بقلم: القاضي محمد مرتضى (عضو المجلس الدستوري)
يقول المؤلفان الدكتور عقل كيروز والدكتور عصام عطاالله في مقدمة كتابهما “فصل السلطات وسيادة القانون” أن غايتهما من وضع هذا الكتاب هي السعي لتطبيق مبدأ الفصل بين السلطات الدستورية في البلاد فيما يتعلق بحدود صلاحيات وإختصاصات كل منها على وجهه الصحيح بهدف حماية لبنان المستقبل من تجربة الوقوع في الدكتاتورية الدينية التي تتجمع وتتمحور حول شخصية ما أو فئة ما (صفحة 13) .
طريقة أو أسلوب البحث :
– وفي سعيهما الى تحقيق هذا الهدف ، يقول الكاتبان أنه قد تم التركيز على مواد الدستور والتعديلات التي طرأت عليه على مّر الازمان والتي تناقض في جوهرها مبدأ فصل السلطات كما تم تعريفه تاريخيا ً بأنه نظام التوازن في الصلاحيات والمراقبة المتبادلة بين مختلف هذه السلطات التشريعية والاجرائية والقضائية .
خلاصة البحث :
– و ينتهي الكاتبان الى إقتراح بعض التوصيات التي من شأنها في حال الأخذ بها الى تحقيق مبدأ فصل السلطات بصورة فعلية بهدف الوصول إلى صيغة الحكم التي يطمح إليها كل لبناني .
أقسام الكتاب :
الكتاب تم تقسيمه الى ستة أقسام رئيسية :
القسم الاول :
– يهدف الى شرح وتعريف وبيان الاصل التاريخي لنشؤ فكرة الفصل بين السلطات لدى أشهر إعلام الفكر السياسي في العالم من جون لوك الى مونتسكيو وشارل دى سوكوندا وكيفية تطبيق هذه الفكرة في الواقع مع اخذ الدستور الاميركي نموذجا ً يحتذى به .
القسم الثاني :
– يعرض الكتاب بصورة سريعة لمراحل نشؤ وقيام الكيان اللبناني ونظامه السياسي إبتداءً من عهد القائمقاميتين وانتقالا الى عهد المتصرفية ثم الانتداب الفرنسي ثم الاستقلال ويستعرضان كيفية إقرار الدستور اللبناني في العام 1926 وصولا ً الى عام 1975 ، عام قيام الازمة اللبناني الحالية كما يعرضان الى طبيعة العلاقات التي كانت سائده بين مختلف فروع السلطة السياسية الاجرائية والتشريعية وطريقة تعامل تلك السلطات مع بعضها البعض وحدود صلاحيات كل منها .
القسم الثالث :
– يقدم الكاتبان عرضا ً تاريخيا ً سريعا ً لمراحل الازمة السياسية التي حلت بلبنان انطلاقا ً من العام 1975 وما تبعها من نزاعات عسكرية وحروب محلية وخارجية انتهاء بعهد العماد ميشال عون مع إعادة تذكير بالحروب الطائفية التي عصفت بلبنان والمنطقة منذ العام 1860 وصولا ً الى حوادث العام 1958 وانتهاء بإتفاقية القاهرة في العام 1968 وما رافقها وتبعها من انهيار لواقع السلطة اللبنانية وانتهاك لأسس السيادة القومية للبنان .
القسم الرابع :
– يعرض الكاتبان لاتفاق الطائف وما رافق انعقاده من ظروف و احداث ما زلنا نعيش تردداتها حتى هذه الساعة .
القسم الخامس :
– يختم المولفان كتابهما بعرض حصيلة مجموعة من الاستفتاءات والاحصائيات التي قاما بها والاستنتاجات التي توصلا إليها بنتيجة تلك الاستفتاءات من خلاصة يتبين منها الاتجاهات الفكرية والنفسية والسياسية لشرائح مختلفة من المجموعات التي تكون الشعب اللبناني ، بمختلف طوائفه ومذاهبه ومختلف فئاته العمرية والاجتماعية .
– وإذا أردنا أن نناقش مضمون ما جاء في الكتاب من أفكار وأراء وتحليلات والمنطلقات فإنه لا بد من الاشارة بادى ذي بدء الى الجهد المشكور الذي تكبده الكاتبان في تحقيق هذا الكتاب والدوافع النبيلة التي املت عليهما تجشم عبء إصداره . و نحن كنا نقر الكاتبين في كثير مما ذهبا اليه في توصيف النظام السياسي اللبناني بانه نظام متعدد الرؤوس و متشابك الصلاحيات وتلعب الطائفية دورا كبيرا في تهشيمه وزيادة تخلفه كما ان السمة الغالبة للصلاحيات المقررة للسلطات الرئيسية هي صلاحية التعطيل والرفض وعدم التوقيع ولعل التعبير الجديد السائد اليوم عند تشكيل الوزارت والمعروف بالثلث المعطل هو خير دليل على هذا الاستنتاج.
– ولكن ذلك لا يمنعنا من ابداء بعض الملاحظات حول بعض الآراء والتفسيرات التي امكننا رصدها من خلال مطالعتنا للكتاب لنقول أن بعض هذه الاستنتاجات هي محل نظر ولا يمكن التسليم بها بصورة مطلقة قبل وضعها قيد التدقيق والتمحيص اوالنقد .
– فعلى سبيل المثال يورد الكاتبان في الصفحة 27 من الكتاب العبارة التالية وسأرددها باللغة الانكليزية كما وردت منعا ً لسوء الفهم أو التحريف فيقولان:
“AS For Lebanon , its present system is one of a corrupt and ignorant oligarchy . The powers are united in the parliament, and in particular in the parliament’s president “
– غير أننا نرى أن هذا الاستنتاج هو استنتاج جائر ولا دليل عليه إطلاقا ً خصوصا ً فيما لو نظرنا الى وضعنا السياسي الحالي في لبنان حيث يعجز رئيس البرلمان عن جمع النواب لأجل إصدار بعض القوانين التي تتوقف عليها مصير البلاد ، فلو كان صحيحا ً أن السلطة تجتمع وتركز في شخص رئيس السلطة التشريعية لكانت الامور مختلفة الى حد كبير .
– ونلاحظ كذلك مثالا ً آخر حيث ينطلق الكاتبان الى إصدار رأي حاسم مفاده أن تولي النواب مسؤوليات وزارية يشكل مخالفة لمبدأ فصل السلطات (صفحة 37) في حين أن هذا التدبير ينطلق من كون الحكومة أو السلطة الاجرائية والتي أجاز الدستور أن تتألف من أشخاص من داخل وخارج السلطة التشريعية هي بحاجة الى ثقة النواب واصواتهم كما إنتخاب رئيس الجمهورية وانتقاء رئيس لمجلس الوزراء .
– وفي غياب حياة حزبية صحيحة في لبنان بحيث تكون الاحزاب فيها ممثلة لكل فئات الشعب وليس لطوائف أو حتى مذاهب محددة فيه فلا بد من الاستعانة بأعضاء من السلطة التشريعية في معظم الاحيان أو بمن يثق بهم أو يختارهم زعماء السياسيون الممثلون في المجلس النيابي علما ً بأن الدستور لا يمنع محاسبة النائب الوزير امام المجلس النيابي ولو من منتميا ً الى حزب معين او كتلة نيابية معينة .
– وبكل حال فنحن نجد في المثال الفرنسي حيث يفقد النائب مقعده النيابي عند توزيره ويستعاض عنه بالبديل الانتخابي المنتخب معه حلا ً مناسبا ً غير أن تطبيق هذا الحل في لبنان سيؤدي الى خلق مجلس نيابي آخر من اشخاص هم مشاريع نواب سيطالبون ولا شك بتحصيصهم ، برواتب وأجور وتعويضات عن نشاطات قد لا يساهمون بها على الاطلاق .
– وفي مكان آخر يستعرض الكاتبان بعض شؤون السلطة القضائية (الصفحة 49) ويطلقان بعض الآراء حول طريقة عمل السلطة القضائية هي محل نقاش وتخرج بطبيعتها عن المسار الاساسي للكتاب.
– ثم أن الكاتبان ينتقدان في الصفحة 50 الدعوة المطروحة حديثا ً والمسماة consociational democracy الديمقراطية التوافقية ويسميانها
ويعتبران هذا المبدأ منافيا ً لمبدأ فصل السلطات الذي يروجان له
– كما ينتقد الكاتبان مصطلحات التعايش المشترك وتوزير وزراء الدولة الذين لا عمل لهم ويعرجان على ما عرف في وقت من الاوقات بأسلوب الترويكا في الحكم حيث يتوزع الرؤساء الثلاثة المناصب والمنافع والمشاريع الخ …..
– ثم إنهما يقومان بتفسير بعض الاحداث التي حصلت في لبنان خلال الاعوام السابقة بكثير من التبسيط ويعتبران تلك التفاسير بمثابة مسلمات مع انها بالحقيقة هي وجهات نظر لهما لا أكثر ولا أقل .
– ونورد مثالا ً على هذه المسلمات ما اورداه في الصفحة 69 من كتابهما بالقول : ” ان الزعماء المسلمون يريدون لبنان سنيا ً أو شيعيا ً .” فبالرغم عن أن مثل هذه الرغبة لم يسبق لاحد من زعماء المسلمين عن لبنان أن ابداها سرا ً أو جهرا ً نجد أن حال المزاج الاسلامي العام في هذه الايام لا ينسجم مع هذه الفكرة على الاطلاق .
– أما في القسم الرابع في الصفحة 73 يقول الكاتبان أن إتفاق الطائف قد ادى الى تجريد المسيحيين من نفوذهم السياسي والاداري الذي تمتعوا به من العام 1929 ولكنهما يغفلان الاشارة الى ان ذلك الاتفاق كان بمثابة تسوية سياسية بين الاطراف المتصارعة في لبنان كان من شأنها المحافظة على الحد الادنى اللازم للإبقاء على النظام السياسي بل الكيان السياسي للبنان . وأن هذا النظام وأن شابته نواقص كثيرة وعيوب ظهرت أثناء الممارسة فإنه يبقى صالحا ً للبناء عليه عندما تسمح الظروف المحلية والاقليمية بذلك. كما يقولان في الصفحة 80 – 81 أن الطائفة الشيعية تتمتع بسيطرة غير مباشرة على السلطة الاجرائية ؟ غير انهما لا يظهران كيف وبأية صورة بدا لهما هذا الاستنتاج كما في قولهما أن رئيس الجمهورية قد أصبح بعد الطائف رئيسا ً فولكلوريا ً، وفي هذه الاقوال كما نرى موقفا ً مبالغا ً فيه لا يتماشى مع احكام الدستور .
– ثم ان الحديث عن الترويكا في الحياة السياسية اللبنانية لم يعد له ما يبرره لغياب الظروف التي اوجدته أو سهلت تحقيقة .
– كما أن النقد الموجه الى عمليات تجديد ولاية رؤساء الجمهورية وأن كان في محله الواقعي والقانوني إلا أن الكاتبان لم يتطرقا الى تأثير القوى الخارجية والاقليمية في تقرير هذه الاجراءات وتحقيقها رغم أن اللبنانين في غالبيتهم الساحقة من سياسين وغير سياسين لم يكونوا راضين عن تلك التصرفات بدليل فداحة النتائج التي نجمت عنها .
– أما بخصوص ما ورد في الكتاب من إحصائيات ودراسات فهي تشكل جهدا ً مشكورا ً وعملا ً مفيدا ً نرجو أن تترجم حصيلته على صعيد الواقع السياسي في لبنان نضجا ً سياسيا ً بحيث يتعلم اللبنانيون من أخطائهم ويعتبرون بماحل ويحل بهم من ويلات ومصائب .
– ونختم أخيرا ً بتوجه الشكر لجامعة الحكمة العريقة ولرئيسها وامين سرها وللكاتبين لمساهمتهم في ترشيد وتوعية اللبنانين الى حقيقة واقعهم السياسي المرّ والى الحضور الكريم الذي تكبد مشقة الحضور والاستماع والذي أثبت بحضوره هذا انه لا يزال للفكر الموضوعي وللعقل التنويري محل في هذا الوطن المعذب .
*********
(*) ألقيت في ندوة حول كتاب “فصل السلطات وسيادة القانون” للكاتبين الدكتور عقل كيروز والدكتور عصام عطاالله في جامعة الحكمة- بيروت.