وليد غلمية مؤلف أول سمفونية عربية مكرماً في الجامعة الأميركية في بيروت

بالتعاون مع وزارة الثقافة في لبنان، ينظِّم مهرجان الجامعة الأميركية لبرنامج زكي ناصيف للموسيقى «لنتذكر ونستكشف»، والمعهد الوطني العالي للموسيقى في بيروت، أمسية موسيقية تحت عنوان «تحية لوليد غلمية»، المؤلف الموسيقي وقائد الأوركسترا ورئيس المعهد الوطني العالي للموسيقى، تحييها الأوركسترا الوطنية الشرق عربية بقيادة المايسترو أندريه الحاج، ترافقها جوقة الكونسرفتوار الشرقية بقيادة عايدا شلهوب وبيار سميا، وذلك عند التاسعة والنصف مساء 15 يونيو 2017، في قاعة الأسمبلي هول في الجامعة.

يندرج احتفال «تحية لوليد غلمية» في سياق الذكرى السادسة لرحيل د. وليد غلمية (7 يونيو 2011)، هو الذي بقي حتى آخر لحظة من حياته حاملاً هم الموسيقى وحاضناً الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية التي أسسها في أواخر تسعينيات القرن الماضي، والأوركسترا الشرق عربية، التي أسسها أيضاً، وحرص على تقديم حفلات موسيقية كلاسيكية وشرقية، مفتوحة للجمهور مجاناً، بهدف تعويد الذائقة الشعبيّة على الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية والموسيقى العربية الأصيلة لكبار المطربين الذين صنعوا مجد الموسيقى في العالم العربي، من فيروز، وصباح ، ووديع الصافي إلى سيد درويش، وزكريا أحمد، وأم كلثوم…

الحق يقال إن البذرة التي زرعها د. وليد غليمة اثمرت وأينعت، وأكبر دليل على ذلك تهافت الجمهور اللبناني على حفلات الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية التي تقدمها بشكل دوري من دون انقطاع عملاً بوصية مؤسسها واستكمالاً لإرثه الفني الضخم. كذلك الأمر بالنسبة إلى الأوركسترا الوطنية للموسيقى الشرق عربية، التي تقدِّم حفلاتها بصورة دورية أيضاً.

هكذا بفضل مجهود د. وليد غلمية صار للبنان أوركسترا يفتخر بها أمام العالم، واستضافت على مدار السنوات الماضية قادة أوركسترا مرموقين من أنحاء العالم، وأحيت حفلات على مسارح عالمية.

تأسست الأوركسترا الفيلهارمونية في لبنان عام 1998 واكتملت هيكليتها عام 1999، وبدأت حفلاتها في يناير 2000. أما الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية، فتأسست عام 2000، وأقامت حفلتها الأولى في 28 يوليو من العام نفسه في قصر اليونسكو في بيروت.

أول سمفونية عربية

كرسّ د. وليد غلمية حياته للفن، واستثمر فيه مجهوده وأفكاره الخلاقة، ولم يكن يطيق العيش بعيداً عنه، فهو كان يمضي أوقاته إما في رعاية الكونسرفتوار الوطني الذي ترأسه لغاية وفاته، وحل مشاكله وتطويره ومراقبة الطلاب وتوجيههم، وإما في التأليف الموسيقي أو تقديم حفلات… لكأنه في ذلك أشبه بالسمكة التي ما إن تخرج من الماء تموت.

كان د. وليد غلمية رائداً في تأليف أول سمفونية عربية بعنوان «القادسيّة» (سيمفونية الإيمان) عام 1978، جسد فيها بطولات معركة القادسية بين المسلمين والفرس (62 دقيقة).

بعد ذلك ألّف سمفونيات: «المتنبي» (سمفونية الإرادة والبطولة) عام 1978 تعبيراً عن الإرادة والبطولة (40 دقيقة)، «المواكب» في أواخر ثمانينيات القرن الماضي (46 دقيقة)، «الشهيد» (سمفونية العطاء أو الإخلاص)، «اليرموك» عام 1979 (35 دقيقة).

كذلك ألف ما يسمى بالموسيقى المبرمجة من بينها: «مرجعيون»، و«بيروت»، و«مرايا الحنين»، وهي تتضنمن ستة فصول يروي فيها مراحل من حياة الفيلسوف اللبناني ميخائيل نعيمة.

في ستينيات القرن العشرين وسبعينياته شارك تلحيناً في مهرجانات محلية وعالمية من بينها: مرجانات بعلبك الدولية (1963، 1967 و1968)، مهرجانات جبيل (1970 – 1971)، مهرجانات الأرز (1965)، مهرجان «نهر الوفا» (1965)… إلا أنه عام 1970 توقف عن التلحين وانصرف بكليته إلى التأليف الموسيقي. تجدر الإشارة في هذا المجال إلى أنه لم يلحن أغاني عادية، بل اقتصر ذلك على المهرجانات.

محطات

ولد د. وليد غلمية عام 1938، في بلدة مرجعيون (جنوب لبنان). كان والده تاجراً، مولعاً بالكشافة، ويهوى العزف على الكمنجة والمندولين، فنشأ وليد في جو فني تمثّل بوالده وعمته أولغا عازفة المندولين. في السادسة من عمره، توفي والده فتسلّمت والدته مسؤولية رعايته هو وأخيه، وفي تلك السن المبكرة بدأ بدراسة الموسيقى.

احترف التأليف الموسيقي عام 1963 عندما كُلِّف بتجهيز أوبريت لمهرجانات بعلبك الدولية. أصدر أُولى أسطواناته عام 1968. إبان الحرب التي عصفت بلبنان في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، جال العالم قائداً للأوركسترا وتوقف في محطات في كنساس والعراق واليونان وسورية وبولونيا، فضلاً عن بلجيكا وسويسرا والأردن وباريس وإيران. له في مجال الأوبريت أو المسرح الغنائي اللبناني، إرث كبير يتجاوز خمس وثلاثين مسرحية غنائية.

رحل د. غلمية بعد صراع طويل مع المرض في 7 يونيو 2011 في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت.

الموسيقى الشرق عربية

يعتبر د. وليد غلمية أن الفن في لبنان أو في الشرق كله يجب أن يكون متنوعاً، فثمة من يؤلف وآخر يلحِّن وثالث يدرس، ورابع يؤرخ الخ… ويصف الموسيقى الشرق عربية بأنها عظيمة، وذلك بعد تبحره فيها وإشباعها تحليلاً، وقد بلغ في وقت من الأوقات مرحلة متقدمة في دراستها بحيث ارتأى أنه بات من الضروري تعزيز هذا الغنى وهذه العظمة بإعادة النظر في مقاماتها وتركيباتها.

يقول في هذا المجال: «إذا بقيت على المنوال الذي تعيش فيه اعتقد أنها في طريقها إلى الانحدار، وبالتالي خسارة جزء كبير منها، لأن الموسيقى الشرق عربية كما هي الآن، خارج نطاق أن يعرفها الإنسان ولو قضى عمره يدرسها. لذا يجب أن تضبط بقواعد، وهذا ما بدأنا تطبيقه في الكونسرفتوار الوطني اللبناني ولا بد من أن تظهر النتيحة تباعاً».

****

(*) جريدة الجريدة

اترك رد