يحتفل المسلمون في هذه الأيام بموسم الحج وعيد الأضحى المبارك وهو مناسبة توحيدية إبراهيمية تقدم أرقى شكل من أشكال الوحدة والتوحيد، حيث يتوجه الملايين من المسلمين إلى بيت الله الحرام والكعبة الشريفة والمدينة المنورة لإحياء سنن الأنبياء من النبي إبراهيم(ع) إلى النبي محمد(ص) مروراً بكافة الأنبياء والرسل(ع).
وتشكل مراسم الحج أرقى نماذج العلاقات البشرية الإنسانية حيث يتوحد الجميع شكلاً ومضموناً ودون تفريق بين رجل وامرأة أو بين رجل وشاب وطفل، أو بين عربي أو أعجمي أو كردي أو أفريقي، أو بين المنتمين لمختلف المذاهب الإسلامية، حيث الكل يردد “لبيك اللهم لبيك… لا شريك لك لبيك”، إنه نداء التوحيد والوحدة.
لكن في مقابل هذه الصورة التوحيدية الواقعية والحقيقية يواجه المسلمون عامة والعرب على الأخص تحديات الانقسام والتفرقة، أما بسبب الانتماء العرقي أو المذهبي أو القطري والجغرافي.
وتشهد بلاد العرب والمسلمين أسوأ أشكال القتل والعنف التي تحصد يومياً مئات القتلى وتسقط مئات الجرحى ويتم تدمير المدن والقرى والأحياء ويُعتدى على المواطنين ويعذبون ويخطفون من بيوتهم، أما من قبل الأجهزة الرسمية أو من قبل مجموعات متشددة ومتطرفة، ويغيب القانون والنظام والأمان عن الكثير من الدول والمناطق.
إذاً في مقابل أهداف الرسالة التوحيدية الإبراهيمية المحمدية العظيمة التي دعانا إليها الله عز وجل وحملها الرسل والأنبياء والأئمة، ها نحن نعيش في ظلام الجهل والتخلف والغلو والعنف الديني القاتل، حتى وصل الأمر بأحد علماء الدين إلى وصف الواقع الديني اليوم “بالتدين العدواني”، بدل “التدين الرحماني” وعالم آخر وصف الواقع في أحد مدن المسلمين “التوحش الديني”.
وهنا يعاد طرح السؤال الأساسي: لماذا فشل المسلمون بتحقيق أهداف الرسالة الربانية والدعوة المحمدية للرحمة والأمان والسلام؟
وأين يكمن الخلل الحقيقي؟ وهل المشكلة في أهل الدين أم في تطبيقاته أم في الفهم الخاطئ للدين؟
ولماذا تقدم الصراع على السلطة والحكمة على العمل لتحقيق أهداف ومقاصد الرسالة الإسلامية التي تدعو للحفاظ على الأعراض والأموال والدماء وصيانة الأمن والسلام وتحقيق الرفاه الاجتماعي والتنموي.
علينا أن نعترف إننا نعيش اليوم خللاً كبيراً بين أهداف الرسالة وواقع من يدَّعي أنه يحمل هذه الرسالة ويعمل لتطبيقها.. وعلينا أن نعترف أن هناك من يتصدى للحديث باسم الإسلام والمسلمين وهم أبعد الناس عن الإسلام والمسلمين، وللأسف فإن العلماء الحقيقيين لا يتصدون بالشكل الصحيح لهؤلاء الجهلة والمتخلفين والمتطرفين.
لكن رغم ظلام صورة الواقع وحجم المخاطر والمشكلات، فإننا سنظل مؤمنين ومقتنعين بأن هذا الدين يحمل الرحمة والأمان لعباده، وأن الله عز وجل لا يريد إلا الخير والسعادة للكون ولكل الناس.
وإن مراسم الحج وعيد الأضحى تحمل إلينا الأمل بأنه لا بد أن يأتي اليوم الذي تنطلق فيه البشرية نحو الطريق الصحيح حيث يسود الأمن والأمان.
ولذا نقول للجميع: عيد أضحى مبارك وكل عام وأنتم بخير…
**************
(*) مقدمة المقتطف 253 الصادر عن مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر للدراسات و البحوث