السيد الزرقاني
(كاتب وصحافي وشاعر- القاهرة)
- كانت الخطوات اكثرسرعة بين تركيا ورسيا، بعدما ظن البعض انها لن تنتهي الا بالصدام العسكري بين الطرفين. الا ان الرئيس فلاديمير بوتين كان الاسرع في التقاط اعتذار الرئيس التركي اردوغان عن اسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر 2015، وبني عليها النظر في اعادة التواصل مرة اخرى بين الطرفين، في اطار المصالح لكل منهما. فالرئيس التركي حينما اعتذر وتراجع كان يعلم أن مصالحه يجب أن تكون هنا مع روسيا، بعدما اعلنت الدول الاروبية رفضها انضمام تركيا الي الاتحاد الاوروبي، بسبب قضية قبرص، وكذلك ما يرتكبة اردوعان من سياسات لا تتماشى مع الفكر الحقوقي الاوروبي.
-
مافعله اردغان من اعتذار وما قام به بوتين من تراجع ليس جديداً عليهما، فكم من مرة تراجع فيها اردوغان عن مواقفه، وعلاقته بالكيان الصهيوني اكبردليل علي ذلك، كذلك الرئيس الروسي.
وكانت الطمة الكبري عندما تم اغتيال السفير الروسي لدي انقرة، في مشهد درامي امام العالم، وكان المتوقع هو توتر العلاقات مرة اخرى، ولا يجوز التراجع هذه المرة، الا ان الطرفين تعاملا مع الحادث بشكل اكثر برودة، وكان السؤال الذي حير المحللين السياسيين هو هذا التسامح المدهش بين الطرفين ؟؟ إذًا ما الذي يجعلنا نقول عن سياسة تركيا وروسيا إنهما متقاربتان؟ نعم سنقول ذلك إن نظرنا إليها من جانب واحد – وهو مهم – من جانب القضية السورية، فبعد كثير من نقاط الخلاف عن القضية السورية، تأتي المجالس الأخيرة للتوفيق بين المعارضة المسلحة والقائم بأمور النظام السوري، روسيا، كتقارب بينهما بشأن هذه القضية.
وعلى جهة أخرى يجب معرفة أن الفشل الذريع في كثير من محاولات حل الأزمة السورية، على الصعيد الأممي والدولي، قد نقل حل الأزمة السورية إلى مستوى آخر، وهو المستوى الأكثر ضيقًا ضمن دائرة المعارضة المسلحة – روسيا، كطرفين أكثر تماسًا في القضية السورية.
طبيعة الحال الذي نقل (حل الصراع) من “الجبهة الدولية” إلى “الجبهة الإقليمية – الروسية”، مما حدا بتركيا وروسيا أن يظهرا تقاربًا في هذه القضية، وليس تقاربًا في العلاقات العامة بينهما، فهو إذًا تقارب خاص بالشأن السوري؟
ولكن ماذا دفع تركيا للخضوع لمطالب الدب الروسي، والتفكير في اعادة الصياغة السياسية معها، مرة اخرى تأتي الإجابة من خلال خمسة محاور اقتصادية تشغل بال الرئيس التركي، وكلها ترتبط بالجانب الروسي وهي:
1- السياحة
كانت روسيا ثاني أكبر سوق لقطاع السياحة في تركيا بعد ألمانيا. المتوسط التي شيدت على الطراز الروسي تشهد غيابا كبيرا لمرتاديها. لكن بعد إسقاط المقاتلة الروسية، تراجع عدد السائحين الروس القادمين إلى تركيا بنحو 93 في المئة مقارنة بالعام الماضي. وترغب تركيا في استعادة إيراداتها السنوية البالغة ثلاثة مليارات دولار من عائدات السياحة من روسيا وحدها.
2- الغاز الطبيعي
كان تجميد العمل على مشروع “تركستريم”، وهو مشروع لمد خط أنابيب في البحر الأسود لدعم صادرات الغاز الروسي إلى تركيا ضمن الخطوات التي اتخذتها روسيا عقب الأزمة. الطاقة التركية إلى روسيا 16.5 مليار دولار. ويعتبر الغاز الروسي عاملا حيويا لدعم الاقتصاد التركي المتنامي. وتعتمد تركيا على روسيا في أكثر من نصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي المستخدم في التدفئة وتوليد الكهرباء.
3- مجال البناء
وتمثل مشاريع البناء في الخارج أهمية كبرى لتركيا، وتعد روسيا ثاني أكثر الدول أهمية، حيث تفوز فيها الشركات التركية بعطاءات ومناقصات كبيرة. شركات بناء تركية تشرف على مشاريع كبرى في روسيا، من بينها مستشفيات وملاعب رياضية، وطرق سريعة. ضمّت الاستعدادات للألعاب الأولمبية في سوتشي كثيرا من الشركات التركية. وتقدم بطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2018 الوشيكة، التي ستستضيفها روسيا، فرصا جديدة لشركات البناء التركية.
4- التجارة
ألحقت الحرب الكلامية بين البلدين بسبب إسقاط الطائرة الروسية ضرراً بالغاً بقطاع التجارة. تركيا حريصة على رفع الحظر الروسي على المنتجات التركية.
انخفضت الصادرات التركية إلى روسيا في النصف الأول من العام بواقع 737 مليون دولار، بتراجع 60.5 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، طبقا لصحيفة “الصباح” التركية.
وتعد روسيا وجهة تصدير رئيسية لصناعة الغزل والنسيج والفاكهة والخضروات التركية……..بالاضافة الي الصراع السياسي والعسكري في سوريا الذي اثبت ان الدرور الروسي هو اللاعب رقم واحد في انهاء حالة الصراع الدموي علي الارض السورية، مما دفع الرئيس التركي في اعادة نظرة في مسالة الاطاحة بالرئيس بشار الاسد، وبعد الاتفاق الاخير فأصبح مستعدا للجلوس معه علي طاولة حوار واحدة.
اما الجانب الروسي فهو يحمل الكثير من الدوافع التي جعلته اكثر حكمة في رد الفعل تجاه تركيا، وحافظ على تلك العلاقة ليس حبا في تركيا وانما للمصالح التي تتحقق له من وراء تلك العلاقة المرنة وغير المتهورة، رغم المواقف الصادمة، الواحدة تلو الاخري:
اولا القضاء علي عناصر تنظيم الدولة الذي اتى معظمه من الدول التابعة للاتحاد السوفييتي السابق خشية عودتهم، مما يهدد المجتمع الروسي من خلال ارتكاب جرائم ارهابية، بالاضافة إلى إمكانية تكوين حلف سياسي اقليمي ضد الطغيان الامريكي الذي لا يتراجع عن فرض عقوبات اقتصادية وسياسية متتالية ضد روسيا، بالاضافة الي دول الاتحاد الاوروبي التي تسعي للقضاء علي الوجود الروسي في المنطقة، لسعيها إلى تقسيمها في اطار سايكس بيكو جديدة على هوي تلك الدول، مما يحقق مصالح خاصة لها في المستقبل، خصوصا في ظل وجود بعض القادة العرب الداعمين لتلك السياسة الامريكية والاوروبية، خاصة قطر والسعودية.
وقد كشفت عملية تحرير مدينة حلب الاخيرة مدي الدعم القطري والسعودي لتلك التنظيمات الارهابية معللة ذالك بالتصدي للتمدد الشيعي الايراني في العراق وسوريا، الا ان الطرف الايراني اصبح له يد مؤثرة في اللعبة بجانب الرئيس يشار الاسد
- ولذلك كانت روسيا تبحث عن سياسة مرنة مع تركيا بدلا من سياسة المواجهة العسكرية للحفاظ علي التواجد الفعال في قضايا الصراع في المنطقة العربية، في ظل الغياب شبة التام للاطراف العربية، الا من الدور المصري الذي كان طارحا للحل السياسي للقضية السورية منذ البداية، وهو ما لجأت اليه الاطراف المتنازعة بعد الانتصار العسكري والاستراتيجي للجيش السوري في حلب، مما دفعهم إلى الاخذ بالنظرة المصرية للقضية .