أمثل إسماعيل مجنون ليلى النثر

شوقي أبي شقرا

(شاعر- لبنان)

إنه أمثل إسماعيل يبدو شاعراً صفاته ابتداع ورؤى وله موسيقاه وكلماته ونصوص مروضة. والروضة عنده تامة الأغصان حتى وهي مختلفة ومتصادمة. وهو كأنه القطار لكنه حنون ولا صوت له سوى الصفارة كلما زها وابتكر. يطلّع الصدى وهذا ليدل على العافية الفنية، هي الشال وهي القماشة يلف بها قصائده السكرى والمتماوجة. ولا بدٓ من خمر له، وعنده منها خابية بل وأكثر واحلى ولا تقع في الإطار الناشف، بل تجلس على القلم، على المخيلة، على ذكريات وعلى إيحاءات قلما يبصرها آخرون.

وهؤلاء من الذين يأخذهم الهوس فوراً وقدماً. والى أين؟ الى المكان الناشف وحيث الفراغ يغري مَن في عاداته أن يظن السراب أنه واحة وظلال ومياه تسقسق في التراب وفي الجوانب والجنبات. لكنها، عند الإقتراب من عناصرها الخفية او الظاهرة، ينبت البطلان والخرافة. ولدى أمثل التدقيق للمعرفة كيف هو السبك وكيف هو المعنى وكيف هو الشاعر وماذا يفعل ليكون في الضوء الخلاّق وفي بيت النجاة من الخطل ومن الخوف الذي يقود الى مثله. كما الى خسارة وانكفاء دون الوصول الى حيّز القطاف، من لا شيء والى أي جهة هو يظعن ويظل يحترم صواب الرحلة وصواب الوقوع على أي معدن وعلى أي حق من الحقوق المستطابة وألوان الحقيقة.

ولدى أمثل ما يدعى أنه يملك شغف القول ولوعة الكتابة إلى عدم قبوله أن يكون واقفاً على الأطلال، بل ربما يتخذ دوراً في نتاجه، في ديوانيه “قلب في أجساد عدة”، و”الحياة وما يشبهها”، عن “دار نلسن”، دوراً من الدروشة ومن فكر الدرويش الى إنطباع هذا وذاك، والى دور أقوى من المألوف. وربما من أجل الهدف ومن أجل الدخول الى ايوان الشعراء في بلادنا، اختار الأصعب والأشد نضارة وانفتاحاً. ولذلك يعمد الى الصف وأن يجعل السمكة قرب السمكة، أو يجعل هذه وغيرها في مُصفّ نفسه، مُصفّ ذاته، مُصفّ إقتداره على اللعب على أن تكون اللعبة كاملة، في حداثة شاملة. وفي أن عليه أن يخربط البيادق، وأن يكون ذلك الفاتح حتى في الأدق من الأدوات. وبين هذا وذاك هو مجنون ليلى النثر المنطوي على كيانه وعلى شراعه، والمنضوي الى ان يكون في طريقه ذلك المقدام، وهو لن يتأخر عن الركب وعن سائر القوم وكيف يصنعون وماذا يصنعون.

غلاف الكتاب

وأمثل لا شك أنه في الوعي التام وفي الدوار أيضاً. ولا يكذب بل أنه عَصبيّ وغزير الإمساك والصقل لما بين يديه من مادة ولدت خلال العمل وخلال اليقظة. ويكاد يكون في جنينة الهلوسة أو في سياق العنف اللفظي وحيث الألفاظ مربوطة واحدة إلى واحدة، بأنامل تتقن كيف يكون الثوب وكيف أنه يداعب جداً ما يملك صنيعه من الفتنة ومن الضرب على آلة الحياة. ويعكف دائماً على تقديم الذبيحة، حتى على حراب البلاغة. ولا يترك غيره في الحيرة، لأنه ليس هو على شاكلة غيره، وإنما ينبعث من لغته ضوء ينفرد وأصالة تنفرد، ويسبق الذين يؤلفون، الى نمط خاص به، ولا التفاتة نحو ما يكون من تجارب لدى الصحب او لدى الذين في المعترك، وفي عذاب القصيدة الجديدة.

ويبقى أن أمثل جديد بين الشعراء الجدد. وأنه يطحن قمح التعابير وقمح الجملة ضدهم وعلى العكس. وكأنما هي التجربة عنده يفوز بها، وبأنها على الصراط، على ميزان الحرص على أن تكون ناجحة، وأن تضيف الى ما هناك من ممتلكات ومن تطورات، مقعداً له ينهض على الكلام وهو بين بين، أي يكسر القواعد ومن الحطام يبني ما يبني من الأشكال ومن أفراح وأتراح ومن عشق بين العامية والفصحى. ولا يدع أمثل مغزلة يرتاح.

وهل يكون أمثل هو الزينة أيضاً في الشجرة حيث عصافير قبله وبعده، وحيث عليه أن يسكب وأن يكون في منزلة الساقي. وهل يكون في الداخل، وفي طقس الذين أتوا الى الشعر الحديث وهم في أزياء وفي معان متغيرة ونابضة.

إن أمثل يدرك الأمر وكيف يكون الغد، وكيف هو يظلّ الصبّ والذي يقبل على ما يصاغ وما هي المهنة في حدها الملتصق بها. يقبل وبه إنتعاش وله أسلوب في السبك وفي أن يقود السطر والمقطع والكلام الى النهاية الجلّى أو الى الخدر والى الفصاحة. وهذه كأنها قيد طاعته وقيد نظرته وقيد الصلة المتينة بينه وبين الرفاق وفي صلب المعمعة. وانه لكذلك له المنصة وكلّ السعادة النابعة من موهبته البرّاقة.

*****

(*) النهار 3- فبراير- 2017

اترك رد