لحن (خمرة الحب أسقيناها.. قل للمليحة في الخمار الأسود..جاءت معذبتي ..سمراء..جينا على الدنيا.. غاب حبي عن عيوني )..

ان الثراث كان دائما راسخا في فكر و وجدان صباح فخري لأنه يمثل بالنسبة له الكنز الذي يمكن ان يصنع به تجديدا دون ان فقده طعمه حتى أصبح هو في حد ذاته ثراتا تنهال منه كل المدراس الفنية و هذا ما نلمسه في فرق الانشاد و الفواصل و ا لأدوار و الموشحات و القدود… ان عبقرية الأستاذ صباح فخري تكمن في مدى المامه الكبير بالادب و الفن و لا يفصل بينهما و هذا ما أشرت اليه في بداية مقالي و هو تزاوج فن الأنغام بفن الكلام .. و أقصد هنا بفن الكلام كل أنواع الشعر مع احتلاف مذاهبه ونزعاته و أقصد بفن الانغام كل أنواع الموسيقى على اختلاف ايقاعاتها….

لقد غنى صباح فخري لغيره .. كما قدم بعض الأغاني العراقية مثل أغنية (فوق النخل )..كما غني لمحمد عثمان وسيد درويش من مصر .. و من الحان الشيخ علي الدرويش موشحين يا ساكناً في فؤادي و آه من ناري جفاه… دخل العملاق صباح فخري موسوعة (غنيس) للأرقام القياسية سنة 1968 و ذلك في حفل أقامه بالعاصمة الفنزويلية (كرتكاس) حيث استمر في الغناء و دون انقطاع من العاشرة ليلا الى غاية الثامنة صباحا و قد يكون العربي الوحيد الذي دخل هذه الموسوعة علما ان صباح فخري غنى قبل ذلك في حلب لمدة 14 ساعة دون انقطاع ..

حصل صباح فخري على العديد من الأوسمة و الشهادات التقديرية منحت له من قبل العديد من رؤساء بعض الدول العربية.. كما حصل على درع المنظمة العربية للثقافة و العلوم.. حصل أيضا على المفتاح الذهبي لمدينة ميامي الأمريكية و على شهادة دكتوراه فخرية في الموسيقى من جامعة لوس أنجلس الأمركية.. حقيقة لا نستطيع ان نذكر كل التفاصيل في حياة العنلاق فكل لحظة من حياته لها ثمنها و وزنها .. ويبقى الأستاذ صباح فخري أطال الله في عمره عملاقا من عمالقة الفن العربي و مدرسة فنية متميزة و فريدة من نوعها و لا تتكرر اطلاقا .. انه المطرب العملاق الذي أطرب الحجر و الشجر و البشر..

*****

(*) من سلسلته عمالقة الطرب العربي

اترك رد