مُورِيس وَدِيع النَجَّار
(أديب وشاعر وروائي وناقد- لبنان)
أُمَّاهُ أُمَّاهُ… والأَشواقُ أَفواهُ والشِّعرُ يُورِقُ والأَفياءُ مَغناهُ
أُمَّاهُ… هَل مِن رَبِيعٍ عِندَنا نَضِرٍ إِلَّا ونَضرَتُكِ المِعطاءُ رَيَّاهُ
أُمَّاهُ… إِنِّي نَذَرتُ المُقلَتَينِ لِكَي يَبقَى فُؤَادُكِ خَفَّاقًا وأَرعاهُ
يُحِيطُ بِي قَلبُكِ الحانِي فَيَحرِسُنِي، فَإِن رُمِيتُ بِسَهمٍ كانَ يَلقاهُ،
وكُلَّما دَهَمَتنِي الرِّيحُ عاصِفَةً، وبِتُّ لِلدَّهرِ مِن أَشهَى ضَحاياه
وتاهَ قَلبِيَ في بَيداءَ لاهِبَةٍ رَأَى بِحِضنِكِ، يا أُمَّاهُ، مَلجاهُ
أُمَّاهُ قَلبُكِ مِن طِيْبٍ سَجِيَّتُهُ في السَّعدِ، في البُعدِ، في الآمالِ نَلْقَاهُ،
في خَفقَةِ الوَجْدِ، في سِرِّ العَطاءِ، وفي رَحابَةِ الصَّدرِ، بَعضٌ مِن مَزاياهُ،
يَكادُ حتَّى نَسِيمُ الصُّبحِ يَخمِشُهُ، في رِقَّةِ الوَردِ قَد فاحَت ثَناياهُ،
إِن أَقبَلَ العُسْرُ يَأتِي كَي يُشارِكَنا، وإِن دَنا الوَفْرُ يَنسانا ويَنساهُ
***
كَم جُبتُ في الأَرضِ يا أُمَّاهُ مُغتَبِطًا، وكَم حَبَتنِي الدُّنَى ما كُنتُ أَهواهُ،
كَم ضَمَّنِي مَجلِسُ النُّدمانِ في طَرَبٍ، زَها بِهِ العُمرُ، وارفَضَّت بَلاياهُ،
وكَم طَوَيتُ المَدَى نَشوانَ مِن شَغَفٍ، أَمتَصُّ ثَغْرَ الهَوَى ما طابَ لُقياهُ
والعِشقُ كَم دانَ لِي في كُلِّ غانِيَةٍ فَأَهتِكُ السِّترَ عَن أَخفَى خَفاياهُ
وكَم تَذَوَّقتُ لَذَّاتِ الوُجُودِ، وكَم تَبَسَّمَ الخَمرُ لِي في شَوقِ لَيلاهُ،
لَكِنَّنِي لَم أَجِدْ في كُلِّ ما مَلَكَتْ يَدايَ مِن مَوسِمٍ كَم طابَ مَجناهُ،
ما كُنتُ أَلقاهُ في أَحضانِ مَن زَرَعَت وَردًا بِدَربِي، وكانَ الدَّمعُ سُقياهُ
مَن لِلفُؤادِ سِواكِ إِن دَهَى زَمَنٌ، وأَينَ يَأوِي، فَهَل إِلَّاكِ مَنْجاهُ
***
مُذ كُنتُ نَديانَ كالأَعشابِ، في مَهَدٍ، حَتَّى صَلُبتُ، وجَدَّ القَلبُ مَسعاهُ،
ما زِلتُ طِفلًا، بِعَينَيكِ، وما بَرِحَت عَيناكِ تَغمُرُنِي، والعَطفُ إِيَّاهُ
أُمَّاهُ وَجهُكِ لَن يَخفَى وإِن بَعُدَت بِنا الدُّرُوبُ ولَو أَن عَزَّ مَرآهُ،
يَدعُوهُ قَلبِي مَعَ الخَفَقاتِ في لَهَفٍ، فَيَطرَبُ، العُمْرَ، مَفتُونًا بِذِكراهُ
أُمَّاهُ… إِن ضاقَ دَهرِي، صِحْتُ، في لَهَفٍ – أَنا الجَوِيُّ إِلى رُؤْياكِ -: أُمَّاهُ!