مُورِيس وَدِيع النَجَّار
(أديب وشاعر وروائي وقاص وناقد- لبنان)
أَنا هَهُنا… فَمَشاعِرِي وصَفائِي فَرَحٌ يَفِيضُ، بِوَهجِهِ، لَأْلَائِي
فَرَحُ التَّحَدُّثِ في لِقاءِ أَحِبَّةٍ، في كُورَتِي الشَّمَّاءِ والخَضراءِ
وحُبُورُ قَلبِي أَن يَعُودَ إِلى دُنًى كانت مَواسِمَ صَبوَةٍ وعَطاءِ
هي جَنَّتِي، سَكَنَت دَفِيءَ جَوانِحِي، وغَدَت عَزاءَ النَّفسِ في بُرَحائِي
أَنا أَن أَكُونَ لها، وفيها، شادِيًا شَغَفٌ يُدَغدِغُ مُهجَتِي، وحُدائِي
هذي الرُّبُوعُ صَبابَتِي، وهَناءَتِي، وغِنَى يَراعِي، وانبِثاقُ رَجائِي
وتَخَطُّرِي في الحُلْمِ، مُزهَرًّا بها، بَينَ الجُفُونِ، وفي رَخِيمِ غِنائِي
فيها زَرَعتُ معَ الخُطَى شَوقِي، وفي رَحَباتِها خَضَبَ الهُيامُ رُوائِي
أَنا هَهُنا خَضِلَتْ كِمامُ عَواطِفِي، وتَفَتَّحَت بِنَدَى الصِّبا أَهوائِي
ورَمَت فُؤَادِي فِتنَةٌ بِلِحاظِها باتَ الهَوَى دائِي وكانَ دَوائِي
هي كُورَةُ الزَّيتُونِ في خَيراتِهِ مُتَعُ الغَنِيِّ، ولُقمَةُ الفُقَراءِ،
ومَناهِلُ العِلمِ المُشِعِّ، ومَنبِتُ ـــــــــــــــــــــ الفِكرِ المُنِيرِ، وحَلْبَةُ الآراءِ
مِن فَيْحِها الضَّافِي، ومِن أَندائِها، مِن كِبْرِها المُنداحِ في الأَرجاءِ
نَسَلَت ضُلُوعِي دِفئَها، وحَنِينَها، وجَلَوتُ بَدْعَ يَراعَتِي، وإِبائِي!
يا ثانَوِيَّتَنا… أَعُودُ وقَلبِيَ الذَّاوِي ـــــــــــــــــــــ يُصَفِّقُ، والهَوَى بِدِمائِي
هانِي أَطِيرُ على جَناحِكِ بَعدَ أَن غَمَرَ الجَوَى صَدرِي، وطالَ تَنائِي
هل تَعلَمِينَ بِأَنَّ طَيفَكِ إِلْفُنا في الضَّرِّ، إِن عَبَسَت، وفي السَّرَّاءِ
دارِي… تُراكِ رَعَيتِ ذِكرِي، أَم أَنا نَسْيٌ بُعَيْدَ تَواتُرِ الأَسماءِ؟!
هل تَذكُرُ الأَلواحُ طَبشُورِي؟! وهل حَفِظَت كَوائِرُها وَفِيرَ سَخائِي؟!
ذا الصَّرحُ كم فيهِ نَشَرتُ حَذاقَتِي، كم في احتِضانِ اليَفْعِ طابَ لِقائِي
كم في مَدارِجِهِ جَرَى خَطْوِي، وكم أَرسَلتُ، في أَلَقِ الصَّباحِ نِدائِي
الله! كم مَرَّت عُهُودٌ بَينَنا… غَبَرَ الرَّبِيعُ، ولاحَ شَجْوُ شِتائِي!
هذِي الوُجُوهُ النَّيِّراتُ أَمامَنا خَطَّت نَجاحَ مَسِيرَةٍ، وعَناءِ
هِيَ مِن بَنانِ مُعَلِّمِينَ تَآكَلَت ـــــــــــــــــــــ أَحداقُهُم فَغَدَت نُثارَ ضِياءِ
طُلَّابَنا… يا مَن أَنَرتُم أَسوَدَ ــــــــــــــــــــ الحَلَكاتِ في وَطَنٍ طَوِيلِ بَلاءِ
أَنتُم قَنادِيٌل تَبارَكَ زَيتُها مِن زَيتِ أَخضَرِ هذهِ الأَنحاءِ
أَنَظَلُّ في وَطَنٍ يَرَى أَبناؤُهُ أَنَّ السُّكُوتَ فَضِيلَةُ الأَبناءِ؟!
وَطَنٍ تَناتَشُهُ الرُّعاةُ، فَحَسرَتا أَن يُصبِحَ الرَّاعِي مِن الأَعداءِ!
لا لن يُضَلِّلَنَا الخِداعُ، وإِنَّنا ـــــــــــــــــــــ الحَسناءُ لن تَرضَى بِفَرْطِ ثَناءِ(1)
ما لي بِهذِي النَّارِ أَفتَحُ ثَغرَها، وأَنا هُنا في هَدأَةِ الأَفياءِ
أَنا في رِحابِ الذِّكرَياتِ، أَعِيشُها طِفلًا يَطِيرُ بِحُلْمِهِ الوَضَّاءِ
أَميُونُ… يا مَهْدَ الصِّبا، ورَبابَهُ، كم في رِحابِكِ طابَ شَوقُ صَبائِي
ولكم حَضَنتِ شَبابَنا، فَهُنا لنا صَحْبٌ، وأَحبابٌ، وأَهلُ وَفاءِ
ها جِئتُ تَكسُونِي الهُمُومُ. فَمُذْ أَنا في رَبْعِكِ المُخضَلِّ، شَعَّ بَهائِي
وتَزاحَمَت فِيَّ المُنَى، وَهَّاجَةً، وغَدا عَبِيرُ الذِّكرَياتِ رِدائِي
يا جارَةَ الأَرضِ الَّتِي مِن ضَرْعِها نَهِلَت مَباسِمُنا سَنا الأَضواءِ
تَبقَينَ، في حَلَكاتِنا، ذُخْرًا لنا، وعلى المَدَى تَوَّاقَةً لِعَلاءِ!
(1): في هذا البَيتِ نَظَرٌ إِلى بَيتِ أَمِيرِ الشُّعَراءِ أَحمَد شَوقِي:
خَدَعُوها بِقَولِهِم حَسناءُ والغَوانِي يَغُرُّهُنَّ الثَّناءُ
(*)أُلقِيَت، فِي أَميُون الكُورَة، قَاعَة القِدِّيسَة مَارِينَا، لِمُنَاسَبَةِ تَخَرُّجِ طُلاَّبِ الصُّفُوفِ النِّهَائِيَّةِ فِي ثَانَوِيَّةِ أَميُون الرَّسمِيَّةِ، الَّتي كانَ لِي فِيها عَهْدٌ دَفِيءٌ مِن التَّعلِيم)