إيلي مارون خليل
(أديب وروائي وقاص وشاعر- لبنان)
عندما تكون عاشقًا شَغِفًا صادقَ العاطفة، قويَّها، عميقَها، غنيَّها، خصبَها… تحسب، بجِدّيّةٍ وعفويّة وبساطة، أنّ مَن تُحِبّ، يبادلك الشّعورَ نفسَه، بالقوّة عينِها، والعمقِ والغنى والخصب… تفرح، بل تسعد، تُحسُّ بنشوة الاكتفاء… وتسترسل لَذاذاتٍ وأحلامًا وأمنيات!
وعندما تكون هذه حالتُك، تحياها من دون تفكيرٍ في حالة “الحبيب”، لئلّا تنحرفَ إلى المحاسَبة! فالعاشقُ، أنتَ، مستغرقٌ في عشقك: موضوعًا وصفةً، حالٌّ في “الحبيب”، فائضٌ عليه وفيه ومنه وبه وإليه! هو حُبُّكَ الحقيقيُّ الفائقُ الإخلاص الأبديّ!
وعلى غفلة، منك، غيرِ مقصودة، ومن دون انتباهٍ، ينتابك شعورٌ بالكآبة. تبدو لنفسك مُكَبَّلًا بالغصص الخانق، يكاد يمنع الهواءَ عنك، ومعه ارتعاشة الحبّ/الحياة!
لكنّك، وعلى الرّغم من صدق إحساسك، لا تصدّق. تشاء ألّا تصدّق. تكذّب إحساسك. تريد ألّا يكون صادقًا! فأنت تؤمن بـ”الحبيب”! تؤمن بأنّه يحبّك، تمامًا، تمامًا، كما تحبّه أنت… صدقًا وقوّة وعمقًا وغِنًى وخصوبة…
ويأتي زمنٌ تشعر فيه بأنّ هذا الإحساس الّذي ترفض، بدأ يُلِحّ، صادقًا، قويًّا، عميقًا، غنيًّا، خصبًا… تنتبه: ألشّكّ يُلمَس، وحقيقيًّا يكون! وتحزن، أنت، تشرق نفسُك بالبكاء الفجائعيّ! ووحيدًا تبقى! يرتديك حزنٌ عاصفٌ صارخ جارح، كخِنجر مسموم يُغرَز في قلبك، يحزّ فيك، كيانًا حسّيًّا ووِجدانًا، يعمّق جراحَك، لا يعود لها قرار…
فتتأكّلُك الوحدةُ الّلابستْكَ بكثافةٍ حديديّة، تضيّق عليك، كأن ترغب تقضي عليك، وكلّيًّا! ومن شرفة وحدتك، تُطلّ على زمانك… في “الحبّ”… وتكرج المشاهد، أمامك، مُسَربَلةً بالأعذب الأحَبّ من الذّكريات!
ألّلحظةُ الأولى؟ هاتفٌ منها، عَبْرَه، سعيدةً، تبوح! تُشعِرُك بأنّك “أُمّةُ” الحبّ! ألثّانية؟ معًا في مناسبة، فمشوار ثلجيّ يمرّ بحريصا وتسمع، وأنتما تخرجان من المعبد: “الآن شعرتُ بأنّي تزوّجتُك!” فتحلّق! ألثّالثة؟ مبادرةٌ، منها، في مكتبها، جريئة! تُبارِك! ألرّابعة؟ طريق الدّير، ذات ليل، وتَذَوُّق ما لا يُصَدَّق! لكنّه حصل! فتسمو! تَصِلُكَ الصَّلاةُ بالسَّماء! فأيّام وأفعال تشهد، كلُّها، بالنّسبة إليكَ، على الحبّ النّافذ، الخارق، على الحبّ كلّه! فترتقي!
وتستمرّ المشاهد والذّكريات، وكلُّها جميلٌ، وكلُّها صادقٌ، وكلُّها تُجَنّان بها، وإليها تشتاقان وتحنّان!.. فأنتما، معًا، “أُمّةُ” الحبّ العجائبيّ!
إلّا أنّك، ذات يوم، ذات لحظة، ذات نبضة، تشعر بضرورة أن تُجري كَشْفًا دقيقًا، أن تُحاسِب… ألسّبب؟ أنّ تَنازلاتِك باتت بغير حدود! حتّى لَكأنّك تنازلْتَ عمّا يجب ألّا…
كرامتك!
وبفجائعيّة فاجعة تتساءل: أيُعقَل أن يكون “الحبيبُ” يحبّني أكون بلا كرامة!؟
ولأنّك تحبّ بشوق مجنون، ولهفة مفترسة، وشغف بلا آفاق… لا تركّز إلّا في واحدة:”لا تُرسِلْ أيَّ كلمة، أيّ صورة، أيّ شيء! خَطّي مُراقَب! حتّى أتدبّر رقمًا آخر!”
وتكون على جمر، وفيه، أيّامًا، ولا تصل إليك إشارة! فيمَ تفكّر!؟ آ!؟ فيمَ يجب أن تفكّر!؟ ماذا عليك أن تفعل!؟ كيف عليك أن تتصرّف!؟ ماذا تقول لنفسك!؟ ألا تقرّرُ نَحْرَ ذاتِك!؟ خصوصًا أنّك تُصبِحُ تشعرُ بأنّ “الآخر” الّذي “تعبد”، لم يعد معك، ولا إليك! على الرّغم من كونك مُثَبِّتَه فيك!!؟
تضجُّ ذاكرتُك بكَ، وتستفيقُ!
ألسّبت 11 حزيران 2016
(لحظة اختناق)