“لدي حلم” لمارتن لوثر كينغ “أسطورة” حلم أتراه تحقق؟

بقلم: كلود أبو شقرا

“رغم الصعوبات والإحباطات، لا يزال لدي حلم، وهو عميق الجذور في الحلم الأميركي. لدي حلم، أنه في يوم من الأيام ستنتفض هذه الأمة وتنصرف إلى king--1-11عيش مبادئها: نعتبر هذه الحقائق بديهية بأن جميع الناس خُلقوا متساوين”… هذه العبارة تضمنها خطاب “لدي  حلم الذي ألقاه مارتن لوثر كينغ في 28 آب 1963 في واشنطن أمام 250 ألف شخص من الأقليات العرقية ساروا إلى واشنطن من أنحاء البلاد  خلال معركة الأميركيين السود للاعتراف بحقوقهم في الولايات المتحدة.

 أحدث هذا الخطاب تأثيراً في المجتمع الأميركي، وحفرت عبارة “لدي حلم”  على درج النصب الذي أقيم في المكان الذي ألقى فيه كينغ خطابه، وقد ردّد الأميركيون السود آنذاك شعار “المساواة الآن” وأنشدوا أغنية “سننتصر”   We Shall Overcom.

ساهمت المسيرة إلى واشنطن في صدور قانون الحقوق المدنية عام 1964 الذي حظر التمييز في الأماكن العامة والعمل والنقابات العمالية، وقانون حق التصويت في 1965، وتوسيع الصلاحيات الفدرالية في أميركا لضمان حماية المقترعين الأميركيين السود.

أوباما وحلم كينغ

في الذكرى الخمسين لهذا لخطاب، وقف  باراك أوباما، أول رئيس من أصل إفريقي  أمام نصب لينكولن في واشنطن حيث وقف كينغ منذ 50 سنة وغيّر التاريخ، وألقى خطاباً، قرب جرس كبير يعود إلى كنيسة في ألاباما أحرقت فيها أربع فتيات في حريق متعمّد في 1963، قال فيه إن كينغ وجد سبيل الخلاص للمضطهدين ومضطهديهم على حدّ سواء، وكلماته خالدة وتتميّز بقوة ووحي لا نظير لهما في عصرنا.

تذكّر أوباما الأفارقة الأميركيين الذين انضموا إلى مسيرة كينغ في واشنطن للمطالبة بحقوقهم ولإيقاظ  ضمير بلادهم، مقللا من شان التصريحات بأن تغيراً بسيطاً حدث للسود منذ خطاب كينغ، ومؤكداً أن “التقليل من شأن هذا التقدّم يعني الاستهانة بشجاعة الذين دفعوا ثمن المسيرة في تلك الحقبة وقدموا تضحيات. لضمان المكتسبات التي حققتها هذه الأمة، نحن بحاجة إلى يقطة مستمرة وليس التساهل”.obama-1

أضاف: “لا يمكن لأحد أن يضاهي مكانة كينغ، لكنني أعلم ان الشعلة التي اضاءت قلوب الذين هم على استعداد لاتخاذ خطوة أولى لتحقيق العدالة لم تنطفئ…”

انضم إلى أوباما  في الحفل الرئيسان السابقان جيمي كارتر وبيل كلينتون، وجون لويس، زعيم حركة النضال من أجل الحقوق المدنيّة للسود في الولايات المتحدة، وأفراد من أسرة كينغ.

 تضمنت فعاليات إحياء الذكرى الخمسين على مسيرة كينغ نشاطات وندوات، وأتاحت عقد  مناقشات للأميركيين حول العلاقات بين المجموعات التي يتكون منها الشعب الولايات المتحدة.

 لدي حلم

قال كينغ  في خطابه الشهير:

 –         لديّ حلم بأن تستيقظ هذه الأمة وتُطبّق فعلياً، في أحد الأيام، العقيدة التي تؤمن بها، نعتبر أن هذه الحقيقة بديهية بأن البشر متساوون.

 –         لدي حلم بأنه في يوم ما على تلال جورجيا الحمراء سيستطيع أبناء العبيد السابقون الجلوس مع أبناء أسياد العبيد السابقين معاً على منضدة الإخاء.

 –         هذا هو أملنا. هذا هو الإيمان بأنه عندما أعود إلى الجنوب بهذا الإيمان سنكون قادرين على شق جبل اليأس بصخرة الأمل. بهذا الإيمان سنكون قادرين على تحويل أصوات الفتنة إلى لحن جميل من الإخاء. بهذا الإيمان سنكون قادرين على العمل معاً والصلاة معاً والكفاح معاً والدخول إلى السجون معاً والوقوف من أجل الحرية معاً، مدركين أننا سنكون أحراراً يوماً ما.

 –         لدي حلم بأنه في يوم ما سيعيش أطفالي الأربعة بين أمة لا يُحكم فيها على الفرد من لون بشرته، إنما على ما تحويه شخصيته.

 –         دعوا الحرية تدق. وعندما يحدث ذلك، عندما ندع الحرية تدق في كل قرية، ولاية، مدينة، سيكون  أقترب هذا اليوم،  عندها سيكون الأطفال الذين خلقهم الله: السود والبيض، اليهود وغير اليهود، الكاثوليك والبروتستانت، قادرين على أن تتشابك أيديهم وينشدون كلمات أغنية الزنجي القديمة: “أحرار في النهاية! أحرار في النهاية! شكراً يا رب ، نحن أحرار في النهاية!”

 –         لدي حلم بأنه في يوم ما ستنهض هذه الأمة وتعيش المعنى الحقيقي لعقيدتها الوطنية بأن كل الناس خلقوا سواسية.

 –         لدي حلم بأنه في يوم ما كل ما هو  وضيع سيرتفع، وكل جبل وأكمة سينخفض، ويصير المعوج مستقيماً، والمعقد سهلاً. فيعلن مجد الرب ويراه البشر.

 –         لدي حلم بأنه في يوم ما في ألاباما، بمتعصبيها العميان وحاكمها الذي تتقاطر من شفتيه كلمات الأمر والنهي؛ ستتشابك أيدي الصبيان والبنات السود مع أيدي الصبيان والبنات البيض كإخوان وأخوات. أنا عندي حلم اليوم!

 –         أقول اليوم لكم يا أصدقائي إنه رغم الصعوبات التي نواجهها اليوم وسنواجهها في الأيام المقبلة، لا يزال لدي حلم، ضارب بجذوره العميقة في الحلم الأميركي.

ماذا تحقق  من هذا الحلم؟

بعد مرور خمسين عاما على خطاب مارتن لوثر كينغ، ما الذي تغير؟ تشير تقارير أجرتها وسائل الإعلام في المناسبة إلى  أن الأميركيين الأفارقة يشكلون نحو 14 في المئة من عدد السكان، لكنهم ما زالوا في أسفل السلم على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.  المساواة منصوص عليها في التشريع، لكن في الواقع، تبقى المظاهر العنصرية بين البيض والسود قائمة في  واشنطن، حيث ألقى مارتن لوثر كينغ خطابه الشهير قبل خمسين عاماً.king-3--3

 تكمن الفوارق، على سبيل المثال، في معدلات البطالة، وفق التقارير،  فهي تمثل الضعف في صفوف السود مقارنة مع العاطلين عن العمل من البيض. الفرق واضح أيضاً في معدل الفقر، ذلك أن نسبة الفقر في صفوف السود أكبر بثلاث مرات من  نسبة الفقر لدى البيض، وما زال ملف المساواة الاجتماعية والاقتصادية مفتوحاً .

الناشط الحقوقي جيسي جاكسون الذي شارك في احتفالات اليوبيل الذهبي لخطاب مارتن لوثر كينغ،  يعتبر أن “المعركة مستمرة، ها نحن هنا اليوم، وقد تغيّر الكثير من حولنا. الآن نحن بحاجة إلى الاستمرار في النضال للحصول على حقوقنا الدستورية للتصويت وتعديل الدستور، وإلى إحياء معركة الفقر وحلّ مشكلة ديون الطلبة، وإعادة إعمار الضواحي… نحن بحاجة ماسة إلى التشريعات”.

حقق الأميركيون من أصل إفريقي إنجازات خلال الأعوام الـ50 الماضية، في هذا السياق يعتقد جوليان بوند، الرئيس السابق للمؤسسة الوطنية للنهوض بالأفارقة، إن مسيرة كينغ كانت حافلة بالصعوبات،أضاف: “تذكروا، لم يتوجه الدكتور كينغ من سِلْما إلى مونتغومري وحده، ولم يلق خطابه في ساحة خاوية، فقد رافقه في مسيرته الآلاف، وآلاف آخرون واجهوا المصاعب التي سبقت تنظيم المسيرة. وقد نجحت استراتيجيات الحركة المعاصرة الهادفة إلى  وضع دستور وطني يُعنى بالحقوق المدنية”.

محطات مضيئة

 ولد مارتن لوثر كينغ في 15 كانون الثاني 1929  في مدينة أتلانتا حيث كان والده  قسيساً يرعى كنيسة صغيرة، وفي طفولته لاحظ مارتن التفرقة العنصرية من خلال منع الأمهات أولادهن من اللعب معه، إلا أن والدته كانت تردد  أمامه على الدوام: “لا تجعل هذا الأمر يشعرك بأنك أقلّ من البيض”.king-4-4

  تلقى دروسه في مدارس أتلانتا  ثم التحق بمدرسة بوكر في واشنطن، وقد سهّل له تفوقه على أقرانه الالتحاق بالجامعة عام 1942، فدرس في كلية “مورهاوس”. عام 1947 عين مساعداً في كنيسة والدة ونال بكالوريوس في الأداب سنة 1949 وكان في التاسعة عشرة من عمره. في تلك الفترة التقى كوريتاسكوت، فتاة سوداء، وتزوجا عام 1953  ثم حاز دكتوراه في الفلسفة في جامعة بوسطن.

 عام 1955 بدأ نضاله في مدينة مونتغومري  التي قدم إليها مع زوجته، ففي الأول من كانون الأول  بينما كان يستقل إحدى الحفلات هاله مشهد إلقاء القبض على سيدة سوداء تدعى روزا باركس لأنها رفضت التخلي عن مقعدها لشخص  أبيض.  سرعان ما توتر الشارع وكاد ينفجر، إلا أن مارتن وجه نداء بتجنب العنف، بعدما اتخذ من مبدأ اللاعنف شعاراً له مستلهماً تحركه من أقوال السيد المسيح لا سيما “أحبب عدوّك”، وطلب من الزنوج،  رداً على هذا التصرف، مقاطعة الحافلات،  كونهم يمثلون 70 بالمئة من ركابها،  فألقي القبض عليه نتيجة ذلك  وأودع السجن… لم  تتوقف المقاطعة إلا بعدما  أصدرت المحكمة حكمها التاريخي الذي ينص على عدم قانونية هذه التفرقة العنصرية، عندها طلب كينغ من أتباعه إنهاء المقاطعة.

 وفور خروجه من السجن، وبينما  كان يخطب في أنصاره، ألقيت قنبلة على منزله كاد يفقد بسببها زوجته وابنه. فأثار هذا الحادث غضب الزنوج وكادت مونتغومري تنفجر، إلا أنه مرة جديدة طلب من أنصاره عدم اللجوء إلى العنف.  

 استمرّ كينغ في حملاته الاحتجاجية ضد التمييز العنصري، وراح يطالب الحكومة باتخاذ إجراءات  ضد الظلم.  في حزيران 1957 نال كينغ ميدالية “سينجارن”، وهي تمنح سنوياً لمن يقدم مساهمات في مواجهة العلاقات العنصرية، وكان أصغر قسيس ينالها، فوقف أمام نصب لينكولن ووجه خطابه الذي هاجم فيه الحزبين الديمقراطي والجمهوري وردد صيحته الشهيرة: “اعطونا حق الانتخاب”. وقد نجحت مساعيه في تسجيل خمسة  ملايين أميركي من أصول إفريقية في سجلات الناخبين في الجنوب.king-5-5

 في أواخر صيف 1963 انطلقت تظاهرات في برمنغهام احتجاجاً على الأزمة العنصرية المتفاقمة، فوقعت فيها أول معركة بين السود ورجال الشرطة البيض الذين اقتحموا صفوف المتظاهرين بالعصي والكلاب البوليسية الشرسة وعلى مرأى من كاميرات التلفزيون، فصدر أمر من المحكمة بمنع مظاهر الاحتجاج والتظاهرات، إلا أن كينغ تحدى قرار المحكمة وتظاهر مع ألف من الزنوج، فألقي القبض عليه وأودع السجن، هناك كتب خطاباً، أصبح في ما بعد أحد المراجع المهمة لحركة الحقوق المدنية، أوضح فيه فلسفته التي تقوم على النضال في إطار اللاعنف.

 اتحد مارتن لوثر كينغ مع زعماء أميركيين أفارقة مثل مالكوم إكس، زعيم المسلمين الأفارقة، لمواجهة عدوّهم المشترك.  عام 1963 قاموا بثورة لم يسبق لها مثيل، شارك فيها 250 ألف شخص من بينهم 60 ألفاً من البيض واتجهوا صوب نصب لينكولن التذكاري، فكانت أكبر تظاهرة في تاريخ الحقوق المدنية، وهناك القى كينغ أروع خطبه “لدي حلم”. ولم تكد تمضي 18 يوماً حتى ألقيت قنبلة على الكنيسة المعمدانية التي كانت مليئة بأطفال زنوج، فهرع كينغ إلى برمنغهام ونجح في تفادي انفجار العنف. في تلك السنة صدر قانون التصويت الانتخابي الفدرالي، وفي الستينيات أيضاً،  برز زعماء سود وعارض كينغ حرب فيتنام.

 سنة 1964 صدر قانون الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأميركية وفي العام نفسه اطلقت مجلة تايم على كينغ “رجل العام”، فكان أول رجل من أصل أفريقي يمنح هذا اللقب. ثم نال جائزة نوبل لدعوته إلى اللاعنف، وسهل الأمر أنه قسيس، فكان أصغر رجل في التاريخ يفوز بهذه الجائزة. لم يتوقف عن مناقشة قضايا الفقر ولطالما دعا إلى إعادة توزيع الدخل بشكل عادل بعد انتشار البطالة بين الأفارقة.king-6--6

 عام 1968 خطط كينغ لمسيرة في ممفيس، ولدى وصوله إلى المدينة نزل في  “موتيل لوريان” وشغل غرفة أخرى جيمس إرل راي، (أعطى الإدارة اسماً مزيفاً هو جون ويلارد)، كانت مهمته اغتيال كينغ في غرفته، وفي 4 نيسان نفذ المهمة واغتال صاحب “لدي حلم” في غرفته بينما كان يقف على الشرفة يتكلم مع أحد مساعديه، وفور شيوع الخبر اشتعلت أعمال عنف في شيكاغو وبوسطن وواشنطن ونيويورك.

 في 9 نيسان 1968 جرت مراسم جنازة جماهيرية في أتلانتا وشوهدت جاكلين كنيدي بين المشيّعين، وبعد أسبوع وقّع الرئيس الأميركي ليندون جونسون قانون الحقوق المدنية الذي يضمن العدل والمساواة بين الأعراق والألوان والجنسين في أنحاء الولايات المتحدة الأميركية، ويلزم الإدارة الفدرالية تنفيذ بنود القانون، وبعد 14 سنة ألغى ريغان آلية تنفيذ القانون بواسطة الإدارة الفدرالية،  وبعد أكثر من أربعين عاماً على ندائه “الأسطوري” تحقق حلم كينغ في وصول أول شخص من أصل إفريقي إلى منصب رئاسة الولايات المتحدة الأميركية.

 

كلام الصور

 

1-     مارتن لوثر كينغ صاحب الدعوة اللاعنف في النضال

2-     أوباما  أول رئيس أميركي  من أصل إفريقي

3-     النصب التذكاري لمارتن لوثر كينغ

4-     مارتن لوثر كينغ يلقي خطابه “لدي حلم”

5-     مسيرة الـ 250 ألف شخص من اصل إفريقي إلى واشنطن

6-     الفندق الذي اغنيل فيه مارتن لوثر كينغ

 

 

اترك رد