أندره عقل بين الحكمة والفلسفة

بقلم: ريمون قسيس

R.Kassis-1.j-pgبين زحلة وأثينا، بين الشعر والخمرِ، والحكمةِ والفكرِ، يطيب التجوالُ والترحالُ، شعراءُ، حكماءُ وفلاسفةٌ كبار يطوف في رحابهم يحيا معهم ولو لِماماً عبرَ سِيَرهم وأخبارهم وأقوالهم ونصائحهم ونوادرهم ومُلَحِهم ورواياتهم وفضائلهم ورموزهم ومواقفهم وحِكَمهم وفلسفاتهم ومراسلاتهم.

بالأمس، جمعَ القصائدَ التي أهداها شعراؤُها الى زحلة العروس في دواوين فقيل : إنها الميثولوجيا او الملحمةُ الكبرى للقرن الواحد والعشرين.

وها هو اليوم، يجمعُ لنا، في كتابٍ سمَّاهُ ” حكماءُ وفلاسفةٌ من اليونان “، سبعةَ حكماءَ وواحداً وعشرين فيلسوفاً، تسعةٌ منهم يزيِّنونَ الغلاف الأول.

أرادَ لنفسه أن يكتفيَ بمئتين وأربعٍ وعشرينَ صفحةً تنقُلنا الى أجواءَ راقيةٍ، والمصادرُ والمراجعُ الأجنبية والعربية السبعةُ والثمانونُ أغنتِ الكتابَ وأضاءَت عليه جلِيّاً وجعلتِ القارىءَ يرغبُ  في اقتنائها في مكتبته.

قبل البدء بالسِيَر الذاتية وما يليها، وقبل فهم الحضارة اليونانية وما يتخلَّلُها من معتقدات وعبادات، يجملُ الحديثُ عن الأسطورةِ ودورِها وبدائيتها وطورِ تعدُّدِ آلهتها Polythéisme ومعالجتِها، من خلال ما ورد في الكتاب، لا من خلال المذهب الأسطوري الذي وضَعه الفيلسوف الألماني ” كانت ” او من خلال ” شوبنهاور ” او “برغسون “، بل من خلال إلقاءِ بعضِ الصوءِ على مدلولاتها ومراميها، وما يمكن تفسيرُه وتعليلُه بشأنها وبحسب المدارس والنظريات اليونانية القديمة. فكان ” طاليس ” مثلاً صاحبَ نظريةٍ فكريةٍ ذاتَ طابعٍ ماديٍّ تقوم على تفسير أصل الخليقة ومنشأ العالم، امّا ” فيتاغورس ” فكان يتجه اتجاهاً آخرَ ذا منحىً رياضي قائم على العدد الذي هو أصل الخليقة، وكان الله واحداً لا شريكَ له، وكان الكمالَ المطلقَ حسب النظرية التجريدية التي حمل لواءَها الشاعر الفيلسوف ” كسينوفون “. لا أودُّ أن أَدخلَ في التفاصيل، بل أكتفي بما ذكرت ليتسنى لي مرافقة صديقي الأستاذ والأديب أندره بركات عقل عبْرَ محتويات كتابه وهو القائل : ” عالجنا نواحيَ من سِيَر الحكماء والفلاسفة الذاتية ونُتَفاً من مذاهبهم الفكرية “.

وطريقةُ المعالجة التي اعتمدَها المؤلِّف هي ذاتُها في كُلِّ حكيمٍ او فيلسوف، جاءَت لتُريحَ القارىءَ وتضعَه في الإطار الصحيح.

ثمَّةَ تميُّزٌ او اختلافٌ في الموقف والرأي والعامل البيئيِّ والعائليِّ والعقائدي وهذا بالضرورةِ حاصلٌ الى جانب المرتكزات العلمية والفلسفية والحكمية الأُخرى.

andre-akl-cover-1.j-pg

–         فلدى ” طاليس ” تساوى الموتُ والحياة، والعالمُ لا أَوَّلَ له ولا آخِر، وثمَّةَ حيِّزٌ كبيرٌ لشؤونٍ أُخرى تسترعي الانتباه.

–         ولدى ” سولون ” دورٌ في حروب المقاريِّين والأثينيّين ممَّا جعله يتراسل مع بيزستراتس، ويستضيفه الملك كريسوس، ويدفع بالملك برياندرس الى طلب مشورته. كان مشرِّعاً فجمعَ القوانين وكتبها على ألواح.

–         ولدى ” خيلون ” نصائحُ أهمُّها ” عدمُ اغتياب القريب والأموات ” وجاء في أَمثال اليهود : ” شرفُ جارك عزيزٌ عليك مثلُ شرفك “. وعُرِفَ عنه أنه قال : ” الصداقةُ والعداوةُ لا تدومانِ، فاذا أحببتَ صديقاً فاتركْ للعداوة مكاناً، واذا أبغضت عدوا فاجعل للمحبة مكاناً آخر “. وقال القاضي ابن معروف :

فــــاحـــــذَرْ عــــــدوَّك مــــــــرَّةً      واحـــــذَرْ صديــقَــــك ألـــفَ مـــرَّهْ

فــلربـمــا انــقــلــــبَ الصــديـــقُ       فـكــــان أَعْــــرَفَ بــالـمـــضــــــرَّهْ

–    ولدى ” بيتاتوس ” فخرٌ واعتزازٌ بالسيف وتجريده من غِمْدِه. قال عنترة العَبْسي :

أطـــربُ الأصــــواتِ عــنــــــدي         رنَّـــــةُ الــســـيــــفِ الــيـــمـــانــي

وصـــلـــيـــــلُ الـرمـــحِ جَــهْـــراً         فــــي الـــوغــــى يـــوم الـطـعـــانِ

     –  ولدى ” بياس ” مقولةٌ شهيرةٌ وهي : ” أُشْكُرْ مولاك على ما أولاك

        واحْمَده، فالحمدُ واجبٌ على كُلِّ انسان “، ومقولةٌ أُخرى تقول : ” لا

        تؤجِّلْ أبداً وفاءَ ما وعدت به “… ” بياسُ ” فخرُ ” ايونيا “. وُلِدَ في

        ” بريانا ” العظيمة ودُفِنَ فيها.

    –  ولدى ” كليوبولس ” قولٌ شهيرٌ جداً وهو : ” تكلَّمْ قليلاً وفكِّرْ كثيراً،

       ولا تذكُرْ أحداً بالسوء “، وقال الإمام علي (ع) : ” لا تَقُلْ ما لا تحبُّ أن

       يُقالَ لك “.

    –  ولدى ” برياندرس ” نظرةٌ صائبةٌ وثاقبةٌ في ما يختص بالديموقراطية

       التي هي أفضل من الظلم، وبالوعد ووفائه وعدم البوح بالسر، وبعد أن

       حَكمَ أربعين سنة بنى له الكورنثيون ضريحاً فخماً نقشوا عليه :

      ” هنا، أرض الأجداد، كورنتس ذات الخُلْجان البحرية تحتضن

      “برياندرس ” الذي كان يحتل المركز الأول في الغنى والحكمة”.

     هذا عن حُكماء اليونان السبعة وأمَّا فلاسفتُها الأوائلُ الأربعةَ عشرَ فيطيب أيضاً تناولُهم باقتضاب :

andre-akl.-1jpg

   –  لدى ” أنخرسيس ” نقطةٌ هامةٌ هي عدمُ التزامه بأي مذهَبٍ فلسفيّ الى

      كونه يُعتبر لساناً ناطقاً بجميع المدارس الفلسفية. أَحَبَّ الشعرَ ونظمَ

      قوانينَه شِعْراً وأضاف اليها ديواناً في علم الحرب.

  –  ولدى ” أبيمينيدس ” تقشُّفٌ وزُهْدٌ وتأمُّلٌ وترفُّعٌ عن حُطام الدنيا التي

     مارسها طوالَ عمره، ومُعْجِزَةٌ رآها في منامه.

 –  ولدى ” أنكساغورس ” أنه أُخْبِرَ بموتِ ابنه فلم يهتمَّ، بل قال : “إني أعلمُ

    علمَ اليقين أنَّ الذي خرجَ من صُلْبي سيَفْنى يوماً “. وذهبَ ولحَدَه بنفسه.

    قال كعبُ بنُ زُهَيْر :

    كُلُّ ابـنِ أُنـثــى وان طالت سلامتُه        يومـاً على آلـــةٍ حَـدْبـــاءَ محــمـــولُ

–  ولدى ” سقراط ” مواقفُ جريئةٌ منها حبُّه للحرية، نقلُ الحقيقة من الإحساس الى

   العقل، مساعدةُ الآخرِ على استخراج الكامن من نفسه، اعتبارُ العلمِ خيراًوالجهلِ شرّاً

  والحسَبِ والنسبِ شرّاً كذلك.

  قال جرجس همّام :

  كُنِ ابـنَ من شئتَ واكتسـبْ أدبـــاً        يُـغْــنــيـــكَ مـضـمـونُــه عن النَســبِ

 إنَّ الـفــتــى من يـقــولُ هـا أنـــاذا        ليس الـفــتــى مــن يقــول كـان أبـــي

 يقول : ” العقولُ مواهبُ والعلومُ مكاسبُ ” و ” لاضرَّ أضرُّ من الجهل ولا شرَّ شرٌّ من النساء “، و ” داوِ الغضبَ بالصمت “. شعارُه : ” اعْرَف نفسَك ” من عرفَ نفسَه عرفَ ما يُفيدها وما يضرُّها.

andre-akll-school-of-athen-

حُوْكِمَ، أُدْخِلَ السجنَ ثم جرعَ السُمَّ.

لامَ الشاعرُ ” أورﭘيد ” الآثنيين على فِعْلتهم الشنعاء وقال :

” لقد قتلتموه، لقد قتلتموه،

  قتلتُمْ الكُلِّيَّ الحكمةِ : سقراط. “

وسكبَ ” ديوجين لايرس” شعراً فيه قال :

سقراط وأنت الآن بين يدي زفس، إشرَبْ

فأنتَ، نعم، أنت، الذي قال الإلهُ عنك : إنَّكَ حكيم وقالت الحكمةُ : إنك إلهٌ من الآثنيين لم تشربْ فعلاً إلاّ السُمَّ.

اتَّهمه نيتشه بأنه المؤول عن جمود العقل الذي سادَ الفكرَ الأوروبيَّ طوال العصور الوسطى، وطردَه من جمهورية العباقرة.

–  ولدى ” كسينوفون ” الذي عرفَ ان ابنَه قُتِلَ نزعَ عن رأسه التاج وسأل : هل مات جباناً ام بطلاً ؟ فأُجيبَ : بطلاً. فأعادَ التاجَ الى رأسه كما لدى الشاعر سعيد عقل القائل :

ان عـبد الله ابو خاطر تحرَّكت في صدره عاطفة الأُبوَّة فسأل في أي موقع من جسمه أُصيب ابنه ؟ ولما قيل انه أُصيب في صدره أكبَّ على الجثة باكياً :

عاد حَمْلُ الجُلَّى فقال أبوه : أَمُصابٌ بالصدر أَم هو مارقْ

فأجابوا بالصدر قال : إذنْ يُدفَنُ. بعتُ الرضى بسيفٍ واثِقْ

–   ولدى ” أريستيبوس ” أخبارٌ ونوادرُ وأقوال أشهرُها : أحضر الملك ” دنيس” يوماً أمامه ثلاث غانيات متبرِّجات وقال له : اختَرْ منهنَّ من راودتك نفسُك عليها : فأخذ الثلاث وسار بهنَّ الى مدخل بيته وأطلق سراحَهنَّ وقال : أنا سيِّدُ لذّاتي والشهوةُ غيرُ غلاّبةٍ عليَّ.

–    ولدى ” أفلاطون ” أخبارٌ ومُلَحٌ وأقوال منها : ” شربُ الخمر حتى السكر لا يليقُ في أَيِّ زمان “، وجاء في سورة المائدة : ” إنما الخمرُ والمَيْسِر والأَنصابُ والأزلامُ رِجْسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تُفلحون “. استعملَ في فلسفته كلماتٍ جديدة مثل : نقيض، عنصر، جدلية، صفة وغيرها. اشتُهر بجمهوريته التي تذكِّرنا بالمدينة الفاضلة لدى الفارابي. لُقِّبَ بالفيلسوف الإلهي المتفوق على جميع الناس كما قال أحدهم بالاعتدال والأخلاق الحميدة.

–   ولدى ” كسينوقراط ” رواياتٌ وأخبار وفضائلُ سبعٌ هي : العفة، النزاهة، الاستقلال، الإنسانية، الأمانة لأفلاطون، رباطة الجأش والتواضع.

–    ولدى ” بيون ” مؤلفات فلسفية عديدة لكنه لم يؤسِّس مدرسة فلسفية. سُئل عمن يكون أشقى الناس ؟ قال : الذي يطمح أن يعيش سعيداً.

–   ولدى ” أريسطو ” الملقَّب بالقَرّاء لسعة اطِّلاعه وبالعقل أي عقل الأكاديمية أقوالٌ في العلم منها : العلمُ للروح كالنور للعين،  جذورُ العلم مُرَّةٌ أمَّا ثمارُه فحلوةٌ، وأجملُ زادٍ للشيخوخة العلم. اتُّهِمَ بالكفر ففرَّ الى مدينة خلقيس حيث مات بمرض القولنج وهو مرض مَعِدي يؤدّي الى الموت.

–  ولدى ” أنتيستينوس ” تحديد المفهوم Le Concept قال :  ” المفهوم هو الذي يعبِّر عمَّا كان الشيء وعمَّا هو حاليّاً “. فلسفتُهُ سابقةٌ للفلسفة الرواقية.

–  ولدى ” ديوجينس ” فلسفةٌ سمَّاها سعيد عقل ” فلسفة القنديل الشهيرة ” وهناك خمسة أشخاص باسم ” ديوجينس “. و ” ديوجينس ” الذي هو في عِداد عظماء لبنان الأحد عشر في نظر سعيد عقل غنيٌّ بأقواله وأخباره ولطائفه. حملَ مصباحَه وقتَ الظهيرة وسار في الشوارع فسُئِل عن ذلك فقال : إنّي أُفَتِّش عن رجل.

سُئل : ماذا ربحتَ من الفلسفة ؟ قال : التجلُّد على تحمُّل المشاق. وقيل : طلبَ صدَقةً من بخيل وتأخَّر الجواب، فقال له : سألتك الصدَقةَ لأشتري طعاماً وليس

لِكَفَني. قال ابنُ الرومي :

جُـعِــلْــــتُ فِــــداكَ لـــم أَسْـــأَلْــــــكَ         ذاكَ الـــثــــــــوبَ لــلــــكَــــــفَـــــــــــنِ

ســـأَلـــتُــــكَـــــــهُ لأَلــبـِــسَـــــــــــه          وروحـــــــي بَــعْــــــدُ فـــي الـــبَــــــدنِ

وقــد طــــــال الــمِــــطــــــالُ بــــه         وخِـــفْــــــتُ حـــــــوادثَ الـــزمـــــــــنِ

وسُئل وهو سجينٌ : ما باستطاعتك أن تفعله ؟ أجاب : سياسة الناس. عابوا عليه النفيَ الذي أُرغِمَ عليه. قال : بسببه بدأتُ أَتفلسف. وقيل : كان يدخل الى المسرح ساعةَ خروج الجمهور منه وسئل عن السبب قال : كُلُّ حياتي عملتُ عكْسَ ما يعمل سائر الناس. قدِمَ بعضهم يسأل ديوجينس عن مكان إقامة ديموستين، فرفعَ إصبَعه الوسطى ودلَّ عليه. واستعمال الإصبع الوسطى دليل احتقار وكان اليونانيون يسمونها الإصبع السافلة.

–  ولدى ” قراطيس ” أنه تتلمذ على ديوجينس وعُرِفَ من تلاميذه زينون رأس الفلاسفة الرواقيِّين، وانه عاش حياته في التقتير على نفسه ولم يشرب الاَّ الماءَ الزُلال، وانه حثَّ تلامذته على عدم التعلّق بأطايب الدنيا.

– ” زينون القيسيوني ” جعله سعيد عقل في عِداد عظماء لبنان الأحد عشر لأنه أبو الرواقيَّة وصاحب نظرية العالم الواحد، راسَله الملك أنتيغون مُسيّراً الى تجاوزه الفكري والثقافي والسعادة التي يمتلكها فراسَله زينون مؤيداً محبة الملك للمعرفة والثقافة الأصيلة. ومن أقواله وأخباره تعريفه للصديق قائلاً : من كان إيايَ وكبت إيَّاه. قال علي بن أبي طالب : ” الصديقُ من صدقَ غيْبُه “. في نظره الجمالُ ثمرةُ الاعتدال والاعتدالُ ثمرةُ الجمال، وزَلَّةُ القدم أفضلُ من زلَّة اللسان.

وهنا أَفردَ المؤلِّفُ ثلاثَ عشرة صفحة خصَّصها للفلسفة الرواقية من مهدها الى اليوم تجدرُ قراءَتها بإمعان.

والقسم الثاني التابع للفلاسفة وهو القسم الأخير من الكتاب يدور حول ستة فلاسفة :

–  أولهم فيثاغورس الذي قيل إنه أول فيلسوف رفض مُتواضعاً لقبَ حكيم مكتفياً بلقب فيلسوف. جعله أيضاً سعيد عقل في عِداد عظماء لبنان الأحد عشر. من أقواله وأخباره قولُه : يجب على المرء عدم التقاط الفُتات المتساقط من الموائد. ولتأكيد مذهبه في هجرة الأرواح أخبر أتباعَه بأنه حلَّ سابقاً في جسد ” ايغورب ” وادعى انه كان ابن هرمس وهو اله من آلهة اليونان. قال ابراهيم اليازجي في رثاء ابراهيم الحوراني :

ومُعـادُنـــا كالحَـتْـف يحدُثُ مرَّةً       ما للتـنــاسُـــخ عنـدنــا من موضــــعِ

اهتم فيثاغورس بعِلمي الهندسة والفلك، وعُزِيَ اليه جدولُ الضرب وبناءُ المجسَّمات المتناسقة وبدء حساب التناسب.

– لدى ” أمبيذوقليس ” رأيٌ يقول : إن الأصلَ لجميع الأشياء هو الأركان الأربعة اي الماء، التراب، الهواء والنار، وهذه الأركان تتقلَّب وتتغيَّر ولكنَّها لاتفنى أبداً، وأن الشمسَ كتلةٌ كبيرة من نار والقمر قرصٌ مستوٍ ومبسوط، والسماء مصنوعة من مادة تشبه البلَّور.

– لدى ” هيراقليطس ” انه لُقِّب بفيلسوف التَلْغيز والايجاز وهو القائل : في الحياة موتٌ وفي الموت حياة. راسَله الملك داريوس مسترشداً بنصائحه وأجابه ” هيراقليطس ” بأنه يعيش من أجل الحقيقة والعدالة بعيداً عن الاحتفالات الطنَّانة، وقال إن هوميرس يستحق الطردَ من الأمكنة العامة وكذلك ” أرخيلوغوس “.

–  لدى ” ديموقريطس ” أنه احتقرَ أمجادَ المُدُن ورفضَ أن تأتي شهرته من شهرة آثينا. كان أفلاطون خصماً عنيداً له فلم يذكره في عداد الفلاسفة.

– لدى ” بيرون ” أنه كان يردِّد قولَ هوميرس الذي شبَّه الناسَ بأوراق الشجر التي تخلف بعضها بعضاً ويأخذ الجديدُ منها فحلَّ ما سقط من القديم.

” كما تتلاحق أجيالُ أوراق الشجر تتلاحق أجيالُ البشر “.

–  لدى اندره المَكْنِيِّ بأبيقور أنه كان يتمشَّى مع تلاميذه في  ” الحديقة ” ويحفِّظهم غيْباً ما كان يراه مُفيداً لهم. فأقبلت عليه الجماهير من أرجاء اليونان للتزوُّد بتعاليمه. شهرتُه قامت على أقواله في الصداقة، في العائلة، في العدل، في الفضيلة، في السعادة وفي الحيطة والتروّي. ما كان يقتنع بالأدعية والصلوات والنذور التي تُقدَّم للآلهة. اعتقد قدماءُ اليونان بالخُرافات والاختراعات فاخترعوا ” جهنَّم ” وقالوا بعقوبات جهنَّمية بعد الموت.

قال المتنبي:

والأسـى قبـل فُــرْقــــةِ الـروح عجــزٌ       والأســـى لا يكـــون بعــــد الفـــراقِ

وقال إيليا أبو ماضي :

لا خــلــــودَ تحــت السمــاءِ لحـــيٍّ            فــلمــــاذا تُــــــراودُ المستحيــــــلا

وقال أيضاً :

كــم روَّعــــوا بجهنَّــــمٍ أرواحَنــــا            فــتــــألَّــمــــت قبــل أن تتـألَّـمـــــا

ليســـت جهنَّـــمُ غيرَ فكـــرةِ تاجــرٍ          اللّهُ لـــم يخلُــــقْ لنــــــا إلا السمــــا

رفضَ أبيقور فكرة القضاء والقدر. ومن عرفَ مصيرَه وجد الطمأنينةَ والراحةَ.

بعد هذه العُجالة أَودُّ أَن أَختُمَ بكلمة موجزة حول كتاب ” حكماء وفلاسفة من اليونان ” لمؤلفه اندره بركات عقل، الناشر مكتبة ندَّاف ناشرون الطبعة الأولى ۱٦/ ۱/ ۲۰۱۳ التوزيع : ” زحلة الديوان “، إنَّ هذا الكتاب وقد أهداه صاحبه الى أساتذته : الدكتور جبور عبد النور،  الأب ميشال آلار اليسوعي، الأب الدكتور جيمس فينفان اليسوعي، الأب الدكتور جيروم غيث الباسيلي الشويري والشيخ الدكتور صبحي الصالح.

كيف نصنِّف تلميذَ هؤلاءِ الكبار وهو اندره بركات عقل ؟ وماذا نقول بعد أن نقرأَ على الغلاف الأَخير من الكتاب كلمة مكتبة ندَّاف ناشرون بنقاطها السبع التي تلخِّص العناوين الكبرى للكتاب ؟

نصنِّف المؤلِّفَ قائلين : إنه بحقِّ رجلُ علمٍ ومعرفةٍ كيف لا ؟ وهو الذي أَمَّ الكلية الشرقية ومكث فيها ثلاثة عقودٍ ونيِّف وكان رفيقاً لشُعرائها وأعلامها ومُفكِّريها وأَساتذتها الكبار.

إنكبَّ على دراسة سِيَر الفلاسفة والحكماء في اليونان واعتمدَ المنهجية الأكاديمية بأُسلوب سلِس، مُعَبِّراً عن أَفكار نخبةٍ من الحكماء والفلاسفة ومزوِّداً الكتاب بكُلِّ ما أُوتيَ من ثقافة واسعة في هذا المضمار نثراً وشعراً. ألا سلِمَت يداه. وهنيئاً لنا به وبالكتاب.

كلام الصور

1- ريمون قسيس

2-  غلاف  حكماءُ وفلاسفةٌ من اليونان

3- أندره عقل

4-  لوحة تمثل مدرسة  أثينا

اترك رد