السيد الزرقاني
(كاتب وإعلامي- مصر)
قليل من التفكير فيما جرى للأمة العربية، ومازال يجري وفق خطة ممنهجة وتنفذ وفق استراتيجية معينة، وبتسلسل متتالٍ في فترة زمنية محددة، فإننا نلاحظ أن الحرب على المنطقة العربية لها أهداف استراتيجية ، تحالفت من اجلها دول غربية وإقليمية، تلاقت أهدافها.
كان أول تلك الأهداف ضرب المراكز الحضارية، بل قل”الخريطة الحضارية”، حيث نجد أن المراكز الحضارية القديمة والتي تمثل تاريخاً متميزاً لشعوب تلك البلاد علي مر التاريخ البعيد والقريب، هي الحضارة المصرية القديمة وبلاد اليمن السعيد وبلاد الرافدين وبلاد الشام “سوريا ولبنان”، وتمثل تلك البلاد ثقلا استراتيجياً من الناحية الحضارية، حيث تمتلك كل منها العديد من الكنوز الحضارية التي تسطر تاريخاً فائقاً على غيرها من الدول الاخرى المعادية التي لا تمتلك أي معالم حضارية نهائيا، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية وقطر وغيرها، ممن يدورون في فلكها من صغار الأمم، ولذلك نطلع على أخطر الرسائل من أحد ملوك دول الخليج إلى رئيس امريكا. وهذه الرسالة منشورة فى كتاب (عقود من الخيبات) للكاتب حمدان حمدان الطبعة الأولى 1995 عن دار بيسان على الصفحات من 489- 491.
تقول الرسالة التى بعثها الملك فيصل إلى الرئيس جونسون (وهى وثيقة حملت تاريخ 27 ديسمبر 1966 الموافق 15 رمضان 1386، كما حملت رقم 342 من أرقام وثائق مجلس الوزراء السعودي) ما يلي:
“من كل ما تقدم يا فخامة الرئيس، ومما عرضناه بإيجاز يتبين لكم أن مصر هي العدو الأكبر لنا جميعا، وأن هذا العدو إن ترك يحرض ويدعم الأعداء عسكريا وإعلاميا، فلن يأتي عام 1970 – كما قال الخبير فى إدارتكم السيد كيرميت روزفلت – وعرشنا ومصالحنا في الوجود، لذلك فإننى أبارك، ما سبق للخبراء الأمريكان في مملكتنا، أن اقترحوه، لأتقدم بالاقتراحات التالية:
أن تقوم أمريكا بدعم إسرائيل بهجوم خاطف على مصر تستولي به على أهم الأماكن حيوية فى مصر، لتضطرها بذلك، لا إلى سحب جيشها صاغرة من اليمن فقط، بل لإشغال مصر بإسرائيل عنا مدة طويلة، لن يرفع بعدها أي مصري رأسه خلف القناة، ليحاول إعادة مطامع محمد علي وعبد الناصر في وحدة عربية.
بذلك نعطى لأنفسنا مهلة طويلة لتصفية أجساد المبادئ الهدامة، لا في مملكتنا فحسب، بل وفى البلاد العربية ومن ثم بعدها، لا مانع لدينا من إعطاء المعونات لمصر وشبيهاتها من الدول العربية اقتداء بالقول (أرحموا شرير قوم ذل) وكذلك لاتقاء أصواتهم الكريهة في الإعلام.
سوريا هى الثانية التي يجب ألا تسلم من هذا الهجوم ، مع إقتطاع جزء من أراضيها ، كيلا تتفرغ هى الأخرى فتندفع لسد الفراغ بعد سقوط مصر.
لا بد أيضا من الاستيلاء على الضفة الغربية وقطاع غزة، كيلا يبقى للفلسطينيين أي مجال للتحرك، وحتى لا تستغلهم أية دولة عربية بحجة تحرير فلسطين، وحينها ينقطع أمل الخارجين منهم بالعودة، كما يسهل توطين الباقي في الدول العربية.
نرى ضرورة تقوية الملا مصطفى البرازاني شمال العراق، بغرض إقامة حكومة كردية مهمتها إشغال أي حكم في بغداد يريد أن ينادى بالوحدة العربية شمال مملكتنا في أرض العراق سواء في الحاضر أو المستقبل،
علما بأننا بدأنا منذ العام الماضى (1965) بإمداد البرازاني بالمال والسلاح من داخل العراق، أو عن طريق تركيا وإيران.
يا فخامة الرئيس
إنكم ونحن متضامنون جميعا سنضمن لمصالحنا المشتركة ولمصيرنا المعلق، بتنفيذ هذه المقترحات أو عدم تنفيذها، دوام البقاء أو عدمه.
أخيراً
أنتهز هذه الفرصة لأجدد الإعراب لفخامتكم عما أرجوه لكم من عزة ، وللولايات المتحدة من نصر وسؤدد، ولمستقبل علاقتنا ببعض من نمو وارتباط أوثق و ازدهار .
المخلص: فيصل بن عبد العزيز
(ملك المملكة العربية السعودية”)
ومن ذلك نلاحظ أن الحرب اليوم تسير وفق ما هو مخطط لها، ولا يمكن ان ننسى الجنود الأمريكان وهم يدمرون المتحف العراقي ويسرقون تاريخاً وسيظل ناصعاً رغم انفهم، وما رأيناه من “داعش” في كركوك والموصل من تدمير التراث الإنساني الذي يعبر عن مدي التقدم والرقي الإنساني للشعب العراقي. وانتقلت عدوي التدمير إلى التراث السوري العريق في مدينة “تدمر” الأثرية. واليوم تدمير كل التراث الإنساني والحضاري في بلاد اليمن، والتي كانت تلقب قديما ببلاد اليمن السعيد، حين كانت تاتي إليها قوافل العرب من الحجاز لتحمل معها كل الخير للأعراب في صحاري شبه الجزيرة.
وكانت الخطة معدة مع جماعة الإخوان الإرهابية أيضاً لدخول هذا النفق المظلم، في ما يخص التراث الحضاري في مصر، حيث حاول المتآمرون الانقضاض على المتاحف المصرية المختلفة، لتدمير وسرقة كنوز مصر، إلا أن الجيش كان يقظا بعد ضرب جهاز الشرطة المدنية في إعقاب ثورة 25 يناير. تسلل الى مصر المتآمرون من اجل تحقيق أهدافهم المعلنة والخفية الا ان الشعب المصري أدرك المخطط وأهدافه وتعامل معهم بشكل أصاب الغرب والمتحالفين معهم بخيبة أمل كبيرة، ويحاولون الان بشكل يائس ضرب الشعب المصري في عمقه الحضاري وتماسكه الاجتماعي، بشكل لم يسبق له مثيل، لأن مصر والشام والعراق واليمن صنعت التاريج المجيد للبشرية على كوكبنا، ولها الفضل في تحرر هؤلاء الرقيق، وكانت وما زالت تحترم قيمة الانسان الذي خلقه الله ليعمر الأرض وليس ليدمّرها.