من طبيعة الأحوال، قلتَ، إنّكَ، وأنتَ تبتكرُ حُبَّكَ، تبتكرُ حبيبَك!
فماذا يعني أن “تبتكرَ” حُبَّك؟ وماذا يعني أن “تبتكرَ” حبيبَك؟
تُمَيّز، بَدءًا، بين “حُبِّك” و”حبيبِك”.
ألحُبُّ هو “الموضوع”. أي أنّه ما فيه تفكّر. وما تفكّر فيه، تجعلُه قائمًا بذاته، ذا وجودٍ حقيقيّ مَلموس. هذا الموضوعُ المُفَكَّرُ فيه، القائمُ بذاتِه، المَلموسُ، أنتَ تُكوّنُه، تؤلِّفُه، تُعطيه وجودَه. إذًا تبتكِرُه جديدًا “غيرَ مَسبوقٍ إليه”، على ما جاء في القاموس. وهو “الحالةُ”! أي الوَضْعُ الّذي تجعلُ نفسَك فيه. وأنتَ، بذاتِك، لذاتِك، تكوِّنُها. تجعلُها موضوعَ حياتِك. تكون انتقلتَ بها من حَيّز الذّهن، الشّبيهِ بالوهم، أو قلْه “تَوْأمُ” الوهْمِ، إلى حَيِّزِ الواقع. إذًا، فأنت تبتكر “حالتَك” حقيقيّةً، ملموسةً، جديدةً. وهو “الحُلم”! أي المَتَخَيَّلُ بالإرادة، بالوعْيِ. وأنتَ تُهَندِسُهُ، هذا الحُلم. تُهندِسُه، بناءً لرغبة إرادتِكَ، لشغف روحِك، لشَوقِ قلبِك. و…لأوهامِك الّتي تظنّ أنّها مستحيلة، فإذا بك ترسمُها واقعًا نابِضًا، حيًّا، مَليئًا بنفسِه، فائضًا بها عنها، مُلَوَّنًا غيرَ ناقِصٍ! إذًا، فأنتَ تبتكِرُه، هذا الحُلمُ، وتحياهُ!
وعليه،
ليس الابتكارُ أن تخترعَ، أن تخلقَ، أن تُبدِعَ أوهامًا! إنّه أن تخترع، أن تخلقَ، أن تُبدِعَ، أن تبتكِرَ جديدًا “غيرَ مسبوقٍ إليه”. هذا الجديدُ غيرُ المسبوقِ إليه، جديدٌ فنّيٌّ، جميلٌ، مُثْرٍ، مُفيدٌ، وإلّا فلا أهمّيّةَ له، ولا قيمة، ولا غاية.
ألحبيبُ موجودٌ، كإنسان، بمواصفاتِه الكامنةِ فيه، والّتي يعرف بعضَها، أو جُلَّها، الجميع. فإذا كان كذلك، فكيف تخترع، تخلق، تُبدِع، في حبيبك، وله، ومنه، مواصفاتٍ جديدةً “غيرَ مَسبوقٍ” إليها!؟
أنت، أوّلًا، أمام هذا الأمر: تؤلّف مُواصَفاتٍ، تستنبطها، تَجلوها، تُصَفّيها، وتُسبغها عليه. أنت، هكذا، لا “تخترع”، أو “تخلقُ”، أو “تُبدِع”، مُواصَفاتٍ جديدةً، فحسْبُ، بل أنتَ “تؤلّف” حبيبَك إنسانًا جديدًا، بمُواصَفات جديدةٍ، بمؤهّلاتٍ تراها فيه، ترغبُ في إسْباغِها عليه، فإذا هي “تخلقه” جديدًا، على ما لم يكن عليه من قبلُ، نفسًا ووِجدانًا وروحًا، وليس جسدًا. لكنّ صِفاتِك المُغايِرةَ، الجديدة، المُثرية، المُفيدة، تُسقِطُها عليه، أو تُنَبِّهُها فيه، تُجدّدُ له هذا الجسد، فينبثق من حاله “جسدًا جديدًا”، على قول بولس، ومن إحساسِك ورغبتِك. إنّه الشَّغَفُ القُدْسيُّ بمَن تُحِبُّ! إنّه الإيمانُ الواثِقُ، القويُّ، العميقُ، الصّادقُ، الغنيُّ، بمَن تُحِبُّ.
وأنتَ، ثانيًا، أمام هذا الأمر الآخر: تكون تعرفه، حبيبك، وتعرفُ خِلالَه كلَّها، لكنّك تتعاطى معه، صادقًا، وكأنّك “اكتشفتَ” فيه، لتَوِّكَ، ما لم تكن واجدَه، أو عارفَه، فيه، من قِيَم ومُواصَفات. وتستمرّ تعمل على هذا الأساس، يتبنّاها. يُثَبّتُها فيه، فيستقيم إنسانًا جديدًا، بعاطفة جديدة، بميّزات جديدة، بقِيَمٍ، بأخلاق، بنوايا، جديدة. وبإحساسٍ وبرغبةٍ وبشَغَف، ينبثقُ إنسانًا جديدًا كأن من يباسٍ ينهض فينيقًا، بل من موت!
… وتكون “ابتكرْتَ” حبيبَك، أكثر جمالًا، أعمقَ أثَرًا، أغنى إيحاءً! فأنت لن تبتكرَ إلّا الحبيبَ المِثال!
أهَمُّ ما في الموضوع،ِ هو “الابتِكارُ”؛ ابتكارُ الحبّ؛ وأهَمُّ ما فيه، هذا الابتكار، أنّه يبتكرُ الحبيبَ، والأهَمُّ؟ أنَّ الحبيبَ هو مَنبعُ المبتكَر ومَصَبُّه! إنّهما، الحُبُّ والحبيبُ، جوهرُ العمرِ، جوهرُ هذي الحياة!
ألثُّلاثاء 26 تمّوز 2016