مُورِيس وَدِيع النَجَّار
يا شَعرَةً بَيضاءَ تَعشَقُ مَفرِقِي أَنا في غِنًى عَن عِشقِكِ المُتَدَفِّقِ
بِاللهِ مِنكِ! فَفِي فُؤَادِيَ لَوعَةٌ، وأَسَى الصِّبا الذَّاوِي يُلَطِّخُ مَشرِقِي
ها قَد عَبِثتِ بِجُمَّتِي، ورُوائِها، عَبَثَ التَجَنِّي بِالبَرِيءِ، المُطرِقِ
كانَت كَلَيلِ العِشقِ، في عَتَماتِهِ شِعْرٌ، وأَحلامٌ كَضَوْعِ الزَّنبَقِ
أَفَما لَمَحتِ على بَرِيقِ سَوادِها سِحْرَ الشَّبابِ بِرِقَّةِ الإِستَبْرَقِ؟!
فَدَعِي هُيامَكِ، واترُكِي رَأْسِي كَما رَسَمَتهُ أَيَّامُ الفُتُونِ المُؤْنِقِ!
***
أَنا كُلَّما اجتَثَّيتُ رَأسَكِ، ناقِمًا، وثَأَرتُ لِلأَحلامِ، والعُمرِ الشَّقِي
وظَنَنتُ أَنِّي قَد سَلِمتُ، وأَنَّنِي في مَأمَنٍ مِن غَدرِكِ المُتَسَرِّقِ
تَأتِينَ، في أَهْلٍ تَنادَوْا لِلوَغَى، وتُحَطِّمِينَ جِدارَ حِصنِي المُغلَقِ
وتُعَربِدِينَ بِقُدسِ أَقداسِ الهَوَى، وتُبَعثِرِينَ، مِنَ النَّضارَةِ، ما بَقِي
فَإِذا بِأَلوِيَةِ الصِّبا، في لِمَّتِي، راياتُ خاتِمَةِ الحَنانِ الشَّيِّقِ!
***
أَنا كَم أَتَيتُكِ صاغِرًا، في ذِلَّةٍ، قَلبِي يَئِنُّ، ومِن دُمُوعِيَ أَستَقِي
وصَبَغتُ وَجهَكِ بِالخِضابِ لِتَزدَهِي، تِيهًا، على أَلَقِ الجُمانِ، وتَبرُقِي
وسَفَحتُ عِطرِي، في رِضاكِ، خائِفًا، خَوفَ الضَّعِيفِ يَجُودُ، كَيْما يَتَّقِي
أَشقَى، وأَعرَقُ في جِهادِي ناشِدًا ذَوْدًا عَنِ الأَلَقِ الصَّبِيحِ المُشرِقِ
فَأَراكِ في سَعْيٍ حَثِيثٍ لاهِثٍ، تَتَأَوَّهِينَ، وفي بَياضِكِ تَعَرَقِي
يا رُقعَةً في لَيلِ شَعرِيَ تَستَوِي، بَيضاءَ، كَالكَفَنِ المَقِيتِ، الأَخرَقِ
يا مَن وَشَمتِ هامَتِي، وبَهاءَها، وَشْمَ الدُّخانِ على الأَدِيمِ الأَزرَقِ
إِن تَرتُقِي شَعرِي النَّضِيرَ بِشَيبَةٍ، سَيَظَلُّ قَلبِي في الفُتُوَّةِ يَرتَقِي
وإِذا تَكاثَرتِ فَإِنِّي لِلصِّبا نَهِمٌ، وقَلبِي في الشَّبابِ الرَّيِّقِ
فَأَنا على دِينِ الجَمالِ عَقِيدَتِي، حَتَّى وَلَو أَخْنَى المَشِيبُ بمَفرِقِي!
***
أَنا ما انتَظَرتُكِ، فالفُؤَادُ مُلَهَّبٌ، وَجْدًا، على نارِ الغِوَى المُتَأَلِّقِ
أَنا لا أَزالُ، مَعَ الرِّياحِ، مُطَوِّفًا قَلبِي يُغَرِّدُ، والصَّبابَةُ زَورَقِي
لَيلِي أَنِيسِي، والأَحِبَّةُ صُحبَتِي، والشِّعرُ زادِي، والمُسامِرُ دَوْرَقِي
أَنا كُلَّما زَحَفَ البَياضُ بِمَفرِقِي عَصَفَ السَّوادُ بِقَلبِيَ المُتَمَزِّقِ
فَذَرِي لِأَوتارِ الهَوَى أَنغامَها، وعلى جِمارٍ، في المَواقِدِ، أَشفِقِي
ودَعِي خَرِيفَ العُمرِ يَمضِ، هانِئًا، وتَلَطَّفِي بِضَنَى الحُشاشَةِ، وارفُقِي!