“الأزمنة الدينية” لخالد غزال يُقرأ كمرجع في مجاله

  انبعاث التطرف الأصولي هذه أسبابه وسبل استيعابه


ليس مستغرباً أن يسارع قارئ إلى وصف كتاب الباحث خالد غزال الجديد، “الأزمنة الدينية/ النص سيف السلطة”، الصادر لدى “دار بيسان”، بأنه مرجع في مجاله. ذلك أن الكتاب ينطوي على ميزتين جوهريتين؛ الأولى أنه يُنشر في الوقت الخطير والحسّاس المناسب من حياتنا الشاقة ومصائرنا الغامضة، والثانية أنه ينظر إلى الوقائع والحروب بما تشتمل عليه من أشكال العنف الجماعي والتطرف الأصولي، بعين المؤرخ المحلّل، رابطاً مشكلات الحاضر بحوادث الماضي وتجاربه، مستخلصاً ما ينبغي استخلاصه للخروج من عنق الزجاجة في العالمين العربي والإسلامي.

يرى الباحث أن الظاهرة الدينية كانت في الأصل من نشوء الأديان، وأن المجتمعات البشرية عرفتها منذ قيامها وشكلت حاجة اجتماعية وروحية للشعوب، ملقياً الضوء على تاريخية هذه الظاهرة الدينية والحاجة الدائمة إلى منقذ ونبي، أكان ذلك في الأديان التوحيدية أو غير التوحيدية.

في تناوله للتراث الديني، يركّز على عقائد بلاد ما بين النهرين، والديانات المصرية واليونانية القديمة، ويعرّج على الهندوسية والبوذية والطاوية والكونفوشية والسيخية والبوذية والزرادشتية، وصولاً إلى اليهودية والمسيحية والإسلام.

أكثر ما يلفت في الكتاب أنه عندما يتناول الأديان في وحدتها وتعدديتها، فإنما يستدرج القارئ إلى تمثّل ظواهر الزيف الذي رافق الإيديولوجيات الدينية ولاهوت الأديان، بما يظهّر الخصام والخلاف في ما بينها، علماً أن منطلقاتها وعقائدها وقيمها شبه مشتركة، وأحياناً واحدة موحدة.

وعندما يصل إلى معالجة الإسلام السياسي، يعكف على دراسة الأسباب الموضوعية والذاتية لصعود الإسلام السياسي في المجتمعات العربية، لافتاً إلى السمات الإيديولوجية المشتركة للإسلام السياسي هذا، متطرقاً إلى الممارسة من خلال عدد من النماذج في كلّ من مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا والعراق وفلسطين والسودان ولبنان، ليصل في الختام إلى طرح السؤال الأساسي: أيّ مستقبل للإسلام السياسي؟ بل أيّ مستقبل للعالم في ظل صعود هذا الإسلام، وخصوصاً في غمرة ما يشهده العالم الغربي من صعود متدرج للعنف ومن تراكم للعمليات الإرهابية باسم هذا التطرف الأصولي.

يؤكد الكاتب أن الإسلام السياسي يعيش انفصاماً بين واقع العصر وسيادة العولمة بكل منجزاتها الفكرية والعلمية والتكنولوجية ونمط الحياة الذي تفرضه، مستشرفاً أن العقول المتحجرة مهما استعصت لن تستطيع الوقوف في وجه هذا المدّ المعولم، ذلك أن المستقبل سيفرض تحولات في الثقافة لا بدّ لها من أن تتعامل مع هذه العقول المتحجرة، بما يفضي عملانياً على المدى البعيد إلى تراجع الإسلام السياسي وتمظهراته العنفية في العالم، على الرغم من كل المؤشرات والدلائل التي تثبت العكس.

سيفرض المستقبل تحولات في الثقافة لا بدّ لها من أن تتعامل مع العقول المتحجرة، بما يفضي عملانياً على المدى البعيد إلى تراجع الإسلام السياسي وتمظهراته العنفية

 

اترك رد