استقصاء ميداني حول فترة حكم حزب العدالة والتنمية ومحاولة إحياء للعثمانية الجديدة أو الانحياز الى نهج إسلامي في الحُكم
بدعوة من نادي روتاري طرابلس-كوزموبوليس وروتاري طرابلس-المعرض، ومؤسسة الصفدي الثقافية، وأمام حشد من المثقفين والمهتمين، قدّمت الدكتورة جنى جان جبور عرضاً عن كتابها الصادر بالفرنسية عن المركز الوطني للبحوث العلمية في فرنسا (CNRS)، وهو بعنوان “تركيا، دبلوماسية القوة الناهضة” (La Turquie, l’invention d’une diplomatie émergente).
في البداية، كلمة لمديرة مؤسسة الصفدي الثقافية سميرة بغدادي التي ركّزت على أهمية الكتاب موضوع الندوة، مستشهدة بالمقدمة التي كتبها البروفسور برتران بادي، والتي اعتبر فيها أن الكتاب يعتبر “نقطة تحوّل في الدراسات التركية المعاصرة”. ومن ثم كلمة ريم دادا الحسيني التي رحّبت بالحضور باسم أندية الروتاري، وركّزت على النشاطات والاهتمامات الروتارية، ومن بينها الأنشطة الثقافية.
بعد ذلك، قامت المؤلفة بعرض لمضمون الكتاب الذي يتناول مسألة الدول الناهضة وموقعها في النظام الدولي إنطلاقاً من تحليل دقيق للتجربة التركية كنموذج، من عام 2000 الى 2015، فبيّنت كيف أن بحثها المستند على مراجع عديدة، باللغات الفرنسية والانكليزية والتركية والعربية، لكنه في الأساس يقوم على نهج الاستقصاء الميداني، قادها الى الخروج عن التحليلات التقليدية التي اختصرت في معظمها فترة حكم حزب العدالة والتنمية بمحاولة إحياء للعثمانية الجديدة أو الانحياز الى نهج إسلامي في الحُكم.فتركيا الناهضة بنظر د. جبور، تسعى قبل كل شيء الى تأمين موقع على الخريطة الإقليمية والدولية يتناسب مع قدراتها وطاقاتها وتاريخها وطموحاتها. من هنا، يأتي مشروع “النهوض التركي” ليلعب كل الأوراق التي يمكن أن تحقّق مأربه.
في رأس الأولويات يأتي النهوض الاقتصادي الذي شكّل نقطة فارقة في التاريخ التركي الحديث، رفده وجود قائد كاريزمي عرف كيف يُمسك بزمام الأمور في الداخل، وانفتاح على البلدان العربية تحت مقولة “صفر مشاكل مع الدول المجاورة” التي أطلقها داود أوغلو. في استكمالٍ لهذا المشروع، أتت المراهنة على الإسلام السياسي ومحاولة استقطاب حركات ودول، وهو التوجّه الذي جسّدته قضية أسطول الحرّية أو “مافي مرمرة” لكسر الحصار المفروض على غزة والذي أبرز تركيا بدور المدافع عن القضايا الإسلامية.
ومن عناصر النهوض أخيراً، تمّ استخدام “القوة الناعمة” من مسلسلات وإنتاجات سينمائية تُبرز عظمة التاريخ التركي وتجربة تركيا الحداثوية الرائدة، وإنشاء مراكز ثقافية ومراكز لتعليم اللغة التركية، بالإضافة الى التوسّط في النزاعات الكبرى، والمساهمة في مشاريع تنموية في الخارج الخ. هذه التجربة التي عرفت نجاحات لافتة في بداياتها، اصطدمت بدءاً من عام 2010 بالأحداث التي عصفت بمنطقة الشرق الأوسط، سيما بالأزمة السورية، فبدأت تهتز وتتراجع، وانعكس الأمر اضطرابات في الداخل، وعدم استقرار في الخيارات الخارجية.
وخلصت المؤلفة الى الاستنتاج بأن التجربة التركية كدولة ناهضة، تفتح الباب واسعاً على التساؤل حول طبيعة النظام الدولي الذي لم يعد بإمكانه الخضوع لتحكّم نادٍ صغير من الأوليغارشيين الذين يستبعدون الضعفاء، ويتنكرون لمتطلّبات المجتمعات، ويتجاهلون المطالبات بالعدالة التي تنبثق عن عالم جديد تتزايد فيه الجهات الفاعلة وتتنوّع. ذاك أن إفساح المجال أمام قوى إقليمية فاعلة لكي تلعب دورها وتخلق توازناً جديداً في العلاقات الدولية لا بد وأن يؤدي الى حاكمية عالمية أكثر عدلاً يمكنها أن تخفّف من حدّة الأزمات المطروحة في القرن الحادي والعشرين.
أنطوني سمراني
بعدها قدّم الصحافي في جريدة الأوريان أنطوني سمراني ملاحظاته وتعليقاته منوهاً بمقاربة الباحثة الجديدة التي تعاكس التحليلات المقولبة لتقدّم بحثاً علمياً موثّقاً ذات منهجية واضحة. كما أشاد بموضوعية الكتاب، قبل أن يتوقف عند بعض مفاصل السياسة التركية، مركّزاً على انعكاسات اقصاء داود أوغلو الذي كان المفكر الاستراتيجي للسياسة التركية. واعتبر سمراني أن سياسة تركيا اليوم ترتكز على رود الفعل، فيما كانت ما قبل الربيع العربي ترتكز على البرمجة والتخطيط الاستراتيجي الدقيق.
في النهاية كان نقاش مع الجمهور تمحور في مجمله حول مستقبل المشروع التركي، وقيام تحالفات إقليمية جديدة، ودور القوى المتوسطة في النظام الدولي وتأثير كل ذلك على تركيبة الشرق الأوسط المستقبلية. وختاماً توقيع الكتاب.