“سلمى تروى قصتها بعد إغتصابها ”
أنا سلمى …
وجدني رجل شحّاذ على باب مسجد أصرخ من الجوع والعطش،
فذهب بى إلى ملجأٍ وتركني مودعًا دامعاً .
قال لي مدير الملجأ الذي أعيش فيه نقلاً عن الشحّاذ :
خذْ هذا المولود يا “بيه”، إرعه واعتنِ به فإني رجل لا أكاد أحمل نفسي
فإني أجوع أكثر مما أشبع
وأتعرى أكثر مما أكتسي
ولا أبيت إلا على جوانب الطرقات،
وها أنتَ ترى عاهتتى
وولّى بوجهٍ ممتقع،
ولّى يغمغم بامتعاض.
نشأتُ في الملجأ
الملجأ أرضه سلاسل في الأقدام
وسقفه أغلال في الأعناق
وهواؤه يحبس أنفاسي كأنما أصعد في السماء.
وما كتم أنفاسي واختلجتْ فيه جوارحي وتململتْ فيه روحي أكثر من تردد سؤال يجلدني في كل ذرة من كياني كله
لماذا رمانى أهلي؟
وتأتينى الإجابة بدمع وصراخ حتى اسقط متضعضة كأنّ شيطاناً صرعني.
واتساءل:
هل أنا من طين ؟
هل خُلقتُ من أب وأم ، أم نزلتُ من الفضاء كأي صخرلمْ يولد؟
يجب أن تكون الإجابة على كل تساؤلاتي أن…………
أُوجد كياني الذى يمثل فخري وفخر مجتمعي الذى أواني
أكسر رُغام اليأس والتشاؤم وأُعلي راية الأمل والتفاؤل.
لابد أن يكون اسمى أنا هو “بسمة وأمل وطموح وانتصار.
وحضارة تنبعث من نفسي إلى مجتمعى مزدهرة ، هذا هو اسمي”
عشتُ أحيا بخلقٍ واسع
وأتعلم العلم النافع
وأدعو من معي أن غدهن زواج وإنجاب في وطن يحتضنهنّ،
كما احتضنهن هذا الملجأ.
****************
رشدتُ رشد أُولى الألباب وأنا فى العشرين.
أُوتيتُ الرشدُ صبية ، فرغم الضربات المتتابعة إلا إن راية الانتصار كانتْ غالبة عليّة.
وخرجتُ من الملجأ إلى المجتمع .
فضاء فسيح به الحرية والأمل ومرتع الطموح والنجاح والانطلاق .
أريد الأسرة الطيبة التي تمثل لبنة أبْنيها في صرح حضارتنا المتهالكة أو بذرة أنثرها في أرضنا البورالقاحلة.
أُريد إنجاب أولاد يكونون براعمَ صالحين .
أرعاهم وترعاهم رعاتهم من حكام ومسؤولين.
وقابلتُ الحلم .
ثروت.
تبدو عليه وسامة الخلق والحكمة ورجاحة العقل وأصل الدين.
.. تبادلنا الحديث بعد لقاءات عديدة.
فكان نِعمَ الإنسان والحبيب والأهل وقال لي إني كذلك له.
وجاءتْ اللحظة الفارقة وقلتُ له:
أتعرف مَن أنا ؟
فقال لي أنتِ قلبي الذي يحيا بعد الموات
وعمرى الذي أتى بعد الفوات
ودمي الذى جرى بعد الثبات
ومائي الذى أنهرَ بعد النفاد
وسماء أستظل بها
وأرض تقلّنى من الإنهيار
وفضاء أسبح فيه طائراً كفراشة،أستنشق الرحيق من الأزهار .
وعمري الذى مضى ومستقبلى الآتي.
فأدهشتنى عجلته ولم يمهلني الردّ وتركني ثم عاد ليقُول
مفاجأة سلمى مفاجأة حبيبتى
أبي وأمي وافقا على الزواج .
وأُعلمكِ أن أبي من الأثرياء ورجال الأعمال المشهورين.
واسمه ثروت
فهلّا قابلتُ والديكِ
أُريد أن أرى قبس هذا النور الربّانى الأخّاذ.
أين هما؟؟؟؟؟؟؟
فانهمرتْ دموعى ورويتُ له قصتى.
فامتعض وقطّبَ جبينه
ورفع رأسه مستنكفاً
وفغر فاه وأطلق قذيفته العمياء الحمقاء.
قذيفة الغاب.
آفة القرن وكل القرون
هي التقاليد وهي العنصرية
التي يتوارثها الأبناء عن أجدادهم
التقاليد التي جسّدناها تماثيلً في أرواحنا فعبدناها .
وكنتُ أنا سلمى قُرباناً من القرابين التي ترضي تماثيلهم.
ويا ويل أمثالى من هؤلاء المكفوفي البصر والبصيرة.
وقذيفته قوله
” آه يا بنت الملاجئ يا حمقاء يا أهل السوابق إمضي إلى بنات الشوارع
أنا أنا أنا وأنتِ أنتِ أنتِ أنا ابن الناس وأنتِ بنت الملاجئ .
إني من عائلات أصل وثروات، وأنتِ ما وجدتهم إلا عدماً يا بنت العدم والزواني”
*************
عدوتُ من أمامه صارخة باكية أرى من حولى يحبون
الجمال وإنْ كان زائفًا
والمظاهر ولو كانتْ كاذبة
والمناصب ولو كانتْ طاغية
والعائلات ولو كانوا جبابرة
والأبنية العالية ولو كانتْ هاوية .
كانتْ حياتهم كلها “هذا ”
تعبد كل هذا فأُصبح “هذا” أصناماً تُعبد وتحكم وتشرّع وتحدد مصائرهم.
ألتهمتنى تماثيلهم.
وستظلُّ تلتهم إن لمْ تستيقظ ضمائرنا.
او تستيقظ ضمائر رُعاتنا ومسؤولينا.
نسوا أن الله الذى خلق سلمى، هو من خلق الأميرة.
مازلتُ أُعدو عدو الفارّين وكأن أشباحاً تعدو خلفي
لا أرى أمامى إلا أشباح الإنسانيّة
وظلام النفوس الساديّة
وضحكات السخرية ذات الأصوات الساخرة الفاترة المتأفّفة.
وفجأة وجدتُ نفسى بين ذئاب بشرية.
فاغتصبوني واحداً واحداً ثُمّ ضربوني وأطلقوني ولا غيّاث يُغيث.
أطلقونى بجسد عارٍ وملابس مهترئة .
وما جرأهم إلا إني لم يكنْ لى درع أو حمىً او ظهر
ظللتُ أسير زاحفةً منَ الإعياء حتى بلغتُ الملجأ
قابلنى المدير فزعاً وقال:
مالك يا سلمى ؟
فأجبته قائلة: “الآن علمتُ لِمَ رماني أهلي “.
وأشرتُ له أن يحملنى إلى الداخل
إلى حجرتى القديمة.
إمضاء: سلمى بنت الملاجئ
***********