مؤتمر علمي في الجامعة الأنطونيّة
تحت عنوان “حدود وشعوب متحركة في الشرق الأوسط” نظّم مختبر الأبحاث الأورو-متوسطيّ في الفنون والتواصل التابع لكليّة الاعلام والتواصل في الجامعة الأنطونيّة بالتعاون مع مكتب الشرق الأوسط للوكالة الجامعية للفرنكوفونيّة والمعهد العالي للأعمال والمجلة العلمية HERMÈS المختصة في البحوث في مجال العلوم الانسانية والاجتماعية مؤتمرا علميا في الحرم الرئيس للجامعة في الحدت-بعبدا، في قاعة الأب لويس رهبان.
افتتح المؤتمر أعماله في حضور جمع من المهتمين والوجوه الأكاديميّة والاعلاميّة تقدّمهم عضو مجلس أمناء الجامعة الأنطونيّة السفير ناجي أبو عاصي ومدير مكتب الشرق الأوسط للوكالة الجامعية للفرنكوفونيّة(AUF) ارفيه سابوران ومدير المعهد العالي (ESA)للاعمال ستيفان أتالي والأمين العام للاتحاد من أجل لبنان مسعود الأشقر ونقيبة رسامي الكاريكاتير ريتا مكرزل اضافة الى الباحثين المشاركين وهم مدير الأبحاث ومجلة Hermes في مركز البحوث العلمية في فرنسا دومينيك فولتون والمدير الأسبق لمعهد العالم العربي السفير دني بوشار ورئيس قسم الأمراض النفسية في مستشفى أوتيل ديو دو فرانس الدكتور سامي ريشا وعميد كليّة الاعلام والتواصل الدكتور جوزيف مكرزل وأمين عام مختبر الأبحاث الأورو-متوسطيّ في الفنون والتواصل الأستاذ أنطوان باخوس .
ارفيه سابوران
كلمة ترحيبية لعميد كليّة الاعلام والتواصل الدكتور جوزيف مكرزل بعدها افتتح المؤتمر بكلمة لمدير مكتب الشرق الأوسط للوكالة الجامعية للفرنكوفونيّة ارفيه سابوران قال خلالها ان هذا المؤتمر يعبّر تماما عن قدرة الوسط الأكاديميّ على معالجة المسائل التي تفرضها علينا الأزمات التي تعصف بمجتمعاتنا كما التطرّق الى التحديات التي تطرحها من خلال نشر ثقافة التسامح والفهم المتبادل والترويج المستمر للتنوّع الثقافي واللغوي وضرورة الحوار بين الثقافات والدول والشعوب. وأكد أنّ الوكالة الجامعية للفرنكوفونيّة قد حدّدت في اطار استراتيجيتها للسنوات الأربع القادمة التي ستطرح للنقاش في مراكش في شهر أيار القادم، أولوياتها ويندرج من ضمنها تقديم الدعم الذّي يسمح بترسيخ دور الجامعة كعنصر فاعل في النمو العام للمجتمعات وكعامل مشجع على السلام والتعليم على الوساطة لحلّ الأزمات والخلافات مشيرا في هذا السياق الى أن الوكالة اتخذّت منذ سنوات خطوات عدّة لمعالجة الاشكاليات المرتبطة بالمهاجرين واللاجئين عبر تنظيمها مؤتمرات وورشات تدريب بالتعاون مع جامعات ومنظمات مختلفة منها الأونيسكو.
جوزيف مكرزل
بدوره تحدّث عميد كليّة الاعلام والتواصل عن الشرق الأوسط الجديد والتحولات التي تشهدها دول وشعوب المنطقة فأكد أنه وفي ظلّ السيناريوهات المختلفة المتناقلة من نظرية المؤامرة وصولا الى الواقعية الساسية، لا يمكن لأحد أن يتوّقع مصير المنطقة ومستقبلها لافتا الى أن اعتبار فرضية وجود رغبة في تقسيم المنطقة مجرّد ضرب من الخيال هو خطأ إذ أن اليوم أصبح المستحيل ممكنا. في معرض حديثه، أثار مكرزل العديد من التساؤلات فسأل ” هل من الممكن التغاضي أو تجاهل ملايين الأشخاص الذّين انتقلوا أو نزحوا من منطقة الى أخرى في العراق وسوريا لأنهم خيّروا بين نكران هويتهم، الاستعباد أو الموت؟ ” وأردف : “هل بامكاننا أن ننكر أن مناطق كاملة أفرغت من فئات معيّنة واستبدلت بأخرى من دين أو اثنيّة معيّنة؟ كيف لنا أن نفسّر افراغ العراق من مسيحييه في وقت كان الجيش الأميركي يسيطر عليه؟ كيف لنا أن نشرح أن بلدانا عربية تصنّف معتدلة ومرتبطة بشكل وثيق بالولايات المتحدة قد ساهمت في خلق “داعش”؟ كيف سيكون الشرق الأوسط؟ هل ستتغيّر الحدود؟ هل ستقسّم الشعوب؟ (…) وخلص الى القول الى أن اليقين الوحيد هو أن حياة جديدة ترسم اليوم للمنطقة.
دومينيك فولتون
بعدها، تحدّث مدير الأبحاث ومجلة Hermes في مركز البحوث العلمية في فرنسا دومينيك فولتون لحوالي أكثر من ساعة مستعيدا نظريته حول الاشكالية القائمة بين التواصل واللاتواصل. في بادىء الأمر، ذكّر المفكر الفرنسي بقواعد التواصل وأسسه البديهية فلفت الى أن تطوّر تكنولوجيا وسائل الاتصال وﺇن أدّى الى تكاثر الرسائل وسرعة بثها وتبادلها الا أنه لم يحسّن عملية التواصل بل العكس، ﺇذ جاء تطور التقنيات والانترنت على حساب العلاقة مع الآخر المختلف، مخلّفاً أنماطاً جديدة من الاستعباد والادمان وثقافة السرعة.
في مداخلته، شدّد فولتون على ضرورة احترام الهويّات والآخر المختلف وقيم التسامح والتعايش مستشهدا بالاتحاد الأوروبي والفرنكوفونيّة كنموذج للتعايش في طور البناء لافتاً الى أن اللغة الأم هي من أهمّ عناصر التعددية الثقافية التي يجب الحفاظ عليها خصوصاً وأنها ملاصقة لهوية الانسان وقيمه وحريته. واعتبر في هذا السياق أن المفاوضات تشكّل الخطوة الأساسيّة نحو الحلّ اذ تهدف الى ايجاد أرضية مشتركة بامكانها أن تؤدي الى التسامح والتعايش الثقافي. هذا وأعاد فولتون التأكيد على نقاط عشرة يجب العمل عليها بدءا من محاربة ايديولوجيا الانترنت والخروج من فكرة السرعة والعودة الى المعرفة والنقد وانتاج المعلومات، واعادة الاعتبار الى حقوق الانسان والهويات الثقافية والتعددية اللغوية وتشجيع الترجمة وتسليط الضوء على الآخر وتحسين وتفعيل أوروبا كنموذج.
دني بوشار
عن مستقبل الربيع العربي، تحدّث المدير الأسبق لمعهد العالم العربي السفير دني بوشار منطلقا من فرضيتين اثنتين متناقضتين: الأولى هي أن ما سميّ ” بالربيع العربي ” قد فشل والثانية أنه لم ينته بعد وبالتالي هناك مستقبل مختلف لدول المنطقة ترتسم معالمه الآن. مشرحا الأوضاع السائدة اليوم في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر وتونس كما المغرب والأردن والجزائر والسعودية ودول الخليج، توّقف الديبلوماسي مطولا عند الدور المؤثر الذّي قامت به كل من روسيا وايران وتركيا في سوريا كما فشل الأمم المتحدّة في ايجاد حلّ تحديدا في سوريا وردّ بوشار أسباب تعثّر الربيع العربي الى الموقف المتفرّج للغرب ابّان الثورات التي انطلقت بطريقة عفوية وتلقائية من جهة، والى صلابة السلطات وقوتها وقدرتها على الامساك بالمجتمعات من جهة أخرى الاّ أنه اعتبر في الوقت عينه أن الأسباب التي كانت في أساس الثورات العربية لا تزال قائمة منها تفشّي الفساد وارتفاع نسب البطالة في أوساط الشباب الخ.
سامي ريشا
مستندا الى شهادات ضحايا وتسجيلات ومتسلحا بأرقام ودراسات، ركّز رئيس قسم الأمراض النفسية في مستشفى أوتيل ديو دو فرانس الدكتور سامي ريشا مداخلته على الصحّة العقلية والنفسية للآيزيديين. ريشا الذّي بدأ بمتابعة اللاجئين في لبنان والعراق وتحديدا في أربيل منذ تشرين الأول 2015 في اطار المهام التي يقوم بها Jesuit Refugee Service (JRS) ذكّر أن الأيزيدية هي واحدة من أقدم الديانات الشرقية التي ظهرت في وادي الرافدين قبل آلاف السنين ولها معتقدات وطقوس خاصة بها. ولفت الى أن عدد الإيزيديين في العراق كان أكثر من 600 ألف نسمة، الا أن عددهم الحالي غير معروف على وجه الدقة خصوصا بعد الابادة الجماعية التي تعرّضوا لها تحديدا بعد انسحاب قوات البشمركة المفاجىء من مدينة سنجار معقل الأيزيديين في 2 آب 2014 وما تلاها من حالات اغتصاب جماعي للنساء وسبي واستعباد جنسي. في مداخلته، تطرّق ريشا الى الوضع المزري الذّي يعيشه اللاجئون الأيزيديون كما الى حالات الاكتئاب والاضطراب ما بعد الصدمة التي سجلّت نسبا عالية. هذا وكشف في هذا السياق عن دراسة أجريت وتناولت 50 مسيحيا و50 مسلما و50 أيزيديا في العراق وقد أظهرت النتائج الى الآن أن نسبة الاكتئاب بلغت 68% لدى الأيزيديين في حين وصلت نسبة الاضطراب ما بعد الصدمة الى 62% وهي معدّلات مرتفعة ومخيفة.
أنطوان باخوس
بدوره قارب أمين عام مختبر الأبحاث الأورو-متوسطيّ في الفنون والتواصل الأستاذ أنطوان باخوس مسألة الحدود من زاوية علم الاشارات فاعتبر أن الحدود سواء أكانت جغرافية طبوغرافية أو معنوية لا يمكن لها الا أن تندرج ضمن زمن ومكان محددين وأن تحمل اشاراتهما وطابعهما لافتا الى أنه اذا كانت الشعوب العربية تتحرّك الآن في الفوضى فهذا يعني حكما أنها تجنح وتتحول نحو واقع جديد.