ضحى عبدالرؤوف المل
(كاتبة وناقدة فنية- لبنان)
يخترق الفنان “ادونيس طعمة” (Adonis Tohme) حدود الالوان، ليمنحها من ذاتيته ما يجعلها تعيد نظرة الانسان الى مكنونه الداخلي دون انفلات في عبثية الواقع الذي يمسك به عبر الخط، محاولا اكتشاف الشكل كوسيلة لمحو القلق والارتباك بالفن. اذ يرافق الترابط اللوني الضوء بمراحله المتقطعة زمنيا. اي نشوة الفترات التي تتأثر بها ريشته الوجدانية، ويتلاحم مع التفاصيل برفاهية الشفافية التي ينتهجها الفنان “ادونيس طعمة ” بشكل تتزعزع فيه الفراغات. ليوحي بقوة الابعاد التي تحتاج الى بصيرة انسانية تعيد انتاج الواقع، وفق مجازية الاشكال المبطنة التي تهدف الى استثارة الحس الانساني والجمالي عند المتأمل للوحاته ذات العبارات التشكيلية المؤطرة بالخروج من الواقع،
عبر الايحاء والغرق بالتخيلات للاتجاه نحو الواقع الاكثر قوة في الانسان الذي يعيد ترتيب ذاته بعد ازمات القلق التي يمر بها في الحياة . فهل يعالج الفنان “ادونيس طعمة ” القلق الذاتي بالرسم لانتاج الطمأنينة والفرح وبث الجمال في النفس التي تغوص في معاني لوحاته؟..
وحدات بصرية تتكاتف في معرض الفنان ” ادونيس طعمة” لتضفي على اللوحة ثقافة تشكيلية ذات مسارات فنية معاصرة في تكوينها الحركي، المتقاطع مع تأويلات وهواجس لونية ذات ملامح عبثية. الا أنها تنتمي لنظرة متغايرة في بناء المفهوم الجمالي الذي يرتكز على البساطة ضمن تعبيرات ايحائية تهدف الى خلق متناقضات بين اللون والخط، لترتسم الحركة المعاكسة للضوء تبعا لنظرته التي تبحث عن عدة تساؤلات تبرز كنوتات لونية ترصد الشكل الغير مكتمل، كنوع من الايماء الهندسي المتذبذب والمغمور بتدرج الالوان. اي باستبطان للمعنى الفني الذي يخفيه مع الخطوط الوهمية التي يستكملها البصر بتنظيم حدسي ذي مضمون يتميز بطابع جمالي له مدلول ريشة تتوخى الحذر في اخفاء الرمز ، وكأنه يترك المفردة التشكيلية كالهيكل الذي يشبه الكيان الفارغ من العاطفة والخط الذي ينقل الافكار للاخرين، وكأن الفنان “ادونيس طعمة” يبحث عن عاطفة اللون بين الخطوط التي تثير شتى النغمات الداخلية والخارجية في اللوحة.
يتحرر الفنان ا” دونيس طعمة ” من الحس الواقعي بتحويل الاحاسيس اللونية جماليا الى مقطوعات بصرية متناغمة ذات اشكال مرئية لها حركتها المرنة، والمترددة في استكمال الوجود الذي يضعها فيه ادونيس ضمن الخطوط الانتصافية او الشكل المدرك للمستويات البصرية التي انشأها عبر الالوان باسلوب المزج بين عدة تقنيات مزاجية نوعا ما ، لتساهم في ابراز الجزء عن طريق نقل عاطفة اللون وسط ابعاد الخطوط بثنائية الخط واللون، والظل والضوء، والفاتح والداكن، والفروقات الحسية المختلفة بربط بين الدال والمدلول واللون وانعكاساته التي تؤثر على الظواهر الحسية على اختلافات مكنوناتها ومعاييرها المتعارف عليها ، وان غلبت الانفعالات على اللون توازنت العقلانية مع الخطوط وكـن الريشة تلجأ الى تفربغ التأثيرات الواقعية ضمن تخيلات تضغط على معاني اللوحة التي تمحو القلق بجمال يتميز بالبساطة الفنية التي تنم عن فهم لمراحل تكوين الرؤية البصرية بالالوان التي تتوسد الضوء وتلامس الفراغات بدينامية حركية ذات سمات منسجمة مع بعضها البعض.
كل جزء من اللوحة في معرض الفنان “ادونيس طعمة “يحاكي الحواس بمهارة تجسد الخصائص التشكيلية التي يعتمد عليها، ليعالج الارتباك الباطني بحركة تتجلى بمعايير الالوان ، وايضا توظيف معنى الاشكال لخلق محاكاة ذات قيم بصرية تمثل السلوك الحياتي وفق صياغة تلائم خطوات الريشة التي يتمسك بها طعمة، وتسترعي انتباه المتلقي، بل ! وتعصف بالذهن لمعرفة معنى خصائصها الجمالية المتفاعلة مع المعطيات البصرية بشكل متكافىء، لكن لا يؤدي الى الافصاح الفني الظاهر. الا انه مترابط ويعتمد على مفاهيم البساطة التي تربط بين العناصر الفنية. اذ تميز معرض الفنان “ادونيس طعمة” الذي اقيم في غاليري” وايت سبيس”galerie white -space بدلالاته البصرية، القائمة على اسس النظرة البسيطة للوحة التي تحمل قوة فنية ذات نزعة غامضة، وايحاءات ترتبط ارتباطا وثيقا بالانسان وقدرته على استكشاف ما حوله ان بالرمز اوالتعبير، للحد من مسارات القلق النفسي الذي يرافقنا من خلال ابراز تناقضات الشكل والحجم، والتأثير بتدرجات الالوان وجماليتها في تحقيق المعنى الهادف الى تخفيف التوتر والانطلاق نحو موسيقى الحركة الداخلية، المحفوفة برومانسية تتضاد مع الواقع الذي يطمسه بشغف فني يؤدي الى قناعات تدفع بالمتلقي الى الغوص في عمق اللوحة ومتاهاتها الفكرية، المتوهجة بفلسفة نفي الواقع واستحضاره في الشكل الغير المكتمل او المفتوح على عدة تأويلات تؤدي الى عصف ذهني ، مما يجعلنا نستمتع بمكنونات اللوحة وخباياها التشكيلية.
ولد أدونيس في أكرا/ غانا سنة 1942 وكان أول معرض منفرد له في عام 1976 في فندق كارلتون في بيروت. بعدها، ولسوء حظ الفنان فقد الجزء الأكبر من أعماله في حريق الحرب. استغرق الخروج من هذه التجربة المأساوية بعض الوقت، وعاد الفنان إلى المشهد الفني عام 2010 مع معرضين منفردين في Libre Surface ، تلاها معرض آخر سنة 2011 في جامعة هيغازيان. في عام 2013، عرض في Unique Piece في سوليدير ومن ثم في فندق روتانا بيتش، أبوظبي في عام 2015.
****
(*) معرض الفنان “ادونيس طعمة” ( Adonis Tohme ) في غاليري” وايت سبيس” (galerie white -space 2017).