الجامعة الانطونية احتفلت بالذكرى الـ21 لتأسيسها

رئيس الجامعة الأب جرمانوس: حافظت على استقلالها واقتناعها وساوت بين الطلاب

احتفلت الجامعة الأنطونية بالذكرى الحادية والعشرين لتأسيسها وبعيد شفيعتها سيدة الزروع. وجريا على عادتها، أقامت استقبالا في أغورا الجامعة في دير سيدة الزروع في الحرم الرئيس في الحدت – بعبدا، في حضور حشد من الشخصيات الرسمية والديبلوماسية والعسكرية والتربوية والدينية والبلدية ورؤساء جامعات وأعضاء مجلس أمناء الجامعة ونواب رئيسها والعمداء اضافة الى أصدقاء الجامعة ووجوه اعلامية واجتماعية.
جرمانوس

استهل الاحتفال بمقطوعة موسيقية لعازف القيثارة الفرنسي كزافييه دو ميستر Xavier de Maistre، بعدها ألقى رئيس الجامعة الأب جرمانوس جرمانوس خطابه السنوي وحمل هذا العام عنوان “ما تمكن رئيس جامعة من رؤيته – ست سنوات من ولاية جامعية أنطونية” وتضمن عشرة محاور توقف خلالها عند “محطات عدة طبعت السنوات الست الأخيرة من مسيرة الجامعة الأنطونية تخللها نجاحات وانجازات، خيبات أمل ومقاومة وأخطاء”، حسبما أورد.

واعتبر أن “ست سنوات من الحوكمة تتيح للمرء الذي يقود مؤسسة ما أن يرى، يدرس، يشارك، يميز، يحكم، ويقرر لكي ينتقل الى المرحلة العملية وينفذ بالتالي، ضمن فريق، المراحل المتعددة لخطة تطوير مفصلة ودقيقة”.

وتحدث عن “تعايش الجامعة الأنطونية وانفتاحها على الطوائف الأخرى”، فقال: “لم يكن يوما إيجاد حيثية للرسالة والمؤسسة على خطوط التماس بين الدروز والسنة والشيعة مع المحافظة على الهوية الكاثوليكية تحديا فحسب، بل واقع حال لا يتجزأ عن هوية رسالتنا الأنطونية”، مشيرا الى أن “الجامعة الأنطونية مدموغة بطابع التعددية وتنوع الثقافات، فلا عجب أن نشعر في وسطها بتردد موجات التوتر الكامنة والنابعة من أوساط أخرى. ومن الطبيعي أن يولد هذا مشاكل غالبا ما تجذب إلينا دعاية غير مرغوبة، وفي أكثر الأحيان، غير منصفة. ولسوء الحظ، إن وسائل الإعلام لا تلقي الضوء، كما يجب، على نجاح برامجنا الأكاديمية، ولا على نشاطاتنا الثقافية. في المقابل، هي لا تمتنع عن انتقاد سياسة الانفتاح التي نتحلى بها، وتتهافت لتغطي حدثا هنا أو شجارا هناك”.

وتابع: “ما بين التوترات السياسية الدينية، من جهة، ومتطلبات الرسالة الأنطونية التي تقتضي استقبال الآخر من دون نكران الهوية الذاتية أو المساومة عليها، من جهة أخرى، نقول، بكل ثقة، إن الجامعة الأنطونية استطاعت في 21 عاما أن تكسب الرهان. فهي حافظت على اقتناعها ولم تنكر إيمانها، مع احترامها إيمان الآخرين الذين تستقبلهم كأخوة وأخوات في حضن مؤسسة كاثوليكية”، مؤكدا أن خلال هذه السنوات الست من الولاية، لم نغفل عن هذا الواقع الفئوي المعقد. بل على العكس، قررنا أن نتحمله بكامل تبعاته”.

وعن ” تسييس” الشباب اللبناني ورغبة الطبقة السياسية في استقطابه، قال: “في وطننا لبنان، تشكل الجامعات ميدانا مرغوبا لدى الأحزاب السياسية كافة التي تسعى إلى تثبيث قواعدها وتجنيد الشباب الجامعي اللبناني. ولا يتوقف تدخل بعض السياسيين في بث عقائد أحزابهم وتياراتهم السياسية وأفكارها في وسط الجامعات من خلال مناصريهم الشباب، بل يصل إلى حد ادعاء امتلاكهم حق التدخل في الشؤون التأديبية والإدارية وحتى الأكاديمية لمناصريهم الشباب، ليتوسطوا لهم ويطلبوا لهم المعونات المادية والمعاملة التأديبية المميزة، بل وحتى الطلب من الإدارة، بحجة التسامح، تزوير نتائج امتحانات واختبارات أكاديمية! ويزداد التوتر سنويا مع اقتراب موعد انتخابات ممثلي الطلاب في الجامعات، وبالأخص من الأحزاب “المسيحية” التي تعتبر، باسم “الإيمان”، أنها تمتلك حقوقا على المؤسسات المسيحية كافة”، لافتا في هذا الاطار الى أن “الجامعة الأنطونية لم تقطع يوما الجسور مع الأحزاب السياسية من كل الطوائف والألوان وهي نجحت، في الوقت عينه، في التأقلم مع الأوضاع والمحافظة على استقلالها المؤسساتية. كما تمسكت بثابتة إضافية، ألا وهي تذكير الطلاب، من جهة، والمسؤولين السياسيين، من جهة أخرى، بأن الشباب الجامعي يعاملون بمساواة من دون أي تمييز على أساس التوجه السياسي، فما بالك بالانتماء الطائفي”.

وأضاف: “إن الجامعة الأنطونية، إذ تبقى أمينة لنظامها الداخلي الذي يحظر أي نشاط سياسي في حرمها، لم تنس ولم تهمل دورها في تربية مواطن الغد. فأعدت برنامج تنشئة على المواطنة مع تنشئة أخلاقية ومدنية، هدفه تطوير روح النقد لدى الشباب وتعزيزه، ومضاعفة مهاراتهم الاجتماعية القائمة على القيم المشتركة المتمثلة بالحرية والتسامح واحترام الآخر، لتحضيرهم وتجهيزهم ليصبحوا مواطنات ومواطنين حقيقيين، عناصر تغيير وسط المجتمع. ويتخذ هذا الرهان أهمية كبرى لجامعتنا التي تسعى إلى سد الفجوات والتعويض عن النقص الحاصل في هذا المجال من البيت الوالدي مرورا بالمدرسة ووصولا إلى المجتمع المدني، والمشاركة بقدر استطاعتها في نهضة وطننا (…)

وفي استعادة لأبرز الخطوات التي حققتها الجامعة خلال هذه الولاية، توقف رئيس الجامعة عند مسيرة الاصلاح المؤسساتي والاداري والمالي والأكاديمي التي سلكتها الجامعة، ومما قال: “لقد واجهت الجامعة الأنطونية، في غضون بضع سنوات، تحديات متعددة، والتزمت مسيرة الاعتماد المؤسساتي الخارجي والتدقيق الحسابي الداخلي والخارجي، علامة للشفافية المالية والمؤسساتية وضمانا لمسيرتها نحو آفاق أخرى. في الوقت عينه، بذلت جهود كبيرة في اتجاه إعادة بناء روح فريق وعائلة جامعية ملتحمة. فالواقع الذي يبث الروح في كلمات “زملاء” و”أصدقاء” و”مشتركون في المسؤولية” و”فريق” و”شركاء” هو حقيقة يومية معيوشة عفويا بين أعضاء المؤسسة الواحدة، في إطار من الاحترام المتبادل والمهنية، مستبعدين بذلك التعجرف المؤسساتي ومشددين على الإنتاجية السليمة والمؤنسنة، من دون إهمال مبدأ عدم التسامح في وجه محاولات إساءة الثقة وعدم الأمانة تجاه “أملاك الفقراء”.

كذلك توقف عند الترتيبات التي اتخذتها لتأمين مسار مهني ثابت لجسمها التعليمي عبر “منح أعضاء هيئتها التعليمية أفضلية الأسبقية التي تقود بهم نحو عقد عمل لمدة غير محددة وتحفيزهم على البحوث وورشة تطوير المباني التي ترافقت وسياسة دعم الطبقة الوسطى من المجتمع من خلال تقديم أفضل مستوى أكاديمي بالأسعار الأكثر اعتدالا اضافة الى مسيرة الجودة المزدوجة مؤسساتيا وأكاديميا التي اعتمدتها الجامعة مع المنظمة السويسرية للاعتماد وضمان الجودة Agence Suisse d’Accréditation et d’Assurance Qualité (AAQ)، والتي ستختتم في أيلول 2017”.

وذكر بنقطة حساسة: سياسة تطوير البرامج والاختصاصات التي تقترحها الجامعة لطلابها، فقال: “لا يسعني قطعا أن أتغافل عن العوائق التي فرضها علينا الفراغ الرئاسي الذي عاناه وطننا طوال فترة عامين ونصف عام، بالإضافة إلى النتائج المضرة لهذه الحالة الشاذة على مصير ملفات الاختصاصات الجديدة التي تقدمت بها الجامعة الأنطونية لدى المديرية العامة للتعليم العالي في وزارة التربية”.

وتابع: “إن الجامعة الأنطونية تسعى إلى تطوير برامجها الحالية، مع السهر على إكمالها ببرامج واختصاصات أخرى، نتيجة لدراسات جدية أجريت على السوق وحاجات المجتمع. ثم إن القيود الإدارية للوزارة وثقل بعض الإجراءات الإدارية المشهور بها لبنان تضع القطاع الخاص للتعليم العالي أمام صعوبات حاولت بعض الجامعات، للأسف، أن تلتف عليها بإنشاء اختصاصات لم تلق التصريح الوزاري المفروض، ثم “سوقت” لتلك البرامج جزافا في أوساط “زبائنها”.لكن كل تلك العقبات لم تمنع الجامعة الأنطونية من تعزيز برامجها الأكاديمية الحالية، من دون أن تنسى الاستثمار في مجال التربية الجامعية والإحاطة الأكاديمية لطلابها. لذلك تم إنشاء مركز المرافقة التربوية الجامعية والدمج (APUI) لتأمين مرافقة تربوية جماعية وفردية لأساتذة الجامعة الأنطونية ومؤازرتهم في عملية التطوير المهني والإبداع التربوي. ويرافق المركز أيضا الكليات في تقويم البرامج التربوية وإعادة هيكلتها وفي تقييم النتائج التعلمية للطلاب وتقييم الأساتذة. بالتوازي مع ذلك، تجسد الدعم المادي والمعنوي لقطاع البحث عبر إنشاء نيابة رئاسية مخصصة لهذا المكون الجامعي، وإنشاء مجلس البحث العلمي وإقرار أنظمة مناسبة، بالإضافة إلى تعزيز وحدتي البحث الموجودتين أصلا وإنشاء وحدة ثالثة. فضلا عن ذلك، وبالتزامن مع توقيع الجامعة الأنطونية، عام 2016، شرعة المبادئ الأخلاقية للبحوث في لبنان، أسست مجلسها الأخلاقي ووضعت سياسة خاصة للبحوث التي تقتضي اشتراك البشر فيها. وتبقى باقة جميلة من الاختصاصات في انتظار مراسيمها وتشريعات أخرى من وزارة التربية لتتمكن الجامعة الأنطونية من تقديمها للشبيبة المتعطشة للعلم والمهن الجديدة”.

واذ شكر كل من رافقه خلال هذه المرحلة، ختم: “في هذا العرض الذي سبق، لم أشأ أن أقدم تقريرا يفصل الإنجازات التي تحققت خلال هذه الرئاسة التي دامت ست سنوات. وددت، بكل بساطة، أن أشهد على التحديات والصعوبات التي واجهها رئيس جامعة لبنانية كاثوليكية متوسطة الحجم، وكيف تم تسخير الكثير من الطاقات في المكان المناسب طوال هذه السنوات الست المنصرمة، وحتى كم من خيبة أمل واجهها وإمكانات وجهود تم التفريط بها بسبب وضع بلدنا وكنيستنا المعقد. لا ينتابني أي ندم عن هذه الفترة. ولا أتمنى قطعا العودة إلى الوراء. أرجو من كل قلبي أن ما استطعت بناءه مع الذين شاءوا أن ينضموا إلى فريقي سيخدم خلفائي ليسيروا بالجامعة الأنطونية قدما. فهذا هو سر مؤسساتنا الكنسية التي تبنى طبقة تلو طبقة من العمل الدؤوب، تلتحم بالإرادة الصالحة لبناتها، لكن الأهم من ذلك أنها تتنقى وتتثبت بنعم ربها وإلهها”.

اترك رد