عبد الرزاق كمون
(أديب – صفاقس – تونس)
كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة، نبتت مؤسسة المورد الثقافي من ركام “الشتاء العربي” لتضيء الشمع بديلا عن لعن الظلام، ولتدعم الإبداع الفني والتبادل الثقافي في المنطقة العربية. وقد راكمت منذ تأسيسها نجاحات شواهد، و أحدثها برنامج “عبارة “.. خطوة متقدمة في رفد العمل الثقافي المستقل بمنصة للانطلاق والإقلاع إلى أفق النجاح والقدرة على الفعل وعلى التغيير.
وترد على “عبارة ” عشرات المشاريع الثقافية لشباب متوثب لا يستطيب الأمان الذي يؤمنه الجلوس على الربوة وإنما يفضّل النصب الذي يغيّر و يتقدم بالإنسان و بالأوطان .
و”عبارة المورد الثقافي” تتبنى ذلك المثل الجميل “لا تعطني سمكا ولكن علمني كيف اصطاد ” … بل انها تزيد عليه فتعطي السمك وتعلم الصيد في الآن نفسه.
الشباب الذين اجتمعوا في بيروت من 24 الى 30 نيسان جاؤوا من أصقاع عربية متباعدة.. من موريتانيا و المغرب و تونــس، ومن مصر وسورية ولبنان واليمن.. جاء بهم ايمانهم بالتغييـــر و ثقتهم في قدرة الفن على ذلك.
تنوعت مشاريعهم بين الموسيقى والسنيما والحكاية والمسرح.. عرضوها ودافعوا عنها بحبّ كبير لفنّهم ولأوطانهم ومواطنيهم .. وكان المورد الثقافي حفيّا بهم. كريما معهم… أصغى جيدا لهواجسهم، وقدّر اندفاعهم وبذل لهم المعرفة والمهارة في الإدارة المنتجة لمؤسساتهم. كانوا جميعًا يشتغلون “على البركة” ويقدّرون بأنّ الحماس كاف وحده لإحداث التغيير فاكتشفوا ضرورة أن يدججوا حماسهم بالعلم بقواعد التخطيط والاستراتيجيا وبرشاد الحوكمة… علمهم المدربون في الورشة أن الإدارة فنّ أيضًا.. صبروا عليهم.. شرحوا النظرية وأفاضوا … حرّضوهم على اختبار النظرية بالتطبيق… فتحوا المجال للنقاش والتفاعل .. انكشفت الأخطاء فتداركوها، وتعززت ثقتهم في جدوى الأخذ بمناهج العلم لإدارة مؤسساتهم المستقلة حتى لا يظلوا أسرى للنوايا الطيبة وحدها وهي التي تفرش الطريق إلى جهنم.
ورشة “عبارة ” التدريبية أتت أكلها أضعافا: أعطت علما، وذللت سبيلا، وأقامت جسر تواصل بين نخبة من شباب العرب يمكنهم من الاشتراك معا في صنع الأجمل والأبقى … وفتحت للحلم ألف باب .
فريق التدريب مبهر بمهنيته العالية و تناغمه …. حنان، رنا، سيف، ريم، محمد … عملوا كأسرة وأشعروا كل واحد من المتدربين بأن نجاحه قضية شخصيّة لكل واحد منهم.
ولابدّ من تنويه خاص بحنان الحاج علي… سيّدة استثنائية . وفنانة حتى النخاع وأستاذة متفوقة.. أهدت المشاركين في الورشة عرضًا خاصًا من مسرحيتها “جوكينغ” فوقفوا على جانب آخر مضيء من شخصيتها.. موهبة فريدة، وجرأة في الطرح، و اقتحام شجاع للمسلمات تخلخلها، وتدمّر سكونها، واستفزاز للفكر تحرّضه على ارتياد المجاهل باللاّء التي لا تخنع.