إيران نووية (*)

بقلم: د. عبدالله بوحبيب 

كانت زيارة الرئيس الإيراني إلى نيويورك لحضور الاجتماعات الدورية للأمم المتحدة حملة علاقات عامة ناجحة بامتياز. كان الرئيس حسن روحاني نجم abdallah-bou-habib-1الأيام التي قضاها في نيويورك. استغلّ الإيرانيون الإعلام المرئي الغربي المتعطش لسماع رئيس إيراني يشدّد على الاعتدال وحل المشاكل العالقة بالطرق السلمية. وغطّت كل أجهزة التلفزة الأميركية والدولية المؤتمر الصحافي للرئيس روحاني، الذي استبق ذلك بمقابلات خاصة لوسائل إعلام أميركية رئيسية. وأخيراً كلّل زيارته إلى نيويورك بمكالمة هاتفية مع الرئيس باراك أوباما، بعد أن رفض اقتراحاً أميركياً لاجتماع بين الرئيسين.

القضايا العالقة بين طهران وواشنطن كثيرة وأهمها احتمال امتلاك إيران سلاحاً نووياً وتخصيبها اليورانيوم. لكن لإيران دوراً متنامياً في دول شرق المتوسط يتعارض مع مصالح حلفاء واشنطن في المنطقة، خاصة السعودية وإسرائيل.

بدا بعد زيارة روحاني لنيويورك تقارب ملحوظ بين موقفي واشنطن وطهران، في ما يتعلق بالسلاح والتخصيب النووي. المكالمة الهاتفية بين رئيسي البلدين وعدت بانفراج في العلاقات حسب تعليقات فريقي النزاع. أعلنت طهران بلسان مرشدها الأعلى ورئيسها بأنها لا تريد صنع القنبلة الذرية، ولكنها تصرّ على حقها في التخصيب النووي للاستعمال السلمي (توليد الطاقة مثلاً). ويبدو أن واشنطن تقبل بالمبدأ، لكنها تشترط مراقبة المرافق النووية الإيرانية من خلال الوكالة النووية الدولية في فيينا للتأكّد من أن إيران تنفذ ما تعد به. المراقبة هذه هي في صلب الاتفاق الأميركي ـ الروسي حول المرافق النووية للبلدين، حيث أن كليهما يستطيع مراقبة الأنشطة النووية للآخر من خلال مركز الوكالة الدولية في فيينا. أما من ناحية التخصيب، فتتمنى واشنطن أن تشتري إيران من الدول النووية احتياجاتها إلى اليورانيوم المخصّب للأغراض السلمية، لكن الرئيس أوباما قد يقبل بأن تخصّب إيران احتياجاتها شرط أن ألا يفوق ذلك عن 3 في المئة، مما يفي بالهدف الإيراني المعلن.

لكن المشكّكين في الولايات المتحدة بالنيات الإيرانية يذكّرون بأن الرئيس روحاني كان على رأس الفريق المفاوض خلال ولاية الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، عندما أسّست إيران برنامجها النووي. كان وقتذاك يعد الدول الست المفاوضة بالتعاون الوثيق!

يبقى حلفاء واشنطن في المنطقة، فلا إسرائيل ولا السعودية تثقان بإيران وبكلام روحاني «المعسول». يطالب الإسرائيليون، وخاصة رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو دول العالم بمنع إيران من تخصيب اليورانيوم لأن نيتها تدمير إسرائيل، حسب تصريحات الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، وأن روحاني «ذئب في ثوب حمل» لا يسعى سوى إلى إلغاء العقوبات الاقتصادية على إيران التي بسببها ينهار الاقتصاد الإيراني. أما السعودية، فتخاف من «طموحات» إيران حيال كل دول الخليج، خاصة أن عدداً غير قليل من مواطني هذه الدول هم من أبناء الطائفة الشيعية والنفوذ الإيراني يتزايد في بلدان المشرق العربي.

من ناحية أخرى، لا يزال الداخل الإيراني، كما بدا بعد عودة الرئيس روحاني إلى طهران، منقسماً تجاه الولايات المتحدة. فبالإضافة إلى انتقادات الحرس الثوري للمكالمة الهاتفية بين الرئيسين، انتقد المرشد الأعلى رئيس بلاده لبعض من تصرفاته أثناء زيارته إلى نيويورك.

مهما كانت الاتجاهات المؤيّدة والمعاكسة لاتفاق أميركي ـ إيراني، وقبل أن تقدم إيران على المفاوضات مع الولايات المتحدة والدول الخمس الأخرى حول برنامجها النووي، عليها أن تقرّر أولاً هل استمرارها في هذا البرنامج يخدم اقتصادها الوطني ورفاهية شعبها، خاصة أن العقوبات الدولية الصارمة على إيران خفّضت تصديرها للبترول إلى أقل من نصف إمكاناتها، وحوّلت تجارتها الخارجية تدريجياً إلى اقتصاد مقايضة؟ ولأن العقوبات الاقتصادية مستمرة، عليها أن تقرّر أيضاً ما إذا كان في إمكانها الاستمرار في دعم حلفائها في المنطقة، خاصة النظام السوري. كذلك على إيران أن تدرس «منافع» امتلاك باكستان والهند القنبلة النووية، وأن لا تنسى أن السباق النووي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي أدى إلى انهيار الأخير وتفكّكه. أخيراً ماذا يعني امتلاك إيران القنبلة الذرية، خاصة أن إسرائيل تمتلكها وحاملات الطائرات الأميركية تحملها. إن في امتلاك إيران السلاح النووي خطرين: الأول دمار المنطقة برمّتها في حال استعماله والثاني إهدار اقتصادي كبير لإيران في حال حيازته من دون استعمال.

هناك فرصة جدية لإمكانية سلام في المنطقة مربح للجميع. إن قبول واشنطن، ولو ضمناً، بمشاركة إيران في «جنيف 2» حول الحرب السورية، ومبادرة الرئيس الأميركي إلى الاتصال الهاتفي بالرئيس الإيراني، إشارة واضحة عن النيات الأميركية. كلتا الخطوتين واجهتا ترحيباً عالياً من حلفاء إيران ومعارضة قوية من حلفاء أميركا في المنطقة، بالرغم من تطميناتها لهم بأن أي اتفاق مع إيران لن يكون على حسابهم.

(*) السفير، الخميس 10 تشرين الاول 2013

اترك رد