نظمت مؤسسة عبد الحميد شومان بالتعاون مع “مؤسسة الفكر العربي” ندوة مشتركة في عمان، ناقشت خلالها كتاب “من يحكم العالم؟” الصادر عن مؤسسة الفكر العربي، وذلك ضمن سلسلة “حضارة واحدة”، والذي أشرف عليه الباحث الفرنسي برتران بادي، ونقله إلى العربية نصير مروة.
شارك في الندوة المدير العام لمؤسسة الفكر العربي البروفسور هنري العويط، وأستاذ علم الاجتماع الدكتور إبراهيم عثمان، والدكتور إبراهيم غرايبة، والباحث معاذ بني عامر، وأدارها وزير التربية الاردني الأسبق الدكتور إبراهيم بدران. كما حضر أكاديميون وباحثون ومختصون بالشؤون الدولية، ناقشوا المؤثرات المختلفة التي أصبحت تتحكم في علاقات الشعوب والبلدان، وتأثيرات التغيرات الجديدة في السياسة والصناعة والاتصال على تلك العلاقات، وأثر ذلك على السلطة السياسية التي احتكرتها الدولة زمنا طويلا، قبل أن تتنازل عن بعضها لجهات أخرى.
العويط
وقدم البروفسور العويط مداخلة، أكد فيها “أن الكتاب يمثل وجها من الأوجه المتعددة والمنوعة التي تتجسد فيها الرسالة التنويرية التي اطلعت بها مؤسسة الفكر العربي منذ إنشائها سنة 2000”. ولفت إلى “أن المؤسسة تسعى جاهدة من خلال إصداراتها وفعالياتها المختلفة، إلى الإضاءة على القضايا الكبرى التي تهم العرب في مختلف المجالات التربوية والثقافية والاقتصادية والسياسية والمجتمعية، وإلى إثارة الوعي بخطورة شأنها، والتحفيز على التبصر في تحدياتها ومآلاتها، والبحث عن سبل مواجهتها، والمساهمة في إيجاد الحلول الملائمة لها”.
وأوضح العويط “أن الكتاب الذي صدر ضمن برنامج “حضارة واحدة” للترجمة، وهو البرنامج الذي أطلقه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، رئيس المؤسسة في العام 2008، تفعيلا لرسالة المؤسسة الهادفة إلى ترسيخ الهوية العربية الجامعة، وإبراز معالم الثقافة العربية، وإلى الانفتاح على ثقافات العالم الأخرى، إيمانا منا بأن الحضارة الإنسانية هي في جوهرها واحدة، يسهم في بنائها شعوب وأمم مختلفة، وهي ثمرة حوارها المتواصل، وتفاعلها المتبادل، وتلاقحها الخلاق”.
واعلن “أن الكتاب يندرج في سلسلة “أوضاع العالم”، وهي السلسلة التحليلية السنوية التي أطلقتها دار النشر الفرنسية La Découverte في خريف العام 1981، وتعنى بعرض أوضاع العالم، عبر أحدث الدراسات والإحصاءات، وتناقش المستجدات الراهنة على مختلف الأصعدة الاجتماعية، والثقافية، والتربوية، والاقتصادية، والتنموية، والسياسية، والعسكرية”، لافتا إلى “أن كل عدد من السلسلة يختص بمعالجة قضية مركزية على المستوى الدولي”.
ورأى “أن أبرز ما تتسم به سلسلة “أوضاع العالم”، هو المنهجية التكاملية في تناولها الموضوعات من جوانبها المختلفة، والتغطية الشاملة والتوثيق الدقيق اللذان توفرهما، بفضل ما تتضمنه من مقالات ودراسات وأبحاث تشارك في كتابتها مروحة واسعة من كبار الاختصاصيين والخبراء”. وأشار إلى “أن الكتاب طرح سؤالا بالغ الأهمية: من يحكم العالم؟، وكيف؟ وهو أعطى جوابا حاسما يعكس أوضاع العالم الراهنة بأمانة وموضوعية: ما تزال الدول لاعبا أساسيا على صعيد العلاقات الدولية، ولكنها لم تعد تستأثر وحدها بحكم العالم وتتحكم بمصير شعوبه، بعد أن برز على الساحة الدولية لاعبون جدد، باتوا يقاسمونها السلطة، ومنهم الشركات المتعددة الجنسيات، والمنظمات غير الحكومية (NGO)، والجاليات ولوبياتها، والأحزاب، والمؤسسات الدينية، ووسائل الإعلام، وتجار الأسلحة، والهيئات الثقافية، والشبكات المختلفة”.
عثمان
ورأى الدكتور عثمان في مداخلته، “أن العالم كما جاء في أبحاث الكتاب، يعني عوالم تتدرج في مستوياتها من مجتمع محلي، إلى مجتمع الدولة، إلى المجتمع العالمي، وبهذا يرتبط مفهوم الحكم والتحكم والسلطات بهذه المستويات كلها”. وأكد “أن الدولة الحديثة وخصوصا منها في البلدان العربية، لم تقض على العلاقات الأولية والطبيعية، ولا على الأسس والسلالات السياسية. ولم تحل الجماعات الطوعية أو الرسمية كليا مكان العائلات والسلالات، ولا محل العشائر والقبائل”.
وتطرق عثمان إلى “السلطة المعنوية القوية الممثلة في العقائد، وخصوصا منها الدينية”، لافتا إلى “أن الدين من المصادر المهمة للهوية الجماعية”، رابطا “الأديان بالعولمة من باب قدرتها على تكوين شبكات وجماعات وطوائف تخترق الحدود القومية، وتتعدى منطق السيادة”. وأشار إلى “التثاقف ما بين الدين والعولمة، وخصوصا الآن من خلال وسائل الاتصال، في التعبئة والتجنيد، بيد أن الانتماءات الدينية تتناقض مع العولمة في تحديد الهوية بين الخاص والمعولم”.
وأكد “أن المفكرين جعلوا امتلاك القوة واحتكارها من أسس تكوين الدولة”، معتبرا “أن ما يميز الدول الحديثة هو قدرتها على التأليف والمطابقة بين ثلاثة أنماط من الحدود: الحدود المادية القسرية، واحتكار العنف المادي والشرعي، والحدود الاقتصادية”. وحدد أطرافا عدة تهدد سلطة الدولة اليوم، كالشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للحدود، وشركات المال والصناعة النفطية والسيارات والطاقة والاتصال، ومؤسسات الشبكة العنكبوتية وشركاتها، غوغل وأبل وفيسبوك وأمازون”.
غرايبة
ورأى الدكتور غرايبة “أن الكتاب وعلى الرغم من أنه يتخذ طابعا عالميا في الرؤية والتحليل، فإنه يظل يعكس تفكير النخبة الفكرية الفرنسية ورؤيتها للعالم”. وأشار إلى “خمسة معالم من معالم النظام العالمي يؤشر إليها الكتاب، وهي: التقاليد السائدة والمتبعة، والقدسي والديني، والدولة، والاقتصاد، والعولمة”.
وأكد “أن السلطة اليوم تسير أو تتشكل وفق مداخلات جديدة إلى جانب القسر والهيمنة، مثل القوة الناعمة والقوة الذكية، كما أنها تتشارك مع الفضاء العالمي، والتعامل الواقعي مع صعود الفرد وقدرته على التحرر من قسر الدولة وفرصه الجديدة في العمل والتواصل وتخطي الهيمنة والرقابة”. وأكد “أن منطقة الشرق الأوسط تشكل حالة صارخة من الشواهد على تطبيقات العولمة ومتوالياتها وتحولاتها”.
بني عامر
واعتبر الباحث بني عامر أن كتاب “من يحكم العالم؟ هو “استظهار لشبكة العلاقات الإنسانية، استظهار وصفي كما هي في واقع الحال، وقد سعى إلى تفكيك هذه العلاقة الوصفية تفكيكا عقليا، وتجاوزها أخلاقيا، وهو يأخذ بعدا يكاد يكون شاملا لمجمل العلاقات الإنسانية”. وقال: “إذا كان مارك زوكربيرغ يتمتع بصلاحيات هائلة للتحكم بجزء كبير من مصالح البشر، وإن بطريقة ناعمة، فإن دولة مثل أميركا تتمتع بقوة هائلة هي الأخرى للتحكم بجزء كبير من مصالح البشر، ولكن بطريقة خشنة وقاسية هذه المرة، هكذا ما بين زوكربيرغ وأميركا، ثمة مراتب لبؤر صغيرة تساهم في حكم العالم، أو في حكم عوالمها بالأحرى، كل من زاويته ومنطقته”.
ولفت إلى “أن الصيغة الاستفسارية عمن يحكم العالم هي صيغة متعددة الإجابات، نظرا لانطواء الحركة الدؤوبة للبشر على مساحات شاسعة من التحكم، سواء أخذ هذا التحكم صيغا صغرى كما هو الحال في الأسرة أو القبيلة،أو أخذ صيغا كبرى كما هو الحال بالنسبة للشركات العابرة للقارات أو الولايات المتحدة”.
وكان الدكتور بدران قدم مداخلة في بداية الندوة، تلخيصا لأهم ما اشتمل عليه الكتاب من طروحات وقضايا، لافتا إلى أن الكتاب “أظهر أن العولمة نوعت أدوات السيطرة ومواضع الغلبة ومداها”، وعرض “أهمية الشركات متعددة الجنسيات ونفوذها السياسي والاقتصادي الناتج عن العولمة، وعدم التكافؤ الاقتصادي، وما يرافق ذلك من تعزيز الاتصالات وخاصة الشبكة العنكبوتية وخوادمها”.