بقلم: كلود أبو شقرا
“الفن المعاصر في سوريا” عنوان المعرض الذي نظمته غاليري سامر قزح في سوريا بالتعاون مع ARTHEUMفي بيروت (2-9 أكتوبر)، شارك فيه 45 فناناً ينتمون إلى أساليب وتقنيات مختلفة، ويتضمن أعمالا تتنوّع بين رسم ونحت وتصوير فوتوغرافي وتجهيزات فنية وفنون بصرية.
من أبرز الفنانين المشاركين الدكتورة أمل مريود التي عرضت أعمالا من السيراميك تنبض بتوق إلى السلام، إلى اللقاء مع الآخر المختلف، إلى نبذ الحرب والقتل والدمار… من بينها عمل تركيبي مؤلف من ثلاثة أجزاء، جدارية تتكرر فيها عبارتا الحب والحرب على مساحتها وترمز إلى الفرق بين الحرب والحب، صحيح أنه حرف واحد إنما في الواقع الفرق كبير وهو مضمخ بالدم يجري كالأنهار، بسبب طغيان الحرب على الحب. الكرسي الذي يرمز إلى الوطن ومجموعة من الأحذية للأطفال المنحوتة بالسيراميك ترمز إلى الإحساس بالحدث المؤلم، إلى الطفولة التي تقع ضحية حروب الكبار، في أي بلد وليس في سوريا فحسب، إلى اطفال قانا في جنوب لبنان وأطفال فلسطين… كذلك يتضمن هذا العمل التركيبي صورة فيروز وهي تغني “وين راح شادي”، وكأنها تقول اليوم “وين راحوا الأطفال؟ ويحمل رسالة واضحة بأن الحرب تدمّر والحب يرمم، إنما الذين رحلوا لن يعودوا.
في المعرض منحوتة من السيراميك لأمرأة تحلم بأن تطير وتحلق في الفضاء اللامتناهي، إلا أنها تجد نفسها مكبلة في الواقع فتبدو محنية الرأس تجتر حزنها. اللافت في هذه المنحوتة وجود تناقض بين الملمس الحقيقي للطين والملمس الناعم لجسم المرأة الخيالي الانحناءة، وهذه التقنية تنفّذ للمرة الأولى في السيراميك، حرصاً من الفنانة على الاحتفاظ بالملمس الحقيقي للطين.
زجاج، بورسلان، قماش سيراميك، مواد مختلفة تلتقي في أعمال أمل مرَيوِد وتتحاور في ما بينها ولا تمتزج، وتحمل في طياتها رسالة إلى المتلقي باستحالة الآخر أو الذوبان تحت ضغط ظروف معينة مهما كانت عصيبة، وبأن الحوار ينتح الجمال.
تعتبر أمل الوحيدة التي اشتغلت الزجاج مع الخزف، وكسرت العلاقة التقليدية بين الخزاف والطين منطلقة في مغامرة الابتكار والإبداع بجرأة. كذلك في المعرض منحوتة من الخزف لإمرأة بكامل ملابسها وأناقتها في حالة انتظار… تحمل في وقفتها إصراراً على إكمال مشوار الحياة رغم الصعاب.
تحية إلى معلولا، هي عبارة عن أيقونة مريم، يبدو للناظر إليها كأنها محفورة في الصخر، وقد قصدت أمل مرَيوِد ذلك لأنها ترمز إلى هذه البلدة المحفورة في الصخر وتنبض بمعاني السمو والارتقاء بعيداً عن الماديات الأرضية إلى فضاءات الروح اللامتناهية، لذا يبدو وجه العذراء محفوراً في قلب الصخرة. ولأن الجمال يبقى في النهاية ويستمرّ ضمنت الفنانة المعرض منحوتة لطير الشحرور الذي كان يقف على نافذتها في الشام صباح كل يوم يغرّد وهي ترتشف القهوة فكانت تطرب إلى شدوه من دون أن تنظر إليه. وعندما غادرت الشام وعادت إليها بعد ثلاث سنوات عاد الشحرور إلى نافذتها يغرّد، إلا أنها فجأة نظرت إليه فلاحظت بشاعته، مع ذلك بقي صوته جميلاً.
أعمال أمل مرَيود رسائل حب وفرح في زمن الانكسار، لذا طوّعت الطين لتظهر منحوتاتها بأبهى حلة، فالمرأة لديها في حالاتها النفسية المختلفة ترتدي أبهى حللها… وطرّزت الطين بأجمل الألوان كأنه قطع من الدانتيل يتسلل النور بين ثناياها، إنما لم تغرق في التفاصيل بل سخرتها لخدمة جمالية القطعة وتعميق الرمزية فيها.
محطة إبداعية
للمرة الأولى شاركت أربع غاليريهات في المعرض وعرضت لوحات نادرة لرسامين معاصرين سوريين في القرن العشرين. يهدف المعرض إلى التعرف إلى أحدث إبداعات الفنّانين السوريين في السنوات الثلاث الأخيرة، المتمحورة حول نشر رسالة المشاركة والوجود الفاعل للسوريين في الحضارة الإنسانية المعاصرة.
بدأت فكرة المعرض عام 2010 وغايته إعطاء بانورما شاملة عن الفن السوري المعاصر، وكان وراءها سامر قزح، فخطط لإقامة أول معرض حول الفن السوري المعاصر عام 2012 في سوريا، إلا أن الأحداث التي عصفت بالبلاد نقلت الفكرة إلى بيروت كونها قريبة من دمشق وتحتضن الفنانين السوريين الهاربين من جحيم الحرب الدائرة في بلدهم.
اللافت أن معظم الأعمال المعروضة من نتاج العامين الأخيرين وأن أعمال كبار الفنانين تجاورت مع الفنانين الشباب…
كلام الصور
1- ملصق المعرض
2- 3- 4- 5- من أعمال أمل مريوِد