«آلهة من زجاج» للروائية الجزائرية حسيبة طاهر… صراع بين الإنسان وذاته

أصدرت الروائية الجزائرية حسيبة طاهر روايتها الجديدة «آلهة من زجاج» (دار النخبة للطباعة والنشر والتوزيع)، التي ترصد فيها أحوال المرأة- الضحية التي يحكم عليها المجتمع لمجرد أنها تعرضت لظروف لم يكن لها يد فيها، وهي بمثابة تكملة لرواية «بعث المومياء» التي ترصد فيها وقوع المرأة ضحية العرف والتقاليد وما يترتب عن ذلك من قهر وألم واكتئاب.

«آلهة من زجاج» رواية تغوص في أعماق المجتمع العربي عموماً والجزائري خصوصاً. تنتقد الأعراف البالية… التابوهات… العنف ضد المرأة… أزمة العنوسة… النفاق الاجتماعي والخرافات المسيطرة على العقل العربي.

كذلك تسلط الضوء على السلطة الاجتماعية الطاغية التي تمتاز بقوة خارقة تنافس الدين والقانون، بل تتفوق عليهما حتى غدت ديناً موازياً خصوصاً عند البسطاء والمهمشين الذين لا يفرقون بين طقس ديني وآخر خرافي.

كذلك تغوص الرواية في أعماق النفس البشرية والصراعات والتناقضات التي تسيطر عليها. تحمل القارئ إلى قلب الحدث… تقاسم شخوصها الألم والأمل وتعكس صراعاً داخلياً بين الإنسان وذاته، بينه وبين بيئته، بينه وبين ماضيه.

تأخذ الرواية القارئ على جناح اليقين ليلمس عمق الجرح ويصبح الشاهد على مأساة امرأة تعرضت لما يشبه الاغتصاب ثم دفعت وحدها الثمن، وقد رصدت المؤلفة التفاصيل النفسية للشخصيات التي عاشت تحت وطاة القهر المجتمعي كأنها عايشت معهن التجربة وقاسمتهن المعاناة.

«بعث المومياء»

كانت الروائية أصدرت سابقاً رواية «بعث المومياء» التي تصوِّر على غرار «آلهة من زجاج» القهر الذي يرافق المرأة منذ أن تظهر عليها علامات الأنوثة، ومنذ بداية تفتحها على الحياة، فتطبع عالمها بعلامات سوداء وبخيبات تدفعها إما إلى الاستسلام وإما إلى التمرد والثورة.

تتمحور الرواية حول فردوس، فتاة متفوقة في دراستها يقرر والدها إرسالها إلى كندا لإكمال تخصصها هناك، مكافأة لها وتحقيقاً لحلمها الذي في الحقيقة كان حلمه، وهو أن تعوّضه النقص الذي يعانيه نتيجة لعدم إنجابه ولداً ذكراً وكي تصبح ناجحة كعمها، ولكن شرطه أن تقيم في بيت عمها. إلا أن الظروف اضطرتها إلى المكوث في شقة مشتركة مع الطلبة المغتربين، بسبب سوء معاملة زوجة عمها لها. من هذه الشقة بالذات تبدأ رحلة العذاب التي كلفت فردوس محاولات انتحار ووقوع فريسة الكآبة… نتيجة للظروف التي تضطرها إلى ترك الدراسة والعمل كمربية إرضاء للشاب الذي أغرمت به عن طريق شريكتها في الشقة، وزواجها منه عرفياً، إلا أنه ما لبث أن هجرها وأخذ الثروة التي جمعاها سوياً، وتركها مشردة وفريسة اكتئاب حاد. وبعد تلقي العلاج في المستشفى تخرج إلى الحياة مجدداً فتواجه ظروفاً أشد قسوة، من اختلاف الدين والمعتقد الذي حال دون زواجها الثاني إلى حادث تحطم طائرة حال دون زواجها الثالث إلى سلسلة من الصدمات دفعتها إلى العودة إلى قريتها الريفية الصغيرة بمصر محملة بهموم وذاكرة مكتظة بالأحزان. لكنها لم تسلم من مضايقات مجتمعها الصغير، فتستسلم في النهاية وتتزوج ابن عمها عقاباً لنفسها أو خنوعاً للقدر .

سوء معاملة زوجها مغاوري لها من شتم وضرب ودكتاتورية وتحكم واستعباد أوصلها إلى الانفجار، فثارت وتمردت على كل شيء: دين، عرف وتقاليد، وفرت من البلد بأسره وقررت ألا تعود حتى لو جثة هامدة بل ستوصي بأن تحرق وتتحول إلى رماد على أن تعود لتدفن في مسقط إنسانيتها.

وفي طائرة العودة إلى كندا تلتقي فردوس زميلا قديماً فيدور بينهما الحوار التالي كآخر لقطة في الرواية :

كانت في نفس الطائرة على نفس الكرسي… هل هي المصادفة؟ أم القدر قد حجز لها هذا المقعد منذ الأزل في اللوح المحفوظ كما حدد خط سيرها وخّطط لمطبّاتها و…؟

خفض الجريدة وقال :

من؟ المومياااااااء؟

نظرت إليه باستغراب ودهشة، لكن هذا الوجه الوسيم والجلسة الوقورة توحي لها بشيء ما… ثم ما فتئت أن عرفته زميلها في الابتدائي أسامة الذي سافر إلى القاهرة وأصبح صحافياً، طالما مثلا معاً مسرحية المومياء أثناء المدرسة.

قالت: المومياء تمرّدت، لم تعد بحاجة إلى كهان أو عشّاق أو حرّاس… المومياء ستُبعثُ… ستبعث… ستعيش… ألم تحنّط على أمل أن تبعث فيها الحياة من جديد يوماً ما… ها قد آن أوان بعثها… ستبعث… ستبعث… وأنفجرت باكية… ثم مسحت الدموع ورفعت رأسها بكبرياء وثقة إلى الأعلى وأعلى… كما كانت الطائرة ترتفع إلى الأعلى، ضاربة بقوة الجاذبية عرض الماضي الغابر في أدغال التاريخ، ولم تدرِ مصدر تلك القوة والطاقة… أكيد جدّها الفرعون الأعظم قد باركها أخيراً… ومنحها قدرة خارقة لإخضاع «تشي» لإرادتها… كما يخضع العلم قوانين الطبيعة لإرادته.

للأديبة حسيبة طاهر مجموعة من المؤلفات من بينها: «لعنة الفرعون» (رواية)، «بحيرة الرب» (مجموعة قصصية)، «تراتيل سيدة العشق» (شعر وخواطر).

*****

(*) جريدة الجريدة 

اترك رد