السيد الزرقاني
(كاتب وإعلامي- القاهرة)
- بعد ستة اعوام مضت من عمر الحرب على سورية ، يجب ان تؤكد،أنّ المعركة في سورية لم تكن يوماً معركة مع مجموعات إرهابية عابرة للقارات، بقدر ما كانت ولا تزال معركة مع نظام عالمي جديد يرسم للمنطقة، وينسج خيوط مؤامرته في سورية ليعلن عن قيامه بقيادة قوى الاستكبار العالمية والماسونية اليهودية الصهيونية، بنسيجها اليهودي ـ المسيحي المتطرف “المسيحية المتصهينة “، وهذه المؤامره تعكس حجم الأهداف والرهانات المتعلقة بكلّ ما يجري في سورية، وهي الأهداف المرسومة التي تتداخل فيها الحسابات الدولية مع الحسابات الإقليمية، كما تتداخل فيها ملفات المنطقة إلى أقصى الحدود.
وكانت تلك المؤامرات تستهدف في شكل أساسي، العقيدة البنائية والفكر الاستراتيجي للجيش العربي السوري وثوابت الدولة وأركانها الأخرى، من مبادئ وطنية وقومية جامعة وشعب مقاوم زرع في فكره ووجدانه الحسّ الوطني والقومي، والأهم هو نهج السلطة السياسية التي زرعت هذه الأفكار وأصبحت قاعده لبناء سورية القوية، سورية عنوان المقاومة والقلب العروبي النابض، ومن هنا أدركت القوى التآمرية، أنها من دون تدمير وتمزيق سورية واستنزافها، لن تصل إلى مبتغاها وهدفها الأعظم المأمول بتدمير فكرة المقاومة، وتنصيب “إسرائيل” سيداً للمنطقة العربية والإقليم ككلّ، وكلّ هذا سيتم، حسب مخططها، من خلال نشر آلاف الجماعات الإرهابية المسلحة على امتداد الأراضي السورية.
وعلى الجانب الاخر تسعى روسيا إلى تحقيق المصالح الاستراتيجية والسياسية التي من أجلها تحرك الرئيس الروسي “بوتين” بقواته إلى الاراضي السورية، واهمها تكوين جبههة سياسية وعسكرية في المنطقة العربية لمواجهه القرارات الأميركية والأوروبية الموجهه ضد روسيا، خصوصا العقوبات الاقتصادية، ونجح في فرض أمر واقع في الشمال السوري بعد أن ساعد القوات السورية في تحقيق التقدم العسكري في حلب وتدمر وأجبر تركيا على الفصل ما بين القوات الموالية لها وجيش النصرة وفتح الشام وداعش، وقاد الجميع إلى فرض الحوار بما فيه النظام السوري أيضاً، في الاستانة تارة وجنيف تارة أخرى، مع الحفاظ على كافة المصالح، خاصة العسكرية، الممثلة في قاعدة طرطوس التي يرسو فيها الأسطول الروسي طبقا لاتفاقية بين البلدين، وكانت روسيا قد حصلت على مقابل حماية النظام دولياً عبر استخدام الفيتو على مصالح اقتصادية مباشرة، تمثل في احتكار استغلال النفط (كان بيد شركات أميركية) ثم الغاز المكتشف في البحر المتوسط.
وأيضاً مشاريع اقتصادية كبيرة، وقّع عليها نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية حينها، قدري جميل، في شهر أغسطس/آب سنة 2012. وبهذا حصلت روسيا على احتكار اقتصادي كبير، سواء باستغلال النفط والغاز، أو في فرض اعتبار سورية سوقاً لسلعها ومجال استثمار أموالها، إضافة إلى احتكار تصدير السلاح الذي هو ضرورة لروسيا. وهذا احتكار إمبريالي بامتياز، وشروطه لا تختلف عن كل احتكار إمبريالي.
وكما ظهر أن روسيا فرضت إنشاء قاعدة برية جوية في اللاذقية. وبالتالي، فرضت وجوداً عسكرياً دائماً في سورية، هي بحاجة إليه في ظل الدور العالمي الذي تعتقد أن عليها أن تقوم به. فهذا الوجود العسكري يسمح بتعزيز الوجود العسكري البحري في البحر الأبيض المتوسط، ومحاولة فرض هيمنتها فيه، في سياق سعيها إلى أن تكون “وريثة” أميركا المنسحبة من “الشرق الأوسط”، وبالتالي، السعي لكي تعزز وجودها الاقتصادي السياسي والعسكري في هذه المنطقة.
بالتالي، إذا كان قد أصبح لروسيا مصالح اقتصادية في سورية، فإن وجودها العسكري يسمح لها بأن تكون سورية مرتكزاً لهيمنة أوسع في “الشرق الأوسط”. وهذا ما دفعها إلى “عقد تحالف أمني” مع كل من الأنظمة في إيران والعراق وسورية، بما يؤشر إلى بدء تشكيل تحالف سياسي عسكري تحت هيمنتها في المنطقة.
ومن هنا اننا لا ننكر أن مجموع التضحيات الجسام التي قدمها السوريون، طيلة عمر هذه الحرب على سورية، قد ساهمت بشكل كبير بالتصدي لأجندة واهداف ومخططات هذه الحرب، الا إنّ هذه الحرب التي أرادتها هذه القوى التآمرية والشريكة بالحرب على الدولة السورية لن تنتهي، ما دامت أدواتها الإرهابية وأوراقها القذرة موجودة على الأرض السورية، ومن هنا ياتي السؤال المنطقي الى متي ستظل سوريا صامدة امام تلك المؤامرات من النظام العالمي الجديد بأجنحته المتعددة ؟