“مفاتيحُ السَّماء” فضائِلُ مَنثورَةٌ

من مؤسَّسة ناجي نعمان للثَّقافة بالمجَّان

إلى الأديب وهيب نديم وهبة،

مَرَّةً أخرى أحملُ اليَراعَةَ وأَخُطُّ بها بعضَ ما يستحقُّه “مفاتيحُ السَّماء”، مَخطوطُك الَّذي نالَ جائزةَ المتروبوليت نقولاَّوُس نعمان للفضائل الإنسانيَّة للعام 2012 من ضمن جوائزي الأدبيَّة الهادفة، والَّذي نُشرَ كتابًا عن مؤسَّستي للثَّقافة بالمَجَّان.

ولعلَّ البحثَ في سَبَب حُصول مَفاتيحك السَّماويَّة على جائزة العَمِّ الرَّاحل، المتروبوليت نعمان، يَجِدُ جوابَه في فضائِلك المَنثورَة في هذا الكتاب، تلك الَّتي هي مِن طينة فضائِل الحَبْر الَّذي طَبَعَ عارِفيه، ومنهم أنا، بالنَّزْر مِن فضائله الوفيرَة الَّتي سأجلوها في كتابٍ يصدرُ قريبًا لِمناسبة الذِّكرى الخامسة والثَّلاثين لِغيابه (1911-1982-2017)، كتابٍ سيحملُ عنوانَ “على مِثال أبي الفَضائِل نقولاَّوُس”، وسيُدرَجُ جُزءًا ثانيًا مِن سلسلة “سِفْرٌ مِن سَفَر”، سلسلةٍ في سيرتي الذَّاتيَّة، صدرَ منها جُزءٌ أوَّلُ بعنوان “مع مِتري وأنجليك”، فيه حياتي مع الوالِدَين.

وإنَّ مؤسَّسة ناجي نعمان للثَّقافة بالمجَّان إِنَّما وُجِدَتْ لتنشرَ الرَّاقي مِن الكتابات، مِن مِثل كتاباتِك، بلُغات العالَم أجمَع، ولتَضعَها، بالمَجَّان، بين أيدي أكبر عددٍ مِن القرَّاء، على أمَل عَكْسِ الاتِّجاه الرَّائِج والكاسِح لإنسان العَصر المُتَّجِه شَطرَ المزيد من الجَهل والتَّعَصُّب من جهة، والجَشَع والأنانيَّة من جهة أخرى، تَحقيقًا لِمََقولتَين لي: “الثَّقافة، الحرَّة والمُنفَتِحَة، تصنعُ السَّلام” (1969)، و”إنْ لَم يَفعَلِ اليراعُ، فعبثًا يُحاولُ الحُسام” (1993).

(Free and open culture makes peace (1969

It is useless to revert to the saber, once the plume is defeated 1993

أجل، وَحشان يَتَهَدَّدانِ البَشَريَّةَ في عَصرنا الحاليّ، ورُبَّما يَتَهَدَّدانِها إلى نهاية الأَزمِنَة: ألجَهلُ مُتَمَثِّلاً بالتَّعَصُّب الدِّينيِّ الأعمَى، والرَّأسماليَّةُ المُتَوَحِّشَةُ المُتَمَثِّلَةُ بالجَشَع المُتَفَلِّتِ مِن أيِّ رادعٍ مِن ضَميرٍ، أو وازِع! ولا شَكَّ في أنَّ الوَحشَ الثَّاني، الرَّأسماليَّةَ المُتَوَحِّشَةَ، هو الأخطرُ على البَشَريَّة، فهو، بعامَّةٍ، الَّذي يَتَسَبَّبُ بإِطلاق يَد الوَحش الأوَّل!

ثمَّ إنَّ الحضارةَ، كما الثَّقافةُ، والكرامةُ، والأخلاقُ بعامَّةٍ، والفَضائِلُ الإنسانيّةُ، لا تُشْرى ولا تُباعُ، بَل تُصْنَعُ بالبِناء، تُحْفَرُ في النُّفوس والصُّخور! وعلى الإنسان أنْ يُكمِلَ مَسيرةَ الخَلْقِ، لا أنْ يُعيقَها أو يُدَمِّرَها، وأنت يا وهيب، بكتابك “مَفاتيحُ السَّماء”، تَسيرُ في درب الحقيقة الَّتي نكتفي، نحن البَشَر، بتلمُّسِها لا كالحقيقة الحقيقيَّة، المُطلَقَة، الدِّكتاتوريَّة، بَل كأفضَل ما تَوَصَّلَ إليه أشخاصٌ مُعَيَّنون في زمنٍ مُعَيَّن، ذلك أنَّ مَعرفةَ الحقيقة الحقيقيَّة، والتَّأكُّدَ منها، أمرٌ صَعبٌ ونادر، فالإنسانُ الفاعِلُ في الأحداث مُتَغَيِّرٌ، وكَذا ناقِلُ الأحداث مِن جيلٍ إلى جيلٍ مُتغَيِّرٌ، ومِن الخَفايا ما سيَبْقى خَفِيًّا. كما أنَّ احتِكارَ الحقيقة على مَرِّ الأزمان أمرٌ مُستَحيل، ولاسيَّما في مَسائِل الإنسانيَّات. ولَئِن أَنشَدَ ابنُ الوَرديِّ (1292-1349) في لامِيَّته: “لا تَقُلْ قد ذَهَبَتْ أربابُهُ / كُلُّ مَن سارَ على الدَّرْبِ وَصَلْ”، فنحن، معشَرَ البَشَر، نَكتَفي بالسَّير على الدَّرْبِ، وبالتَّلَمُّس!

في الثَّالث من تمُّوز 2017          

اترك رد