صواريخ حكومات حزب الدعوة واقمارها الصناعية

د. جودت هوشيار

 (مهندس استشاري وكاتب- بغداد)

اعتادت حكومات حزب الدعوة الأربع المتعاقبة، التي تسلطت على رقاب الشعب العراقي خلال السنوات العشر الأخيرة، أن تستخف بعقول العراقيين وتتحايل عليهم بالبيانات المضللة والإنجازات الموهومة. ولكن لنبدأ الحكاية من أولها.

في اوائل حزيران 2011 أعلنت وزارة الاتصالات العراقية أن ” الحكومة الايطالية ستقوم بتأهيل مهندسين فضائيين عراقيين في نهاية العام المذكور لغرض صناعة أول قمر صناعي عراقي وعربي”.

ويبدو ان القمر الصناعي – الذي طال انتظاره – أصبح الشغل الشاغل لكل قادم جديد لشغل منصب وزير الإتصالات ولحاشيته المختارة من الخبراء الأفذاذ .، حيث دأب كل وزير جديد، هو والمقربون منه على اطلاق التصريحات واصدار البيانات الرنانة حول القمر الصناعي الموعود “الذي يأتي ولا يأتي”

على حد قول الشاعر الراحل عبد الوهاب البياتي. وهم يعتقدون انهم بذلك سيجعلون الناس تصدق حكاية القمر الموهوم، إيماناً بمقولة وزير الدعاية النازي جوزيف غوبلز “أكذب ، ثم اكذب ، الى أن يصدقك الناس” ( راجع على سبيل المثال بيانات الوزارة – حول قرب اطلاق القمر المزعوم – الصادرة في (أيار /مايو 2012 ، كانون الثاني / يناير 2013 ، نيسان/أبريل 2013 ، أيار/ مايو 2013).

ويبدو ان وزير الاتصالات، السيد حسن كاظم الراشد يريد أن تتوج  انجازات حكومات حزب الدعوة الأربع  بإنجاز تكنولوجي مبهر، بعدما تحول العراق الى واحة للأمن والأمان، وجزيرة للاستقرار والازدهار الاقتصادي، والعلمي – التكنولوجي. ولم يتبقَّ سوى العمل على اللحاق بالدول الصناعية المتقدمة!.  فقد أعلن الوزير الهمام، أن العراق على أبواب إطلاق قمر صناعي سيادي! وذلك  في كلمته خلال حفل افتتاح معرض جيتكس الثاني ( 16-2-2017 ) على ارض معرض بغداد الدولي، وان القمر سيحقق للعراق قفزة علمية كبيرة في ولوج عالم الفضاء “. وليس من الواضح ما هو المقصود بالقمر السيادي؟ هل يعني ذلك ان القمر المزعوم  سيصنع بأيدي عراقية مائة بالمائة، أم أن العراق سيكون بمقدوره التحكم في مسار القمر واستخداماته. على أية حال سيبقى للسيد الوزير ريادة اطلاق مصطلح (السيادي) على  نوع جديد من الأقمار الصناعية الذي يتم توجيهه بالريموت كونترول من وزارة الإتصالات.

والمصطلح الجديد جميل، ويؤكد ان السيادة العراقية مصانة حتى في الجو بعد تأمينها على البر والبحر، وان الانتهاكات المزعومة للسيادة العراقية من قبل دول الجوار، مجرد اشاعات وأقاويل لا قيمة لها.

السيد الوزير يرى ان تصنيع واطلاق أول قمر صناعي عراقي (سيادي) من المهام العاجلة لوزارته. واذا كانت الدول المتخلفة تلجا الى الدول الصناعية المتقدمة مثل روسيا أو فرنسا لوضع أقمارها الصناعية فى الفضاء الخارجى  وتأمين الاتصال معها، فإن خبراء الوزارة فى مجال تصميم وتصنيع  الصواريخ وعلمائها في مجال تقنية الفضاء قادرون لوحدهم، من دون أي مساعدة خارجية، على تخطى كل الصعوبات الفنية التى تقف أمامهم بعزيمة لا تلين من اجل وضع أول قمر صناعى عراقى (سيادي) فى مدار حول الأرض في القريب العاجل

والحق ان خطط الوزير الهمام  فى مجال غزو الفضاء، تتسم بأبعاد ستراتيجية مهمة، ولا تقل أهمية عن خطط وزير النقل السيد كاظم فنجان الذي كشف النقاب عن أول مطار في التأريخ تم إنشائه في الناصرية قبل آلاف السنين وعن سفن الفضاء السومرية. وأن وزارته عازمة على احياء أمجاد الأجداد الفضائية. واذا تركنا جانبا بالونات التصريحات الهوائية والمصطلحات المبتكرة وتحدثنا بلغة العلم والتكنولوجيا نقول:

ان تصنيع الأقمار الصناعية –  يا سيادة وزير المواصلات – يتطلب  قبل كل شيء قاعدة صناعية متطورة، كالتي تمتلكها الدول الصناعية المتقدمة. ويبدو ان العراق قد أنشأ مثل هذه القاعدة الصناعية في صمت وهدؤ، لتكون مفاجأة للقاصي والداني من حسّاد العراق .

اما المرحلة الثانية، فهي أنشاء محطات الاتصال بالأقمار الصناعية لغرض التحكم في مسارها واستخداماتها. وهذه المرحلة – كما يبدو من تصريحات السيد الوزير قد انجزت بسرعة قياسية وهي جاهزة للعمل، في نفس الموقع الذي كان السومريون يطلقون منه سفن الفضاء .

أما المرحلة الثالثة، فهي صنع القمر الصناعي ذاته.

هذه المراحل الثلاث – ايها السيد الوزير – هي مراحل متعاقبة ومترابطة ، وضرورة حتمية لكل من يود اطلاق قمر صناعي مهما كان نوعه او الغرض من تصنيعه.

ومن المستحيل اطلاق قمر صناعي، مهما صغر حجمه، من دون انجاز هذه المراحل كاملة والقيام بتجارب ميدانية مضنية للتحقق من نجاحها. فالحديث عن اطلاق قمر اصطناعي من دون وجود قاعدة صناعية متطورة، ومن دون تصنيع الصواريخ الحاملة له، ومن دون إنشاء محطات الاتصال ، ينم عن جهل فاضح، إن لم يكن تضليلاً متعمداً.

ونزيد السيد الوزير علماً، إن إنجاز هذه المراحل بنجاح يمهد لإنتاج صواريخ أرض – ارض. وأنه لا توجد فروق جوهرية. بين صواريخ إطلاق الأقمار الصناعية وإطلاق الصواريخ البالستية، فالصاروخ الذي يحمل قمرا صناعيا ، يمكنه بتعديلات تصميمية وتكنولوجية صحيحة، ومجربة، أن يحمل رأساً حربياً تقليدياً أو كيمياويا أو نوويا، و لذلك فإن أمتلاك صواريخ اطلاق الأقمار الصناعية، يخدم اكثر من هدف ستراتيجي واحد.

ويبدو ان تصنيع منظومة متكاملة لإطلاق الأقمار الصناعية (الصواريخ، محطات الاتصال، القمر الصتاعي) أسهل على خبراء وزارة الاتصالات من تصنيع جهاز بسيط  لكشف المتفجرات، لا يزيد سعره على عشرين دولاراً.

كان الله في عون الشعب العراقي المبتلى بـتلاميذ غوبلز ، الذين لا يملّون من الاستخفاف بالعقول ، والضحك على الذقون. لأنهم لا يتقنون مهنة سواها .

اترك رد