الرؤية الحقيقية للإنسان في لوحات جبران خليل جبران

يرتقي الاديب والرسام «جبران خليل جبران» بالبصيرة الانسانية نحو كونية الخلق وعظمة الانسان في التجلي والصفاء، واكتشاف الحركة من حوله من خلال التوغل في الرؤية المحورية العميقة للانسان ومكونات النفس، وطبيعتها المتجلية في الخلق والتكوين، واسرار الكون تاركا للريشة التعبير عن الافكار التي تهاجم الانسان في لحظات التأمل، والتفكر الزاخر بالتخيلات التي تتصارع من اجل ايضاح الرؤية الفكرية التي تنتابه اثناء الرسم، فالقوى الغيبية او الماورائية تتمثل بالخطوط الصغيرة، كالشعيرات الدقيقة التي تلتف او تحيط بالانسان، ومنها المخاوف والكوابيس والهموم والاوجاع النفسية التي تنتابه. لتتكون اللوحة من النص البصري المفتوح على عدة تأويلات تهتم بالانسان الموجوع اولا.

لتنتقل مع الضوء الذي ينثره، لبث المزيد من الاحاسيس برسومات تأخذنا الى مجد الخليقة والعناصر الحية الماورائية، لتتفاعل المعاني مع الضوء والظل، والتناسب المغمس بضبابية رمزية تؤدي الى اثارة الذهن، لخلق التساؤلات التي تؤدي الى التفكر بماهية البشرية، وما المغزى الكوني الماورائي المحسوس والغير الملموس المحيط بالنفس والافكار بمختلف تنوعها، كالخير والشر والاحاسيس الروحية التي ترتقي بالانسان فوق كل الموجودات في الكون. ليرفعه لمرتبة عالية جداً ، تتركه بمنأى عن الصراعات الطبيعية التي تجعل الانسان في متاهة الخطوط القدرية المجهولة، والمخيفة في تكوينها الملتف حول الانسان. فهل يمكن قراءة لوحة واحدة للفنان والاديب «جبران خليل جبران» دون ان نضع الفلسفة الجبرانية في زاوية بعيدا عن الرسومات بمجملها او كتاباته التي ادرك ان اختصارات الفكرة في لوحة هي كالنص الفلسفي او الادبي او القصيدة عندما تهاجم الخطوط الريشة، القادرة على الرسم بفكر يتساءل عن ماهية الخلق. فكيف لا تتفاعل البصيرة مع رسومات هي لفيلسوف الادب والحياة جبران خليل جبران؟

لوحة الاديب والرسام «جبران خليل جبران» من مجموعة متحف فرحات

تنعكس رؤية اللوحة على حقيقة الابعاد الانسانية وتفاعلاتها في فكر «جبران خليل جبران» المرتبطة بالذات والكون، والتوق الى الارتقاء بالحس نحو جماليات الخطوط التي توازي الزمن، وايقاعاته المبهمة التي تنطق بها اللوحة المعززة بهيمنة تعبيرية تؤطر دائرية الطواف التي تعتمدها ريشته. لتكوين البؤرة الحقيقية التي تستقطب البصر، وتجذبه نحو المفردة التشكيلية التي يخفيها بتلغيز فني يتشابه مع كتاباته الفلسفية متأثراً بالكثير من الفلاسفة. لبث التشويق النفسي، ولذة اكتشاف المعنى من خلال لوحة مرسومة بصفاء ذهني، وعبر الضوء المسلط او بالاحرى المتناثر بين مسارات جزئية جمعها بتناقضات غرائبية تتقلب بين رمزية وتعبيرية وتجريد يخوض مع الابعاد ازدواجيات من الصعب فك الغازها. لانها تميل الى الانا والاخر في متاهة الحياة، ودلالات الخطوط الموحية بمسيرة الانسان في دروبها المتشابكة. كانه بانتظار ان يصحو من حلمه الفاني، ويشهد الحقيقة التي كان ينتظرها بعد خروجه من الحياة. فهل تجهر لوحة الفنان «جبران خليل جبران» بحقيقة الحياة بعد الموت وبعد الكثير من الالم والمعاناة والاوجاع التي يتعرض لها الانسان في حياته.

لوحة فلسفية في رؤيتها المرسومة بتكثيف الحركة، وبالتنقلات بين الضوء والظل، والفواتح والغوامق ومسح الزوائد. لتتجهم الخطوط وتنفرج، كحديث النفس الداخلي الذي يظلله بالفراغات والقيمة التي يمنحها للانسان بصورته، فالمحاكاة الانسانية في اللوحة تظهر التناقضات والاختلافات بين روحية الانسان وطبيعة الاشياء من حوله محولا المادة التشكيلية الى عاطفة وجدانية يخاطب بها الرائي والذات، كالوقوف في عين الزمن لمجابهة القوى التي تحاربه او تحدد مساراته مشدداً على المعاني الانسانية من خلال الخطوط الدقيقة. لتوفير جمالية تفك الغموض التكويني في لوحة تجمع الجمال والفلسفة بين خطوطها ودلالاتها الفنية.

dohamol@hotmail.com

اترك رد