التزوير في الأدب والشعر

 

يظهر أن التزوير في عالمنا يتعدَّى المعاملات الرسميَّة والتجارَّية ليشمل كل نواحي الحياة.. ومنها الإنتاج الأدبيّ والشعريّ. فممّا يجعل الناقد يحار في نقده أن يسمعَ من بعض العارفين، أو أن يقرأ لهم، أنَّ فلانًا من الأدباء أو الشعراء يدَّعي إنتاجًا ليس له، لأنَّه “يكتري” شخصًا موهوبًا ومحتاجًا ليشتري منه كتاباته أو منظوماته وينسبها إلى نفسه، أو على الأقلّ يحيل إنتاجه الشخصيّ إلى سواه ليهذّب له لغته أو يصحِّح أخطاءها.

فقد قرأنا مرّة أن بولس سلامة، الشاعر الكبير في نظرنا، ينظم قصيدته ثم يبحث عمَّن يقوِّم له عود أبياتها، وأن شكرالله الجرّ، في شعره كما أتاه بكرًا، لم يكنْ كما نُشر في ما بعد، بل كان كل بيت من أبياته يحتاج تصحيحًا في اللغة أو تجليسًا في الأوزان، وهذا ما سمعناه من شيخ من آل الدحداح تجاور قريته في فتوح كسروان قرية شكرالله ويعرفه عن قرب، وهو إنسان جدّيّ وصادق وذو شخصيّة توحي المهابة والاحترام.

ولا يخلو أدبنا المهجريّ من مثل ذلك، فالشاعر اللبنانيّ المغترب في البرازيل جورج عسَّاف يقال أنه كان يعرض قصائده قبل نشرها على بعض أصدقائه من مُتقِني أصول اللغة ليُعيدوا النظر فيها من هذه الناحية.

شكرالله الجر

ومن الأدب اللبنانيّ إلى الأدب المصري سمعنا من العلاَّمة الدكتور زكي المحاسني، الذي عمل ملحقًا ثقافيًّا في السفارة السورية بالقاهرة، أنَّ القاصّ الكبير محمود تيمور، الذي كان يكتب قصصه ورواياته بالعاميّة المصريَّة أسوةً بزملائه توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويحيى حقِّي وغيرهم، تحوَّل فجأةً إلى الكتابة باللغة العربيَّة الأصوليَّة الصارمة مما لم يكن له سابقة في إنتاجه، وفي استطلاع المحاسني لحقيقة الأمر تبيَّن له أنَّ عالمًا أزهريًّا “يترجم” له آثاره إلى الفصحى.

عزيز عباس

كما قرأنا أيضًا لكاتب مصريّ أنَّ الشاعر المسرحيّ الكبير، كما نعتبره، عزيز أباظة كان “ينتظر” أحمد مخيمر ليكتب له مسرحياته.

د. زكي المحاسيني

ولا ننسَ السرقات الشعريَّة والأدبيَّة، ومنها تلك القصيدة التي أدَّعى نظمها كلٌّ من إبراهيم طوقان والدكتور وجيه البارودي وتنازعا علنًا على ذلك، وهذا مدوَّن في كتاب “إبراهيم طوقان شاعر الوطن المغصوب” للدكتور زكي المحاسني. كما اتُّهم الشاعر أمين نخلة بسرقة أحد المعاني الواردة في قصيدة للشاعر الأرمنيّ اللبنانيّ كريكور واهانيان وتضمينه أحد مقاطع “مفكرته الريفيَّة”.

بولس سلامة

وهناك قصيدة للشاعر المهجريّ إيليَّا أبي ماضي أثارت ثائرة شاعرٍ عراقيٍّ مدَّعيًا أنَّها له بحرفيَّتها.. ويفوتنا الآن اسم هذا الشاعر لِقدَم هذه المسألة.

ومن أطرف ما سمعناه في هذا المجال أنَّ أمير الشعراء أحمد شوقي كان يستمدّ أفكار بعض قصائده ممَّا يطلع على خاطر شخصٍ سكِّير وفقير، آخذًا منه الفكرة المجرَّدة وساكبًا إيَّاها في قالبٍ شعريّ؛ فكان ينادي هذا الرجل سائلاً إيَّاه: “ماذا طلع معك اليوم؟” ومنقّدًا إيَّاه بعض القطع أو الأوراق النقديَّة، فيورد له هذا الرجل ما جاء على باله من هذا القبيل، “فيستلمه” شوقي ويسكبه في صيغةٍ شعريَّةٍ مضمِّنًا إيَّاه قصيدةً من قصائده.

نجيب محفوظ

إزاء ذلك نتساءل كيف سيتمّ التأريخ لأدبنا وشعرنا المعاصرَين ليكون المؤرّخ أمينًا وصادقًا في عمله؟

اترك رد