جورج قرداحي: الإعلام العربي يغيّب هموم الشعب العربي

حوار: رحيل دندش (*)

أصبح الإعلام بقوة تأثيره وسطوته يزاحم مختلف السلطات، وهو اليوم وسيلة فعالة لأصحاب السياسات قي التحكم بمصائر الأمم والشعوب، وخير دليل على ذلك مواكبته للأحداث والمتغيرات في المنطقة، حيث تحوّل من ناقل للحدث إلى صانع ومفبرك له، إضافة إلى ممارسته دوراً تحريضياً يؤدي إلى تسعير الأزمات والسير بخلاف مصالح الشعوب العربية التي تطمح إلى التحرر والاستقرار والعيش الكريم.
التقينا في مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر الإعلامي المخضرم، الأستاذ جورج قرداحي، واستطلعنا منه رؤيته حول واقع الإعلام العربي الراهن، وكان هذا الحوار.

  انطلاقاً من تجربتك كإعلامي مخضرم، كيف تقيم أداء الإعلام العربي، وخصوصاً في ظل التغيرات والتحديات التي يواجهها العالم العربي؟

سؤال مهم، يمكننا أن نتكلم عن الإعلام العربي ما قبل ما يسمّى بالربيع العربي وبعد ما يسمّى بالربيع العربي، وأقول ما يسمّى لأنني لا أسميه “ربيع عربي”. بالنسبة للإعلام ما قبل الحراك الذي حصل منذ 3 سنوات تقريباً إلى اليوم يمكن أن نعتبره بأنه كان مستوراً بعض الشيء، فالإعلام العربي بشكل عام بين رسمي وغير رسمي كان يجعلنا نعتقد بأنه إعلام جدير بهذه التسمية، أي إعلام له مواصفات الإعلام المعروفة من الموضوعية والمهنية والصدق وأنه صاحب رسالة… هذه كانت طموحاتنا، وقد مارسنا الإعلام في الغرب، وكنا نطمح أن يصبح إعلامنا في العالم العربي بمميزات ومواصفات الإعلام الغربي، وكنا نتأمل خيراً مع ظهور بعض البوادر كبعض الصحف والمحطات التلفزيونية التي ظهرت في الغرب، والتي ادعت الاستقلالية والموضوعية وأنها لكل الناس، تأملنا أن يحمل الإعلام العربي ثمار الموضوعية والصراحة والصدق، هذا كان طموحنا قبل الربيع العربي كما ذكرت، ولكن جاء هذا “الربيع العربي” فخيّب الآمال، لأن هذه المحطات وهذه الوسائل الإعلامية بالذات تجنح عن رسالتها الإعلامية وتشذ عن القاعدة وعن كل المبادئ الإعلامية، وتأخذ منحى موجّهاً مبرمجاً وتحريضياً وهادفاً، وأهدافها ليست في صالح الأمة العربية، بالخلاصة واقع الإعلام العربي اليوم هو واقع مزرٍ ولا علاقة له بالرسالة الإعلامية ولا بالمهنية الإعلامية… طبعاً لا أعمم فهناك بعض وسائل الإعلام موضوعية أكثر  من غيرها.kordahi-1

 من يخدم هذا الجنوح، ولا سيما أن بعض هذه القنوات حملت على عاتقها القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية؟

بكل بصراحة خدمة لمن لا يريد الخير لهذه الأمة العربية. بعض القنوات كانت رائدة وحازت ثقة كل العرب وكانت حاضرة في كل القضايا العربية ولكن هذا كله كان ضمن مخطط بحيث تحوذ ثقة الناس، وعندما يحين الوقت تبدأ بممارسة مهمتها المرسومة والمعدّة سلفاً بعد أن أصبح لها تأثير ومصداقية عند الرأي العام العربي، هذه المحطات استخدمت وأعدت لغرض ومسار سياسي مناوئ لمصلحة العرب، ولكن لحسن الحظ بعد 3 سنوات من الحراك سواء في تونس أو في مصر أو في سوريا انكشفت حقيقة هذه الوسائل، والإجراءات التي اتخذت في حق البعض منها سواء في مصر أو في تونس أو في سوريا خير دليل على ذلك، لقد فقدت مصداقيتها وسقط القناع عن وجهها وعرف الرأي العام أن لها أجندتها، وأنها موجهة من قبل جهات لها أغراض سياسية وعسكرية… ولا بد من الإشارة إلى أن المطبخ واحد لكل هذه الوسائل الإعلامية سواء كانت مكتوبة أو مسموعة أو مرئية، هو الذي يعطيها الأخبار والتقارير والمعلومات والآراء ذاتها وهو ما أصبح واضحاً لدى كل الناس.. ومع بداية الحراك في سوريا انتقدت كإعلامي عربي  هذا الاعتداء الصارخ على مفهوم الإعلام، وقلت أخجل أن أكون إعلامياً عربياً، جراء هذا الانحدار الذي وصل إليه الإعلام الذي يزوّر الحقائق بشكل واضح وجليِّ، واللافت أن بعض الناس كانوا يصدقون الفبركات بالرغم من وضوح التزوير واختلاق المشاهد في سبيل تأمين سياسة الجهات التي تقف وراء هذه المحطات، وطبعاً حصلت هناك ردود فعل على كلامي هذا.

 ما هي الصعوبات التي يواجهها الإعلامي، ولا سيما إذا كان موضوعياً؟

أكبر صعوبة يواجهها هي مع المحطة التي ينتمي إليها، فإذا كان ذا توجه مستقل وموضوعي والمحطة لها سياسة موجّهة، عندها يكون أمام خيارين، فإما أن يسير في التوجه ذاته الذي تسير عليه المحطة وإلا يرحل، وهذا الذي حصل مع بعض الزملاء من الإعلاميين، ليس لأن سياستهم تختلف عن سياسة المحطة بالضرورة، فالبعض استقال من العمل اعتراضاً واحتجاجاً على هذا الجنوح في الأداء الإعلامي المهني…

 نشهد اليوم ازدياداً مطرداً في عدد القنوات العربية، وفي مختلف التخصصات، الدينية والفنية والترفيهية… إلام تعزون هذا التضخم الهائل في أعداد المحطات؟ 

هذا كله ناتج عن الطفرة المالية الموجودة في المنطقة، بعض الناس لديهم أموال طائلة وأصبح من جملة ما يجب أن يقوم به هذا المليونير أن تكون لديه محطة تلفزيونية هي تكلفه 3 أو 4 ملايين دولار في السنة، منهم من ينشئ محطة دينية، ومنهم من ينشئ محطة اقتصادية أو رياضية أو لسباق الخيل… هذا ترف ولا تأثير لهذه المحطات على الرأي العام، هي نزوة عند بعض الأفراد ويمكن أن لا تستمر، أما نحن نتحدث عن المحطات الإخبارية المسيّسة أو تلك المنوّعة التي تعرض الأخبار وبرامج سياسية. هناك اليوم أكثر من 800 محطة ولكن كم هو عدد المحطات التي يتابعها المشاهد!

بالنسبة إلى القنوات الدينية، هل تتابعها؟ وما تقيمك لها؟

أنا مع هذه القنوات الدينية سواء كانت إسلامية أو مسيحية، فانتشارها غير مزعج بالعكس، ولكن بشرط أن تقوم بواجبها كقناة دينية صادقة غير مُسيّسة تتعاطى مع الدين وتعاليمه بفكر وعقل وموضوعية، لا أن تكون منابر تحريض وخروج عن تعاليم الدين، أنا ضد القنوات التي لا تبشر بالمحبة لأن الدين محبة وتسامح وإصلاح لأحوال البشر، وهي تعاليم مشتركة سواء في المسيحية أو في الإسلام، وأنا أؤيد الإيضاحات والتفسيرات التي يمكن أن يقدمها علماء الدين الأفاضل، لأنَّ فيها إصلاحاً للخلق وللنفس وللروح…

 لماذا تطغى برامج التسلية والترفيه على البرامج التلفزيونية؟ ولم يكون التركيز على ما يسمّى “صناعة النجوم”، في ظل غياب برامج التثقيف والفكر وتلك التي تنظر في مشكلات واقعنا؟ 

لنتفق على أن الإعلام في عصرنا الحاضر أصبح إعلاماً تجارياً يتوجه إلى المستهلك، فالمحطات التي تعرض مثل هذه البرامج هي محطات تتوخى الربح والكسب الإعلاني، لذلك البرامج التي لا تجلب إعلانات تغيب عن الشاشة، أما البرامج التي تحفز المعلنين لوضع إعلاناتهم هي الرائجة، الواقع التلفزيوني هو هكذا، والبرامج الترفيهية إذا كانت ناجحة تدر الأرباح الكبيرة من خلال الإعلانات، وهذه البرامج على كل حال مكلفة جداً تُشترى من الخارج، والمحطات التي لديها الإمكانات لتشتري هذا النوع من البرامج نادرة في العالم العربي.

لماذا لا يوظَّف جزء من هذه الإمكانات في برامج مفيدة؟

أكيد، ولكن لننظر إلى الناحية الإيجابية في هذه البرامج في ظل هذا الواقع العربي المتلبد والقاتم فهي تمثل مساحة للفرح، لا أعرف اليوم كم هي متابعة من شعوب الدول التي تعيش أوضاعاً صعبة، فالأكثر متابعة لهذه البرامج هم أهل الخليج كونها منطقة نائية عن المشاكل، أما بقية الدول العربية فهي تعيش مشاكل كبيرة ولا أعتقد أن لها متابعة كبيرة هناك. المحطات التلفزيونية تعوّل بصراحة على الخليج على نسبة المشاهدة هناك وخصوصاً في المملكة العربية السعودية لأن السوق الإعلانية هناك قوية، والكتلة الإعلانية الكبرى هي في المملكة العربية السعودية، أما بقية السوق حتى في الخليج ضعيفة جداً لا توازي 10 % من السوق السعودية.

 التركيز على الخليج كونه نوعاً ما نائياً عن التطورات والمجريات التي تحصل في بلاد عربية أخرى، ألا تجد في هذا الأمر تعمية لشريحة كبيرة من الرأي العام العربي الخليجي، وتحديداً حرف أنظاره عما يحصل في باقي البلاد العربية الشقيقة؟

المحطات التلفزيونية ليس لديها هذه الفلسفة ولا هذا الفكر، هي محطات تجارية، والقيمون على بعض المحطات العربية هم من الأجانب همهم هو حجم مردود البرنامج على المحطة أي يدرسون البرنامج كم يربح وما هو مدخوله الإعلاني فإذا كان مربحاًَ ينتجونه وإلا يضعونه جانباً، لذلك ليس لديهم أهداف لإبعاد المشاهد الخليجي عن المشاكل الأخرى القائمة في العالم العربي بل هم ينظرون إلى معادلة الربح والخسارة في هذا المجال.
ولكن أعتقد أن كل هذه الأعمال التلفزيونية في هذا الواقع العربي الملبد لا تترك أثراً عند الناس التي تحكمها الهواجس والمخاوف والهموم، فأي برنامج يعمل اليوم ليس له أثر، لأن الشعب العربي في محل آخر وانشغالاته مختلفة تماماً، روحه في غير مكان وأصبح أي شيء آخر تافهاً أمام الموت وهمّ المصير والفقر والتهجير…

 ما الذي يطلبه المشاهد العربي اليوم؟

يطلب من الإعلام أن يكون موضوعياً وصادقاً في نقل الخبر والتحليلات، ولكن هناك واجب على الإعلام أن يكون مهنياً وأخلاقياً في توجهه إلى المتلقي من دون أن يطلب المشاهد منه ذلك.

 كيف ترى الإعلام الغربي من ناحية الموضوعية، وخصوصاً فيما يتعلق بأوضاعنا العربية؟

ليس كل الإعلام الغربي موضوعي وصادق ونزيه هو ينفذ سياسات معينة هي ذات السياسة التي تنفذها بعض المحطات العربية فالمطبخ واحد.

لماذا يحب المشاهد العربي وينتظر جورج قرداحي؟

كل إناء بالذي فيه ينضح، المشاهد يقرأ الوجوه وهو ذكي والحس الجماعي العربي ذكي، يستطيع أن يفرّق بين الإنسان الصادق فيما يقوله وغير الصادق، والإنسان النزيه غير المرتهن لأحد والذي يقول قناعته بجرأة، من خلال تقديمي لبرنامجي كنت صادقاً وقناعاتي تحدثت عنها بجرأة وصراحة سواء بالنسبة لموقفي من المقاومة أو بالنسبة لموقفي مما يحدث في سوريا، هناك من لامني على موقفي واعتبرني أؤيد النظام السوري بينما كنت أدافع عن سوريا وعن وحدة سوريا، ومع بداية الحراك في سوريا، وفي محاضرة في جامعة دمشق قلت أنني أخاف أن تسقط قطرة دم واحدة في سوريا، وبأنني ضد العنف ومع حقوق الناس، وليس بيدي أن يبقى أو يرحل النظام، ولكن أنا أتحدث عن سوريا التي تعني عمقنا التاريخي والثقافي والسياسي، وأنا أدافع عن خط المقاومة الذي تمثله سوريا، هناك من شتمني وهددني وعوقبت على موقفي، ولكن بالنتيجة بقيت وما زلت على موقفي لأن ذلك يمثل قناعتي، ومع الأسف كل ما كنت أخشاه حدث، وأسأل من كان يشتمني هل هو سعيد بما يحصل؟ طبعاً أنا مع الإصلاح ولكن بالحسنى وليس بالقتل والدمار يعني هل ندمر البلد، أين هي مطالب المعارضة، من يتحدث بها؟! لقد صار المطلب الوحيد هو إسقاط النظام، حسناً ما هو البديل؟ وهل هو سيمثل سوريا وهذا التراث والمجد الذي بنته سوريا؟!

*********

(*) مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر للدراسات والبحوث

اترك رد