ميخائيل نعيمة
(أديب وشاعر وفليسوف لبناني 1889 – 1988)
صرفتُ حبيبتي عني وناشدتُها الله
ألا تعود إليَّ
إلا بعد أن تتقن الحب.
لكنَّها ما لبثت أن عادت
وأكبَّت على شفتيَّ
كأنها الرضيع الجائع يكبُّ على ثدي أمِّه
وعندما انتشتْ وتنهَّدتْ تنهُّد الشهوة الظافرة
سلختُ فمَها عن فمي وهمستُ في أذنها :
إليكِ عني ، يا يمامتي
لقد أتقنتِ تغذية ملذاتك المائتة
أمَّا الحب فما تعلَّمتِه بعد .
وأطلَّت على الأرض أهلَّةُ عام بكامله
وإذا بحبيبتي تسترق خطاها إلى مخدعي
كأنها الحلم عند الفجر
وإذا بها تجثو عند قدميَّ
فتغسلهما بدمعها السخين
وتجففهما بأنفاس لهفتها المتأججة
وعندما ابتهلَتْ عيناها إلى عينيَّ همستُ في أذنها :
انهضي ، انهضي ، يا يمامتي ، وإليكِ عني
لقد تعلَّمتِ كيف تروِّين أحزانَك العطشى
أمَّا الحب فما تعلَّمتِه بعد .
وانقضى العام والعامان
من قبل أن عادت حبيبتي تقرع بابي
وفي يدها الواحدة مبخرة
وفي الأخرى شمعة مشعَلة
وما أن اجتازت العتبة
حتى أخذتْ تسجد لي وتمجِّدني
بصوت كله حنين وإيمان وورع
وعندما فرغتْ من عبادتها همستُ في أذنها :
اذهبي ، اذهبي بسلام ، يا يمامتي
لقد أتقنتِ فنَّ تمجيد محاسنك الموهومة
أمَّا الحب فما تعلَّمتِه بعد .
ومرَّتْ دهورٌ لم أرَ فيها وجهَ حبيبتي
فأيقنتُ أن المنيَّة أدركتْها
من فرط قسوتي ووفرة حبِّها
ورحت أبحث عن مقرِّها الأخير
إلى أن بلغتُ شاطئ اللاذاتية –
وإذا بي أبصر حبيبتي هناك
غارقةً في لجَّة الأحلام
فدنوت منها في خفَّة وبرقَّة فائقة سألتُها :
ما بالك وحدكِ على هذا الشاطئ المهجور ؟
فأجابتْني برقَّة فائقة :
أيكون وحده مَن أضاع ذاتَه في الحب ؟
إذ ذاك هتفتُ عالياً :
إليَّ، إليَّ، يا حمامتي !
لقد آنَ أوان الطيران .
#همس_الجفون (1926)