يَوْمَ قَالَ العُمْرُ : ” الأمْرُ لي”..!

د. جورج كلاّس

(عميد سابق لكلية الإعلام  والتوثيق في الجامعة اللبنانية)

يَوْمَ دخلتُ الجامعةَ اللّبنانيّةَ
طالباً، كنتُ أعتزُّ أنّني (إبنُ جامعةِ الدولة) … على ما كانَ علّمني إيّاهُ بإعتزاز والدي الدركِيُّ، ( إبنُ الدولة)..حضنَهُ الله…!

غدرَتْ بنا الحرب ، وتعطّلَ البلد،وتفرَّعَت الجامعةُ، وتسلّمتُ مسؤولياتٍ طالبيّةً ونقابيةً، وحَصَّلتُ إجازتين في الأدب العربي (طليعَ دورتي) والحقوق، وأعْدَدْتُ بِفخرٍ، أوّلََ رسالة ماجستير في علم (الألسنية)، في الجامعة اللّبنانيّة، والعالم العربي (طليعَاً أوَّل) وموضوعها (الألسنية ولغةُ الطفل العربي)،صدرتْ طباعةً عن دار “النَّهار”، الجريدة التي لها عليَّ عميقُ فَضْلٍ، في تدَرُّجي الصِحافي والتحريري، وتضلُّعي النقدي و الثقافي، مع كِبارٍ، غَبَبْتُ منهم المعارفَ وتقنياتِ التعبير والكِتَابَةِ الفكرِيّة …

ومنها إلى دكتوراه في جامعة القديس يوسف، ودكتوراه دولة في الاداب، من الجامعة اللّبنانيّة. وإنتقلتُ  وظيفياً من (الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي)، الى كليّتَيْ الإعلام و الاداب، فَمستشاراً إعلامياً لرئاسة الجامعة، و تدرّجتُ في المسؤوليات، من إدارة الفرع الثاني لكليّةِ الإعلام، ثمَّ مديراً عاماً للأبحاثِ والدراسات في مجلس النواب، بِثِقَةٍ غاليةٍ من دولة الرئيس نبيه برّي… ومنها الى عِمادة كلية الاعلام.  فعُضْويَّةِ مجلس الجامعة، بثقةٍ من أهلِ الكليِّة (مَسْقِطِ رأسي الأكاديمي)… وكنتُ بِحَمْدِ الله، أستاذاً موفورَ الكرامةِ، بينَ زملاءَ كِرام، وطلّابٍ ، هُمُ عشيرتي وصَحْبي، وزوّادتي وأوراقي و قاموسُ ذكرياتِي الطِّيِْبَة…

وبعدَ أحدَ عَشَرَ كتاباً في الإعلام والأدب، كان للجامعةِ الفضلُ في نشرِ خمسةٍ منها، الى سلسلةٍ بحوثٍ ، هي من جَنى فِرْدَوْسِ جامعتي، وحقولها المَعْرِفِيَّةِ الغَنَّاء…ها أنا أليومَ أخرجُ منَ الجامعة، تقاعداً، وهيَ لنْ تَخْرُجَ مِنِّي، ما حَيِيْت!

جامعتي مُتأصِّلةٌ بي حتى الدَّمِ والنخاع. رصيدي من رصيدها، وشرفي من شرفها… وكيانيَّتي مِنْ كَيْانيَّتها…!

جامعتي، باقيةٌ في عُمْقِيَّاتِ قلبي، تسكنُ كلّ وجداني وفكري وجراحي وأفراحي وأمنياتي ..!
هي عائلتي الثانية، الى جانبِ عائلتي البَيْتِيَّة، التي ربّيْتُها بدمعِ العيْنِ وشَقِّ القلب، وأفخرُ أننّي نْشأتُها بضميرٍ وقناعةٍ وطنيّةٍ، وسلوكاتٍ إنسانيّةٍ، بيضاء الطوِيَّة وقدّمتُها للبنان نموذجَاً (لِوطنٍ صغير)…هو البدايةُ والنهايةُ، وكُلُّ أَسْفارِ التكوينِ…!

اليومَ، أتقاعدُ منَ حياتي الوظيفيةِ، بكلمةٍ قالها العُمْرُ، ولا أتقاعدُ منَ الواجِبِ ..!

أغادرُ جامعتي ، وأنا دائمُ الاعتزازِ أَنِّي منها ولها…، بأجيالها وأعلامها ومناراتها ونضالاتها وهمومها ونجاحاتها وتحدياتها…!

وأنا شديدُ الفخرِ بكلِّ عَلَاّمةٍ درَّسني، وفَهَّامَةٍ تَخرّجْتُ عليه ، وعلّمني وحفّزني ، تشجيعاً ورعايةً…!

و انا كثيرُ الوفاءِ لِكُلِّ مَنْ رئِسَ جامعتنا (الكيانيّة)، والى كلِّ مَنْ تحمّلَ فيها مسؤوليّةَ العِمادة والإدارة والمهامَ الأكاديميّة!

وأنيَّ أَكبَرُ فَخْراً، بزميلاتٍ وزملاءَ كِرامٍ، لَهمُ في نفسي عميقُ امتنانٍ ومحبّةُ تقديرٍ… منهمُ منْ انتقلَ الى فوق، ومنهمُ منْ يشُدنّي اليهم عظيمُ شَوْق…!

وفي وُجْداني مطرحٌ واسِعٌ للإداريّاتِ والإداريين، الَّذِينَ لهمُ موقعٌ وكبيرُ أَثَرٍ ودورٍ في كُلِّ مفاصلِ رِفْعَةِ الجامعةِ ونجاحاتها التألّقيَّةِ…التي يرْفعُ بها الوطنُ رأسَهُ فَخْراً …!

ولرابطةِ الأساتذة، بأعلامها وقادتِها ووجوهها النابضةِ بعرَقِ الكَدِّ والنضال، والذي بها، يكتَمِلُ عقْدُنا الوطني والأكاديمي، شُكْرٌ عتيقٌ، على كلِّ إنجازاتها، ونضالاتها المستمرّة، والتي بها تحقَّقَتْ (خصوصيّةُ الأستاذِ الجامعي) وإستقراريّةُ العَيْشِ بكرامة!

والفخْرُ مَوْصولٌ بِخِرّيجاتٍ وخرّيجينَ، أرى نفسي في عُيُونِهم، وضِحْكاتِ وجوهِهم، وتطلُّعِهِم الباسِمِ لِلغَدِ بِثِقَةٍ وعِزَّةِ روح…!

نَعَم… لُبنانُنا، يسْتَحِقُّ جامعةً وطنيةً سياديَّةً، كاملةَِ الصلاحيَّاتِ، غيرَ مسلوبَةِ الحقوق … جامعةً نريدها على قياسِ تراثِ لبنان الحريّة والحضارةِ، والثروةِ العلميةِ الرائدة..

ها أنا اليومَ، أترُكُ المكانَ، لا الكيانَ،… أغادرُ بيتي ورَبْعي، وشعاريَ المرفوعُ أَبداً:
(الجامعةُ يجِبُ أن تكون مُستشارَ الجمهوريَّة)…!

وأَيُّ إستهدافٍ للجامعةِ، هو استهدافٌ مباشرٌ للبنانَ الوطن، ولبنانَ الإنسان، ولبنانَ الحضارة والرسالةِ والدَوْر…!

مسؤوليتُنا…، أبعَدُ منَ البحثِ والتعليمِ … ورسالتنا أن نبنيَ الإنسانَ اللبنانيّ الحُرَّ والكُلِّيَ الكرامة. نحنُ لسْنا ولنْ نكونَ تابعينَ ولا هامِشييّن، ولا مُلْحَقينَ… بلْ صُنَّاعَ وطَنٍ… وبُناةَ إنسانٍ …!

قناعتُنا، هي ألّا نعيشَ على ذِمَّةِ أحَد …!

ومبدأُنا، هُوَ أَنْ نبقى في خدمةِ لبنانَ، المُسْتَهْدَفِ، والباقي (حُصْرُمَةً في عيونِ الحاقدين)…!

نحنُ (أهلُ الجامعةِ اللّبنانيّة)،
نَعْتزُّ بإنتمائنا اليها ،
ونُجَاهِرُ بِتَعَصِّبنا لها…!

إنها عصبيّةُ الإنتماءِ، الى وَطَن… والوفاءُ الواعي للجامعةِ الوطنية …!

شُكْراً للجامعةِ اللّبنانيّة ،
شكراً للبنانَ ..!

******

جورج كلاّس

المؤلفات:
١-الألسنية ولغة الطفل العربي
٢-الصحافة الفكرية والأدبية
٣-الحركة الفكرية النسويّة في عصر النهضة
٤-الصحافة النسويّة ؛نشأتها وتطوّرها
٥-مزاميرُ الصباح
٦-الدليل الى الإعلام النقدي والفنّي
٧-الإعلام المتخصّص(مع د.ميشال سبع)
٨-مُعْجمُ المُصطلحات والتحديدات الاعلامية
٩-الاعلام الديني : تقنيات الكتابة الحواريّة
١٠- الإعلام التشريعي والإستشاري…
١١-المُعجَمُ الاعلامي المهني
….وفي أكوامِ البيادرِ ، غلاَّتٌ وفيرةٌ…قَريبَةُ الإصدار..!
…وفي خوابي الأقبية، مُعَتَّقاتٌ لِلْذوّاقَةِ…نَقَّيْتُ حَبَّاتِ عناقيدها من دالياتِ كرومِ الحياة…!

(بيروت – أيّار ٢٠١٧)

اترك رد