حسيبة طاهر
(أديبة جزائرية مقيمة في كندا)
نظرت الموظفة إليَّ باستغراب لأن الاسم بدا لها غريباً بالنسبة إلى فتاة لم تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها .
قالت مؤكدة: الحادة أليس كذلك ؟؟
احمرت وجنتاي العذروتان وقلت بصوت مزيج بين حزن غائر وانكسارحاضر:أجل يا سيدتيالحادة.
ثم رحت استذكر كل ما سرد على مسمعي حتى ثقّله من دراما عائلتي التي قد يجد فيها غيري طرافة وكوميديا ..
أمي التي أنجبت أربع بنات رائعات * أمال ،هدى ، نسرين و مايا * من يعرف أسماء أخواتي سيزداد غرابة من إسمي، و كانت أمي المسكينة كل مرة تغضب وتحبط أبي وجدتي المنتظرين الولد وعندما حبلت بي ، قالت لها جدتي:هذه المرة لو أنجبت بنتا أخرى ستسمينها الحادة.
شهقت أمي
أجل الحادة، قالت جدتي، كي تكون حدا لخلفة البنات، سئمنا مللنا منك ومن البنات .
قالت أمي: لكن الأمر بيد الله ولا لي دخل لي ولا للإسم، زد على ذلك الرجل هو المسؤول عن جنس المولود ….
صرخت جدتي مهتاجة: أنا لا أفهم في حديث الـ (x وy) هذا، وهذا كلام مبتدع ومن علامات الساعة أن يصبح الرجل هوالمسؤول، والاسم فأل خير أو شر، انظري إلى زوجة جارنا محمود، امرأة حادقة وفطنة سمت إبنها الأول رابح والثاني غني والتوأم الأخير سعيد ومسعود …، فإن جئتنا ببنت أخرى سمها الحادة أجل الحادة عساها تكون حدا للبنات …
وجئت للحياة وسموني الحادة … لكنني لم أكن حدًا، فقد أنجبت أمي فتاة أخرى أسموها * ختيمة * حتى تكون خاتمة الأحزان، لكنها كانت بدايتها، إذ تزوج أبي امرأة أخرى وطلبت أمي الطلاق …. لكن تحت ظغوطنا من بكاء ورجاء وإضراب عن الطعام وتدهور علاماتنا المدرسية عادت أمي إلى بيت الزوجية وعشنا جحيما من صراعات ومشاكل …. وازداد الجو تعفنا وكآبة بإنجاب زوجة أبي الجديدة لتوأم بنات لمرتين متتاليتين، فكانت صاعقة حقيقية، دموع جدتي لم تجفّ وهي تنوح و تشكي همها لصورة جدي المؤطرة بالأسود ، أما أبي فلم يعد يأكل ولا يحلق …، و أمي الحامل للمرة السادسة تحاول جهدها التخلص من حملها كأنه ابن حرام …وفي إحدى الأمسيات حمل أبي نفسه واتجه لبيت جارنا صديق طفولته وعمره .
استقبله صاحبه مسروراً كعادته وبعد الترحيب جلسا يرتشفان قهوة …قال أبي: جئتك في طلب لن أطلبه من سواك … لأنك صديق عمري وأعز من أخي الذي لم يرزقه والدايّ .
قال عمي محمود: تفضل أنت تعلم معزتك عندي .
قال أبي: أعرني زوجتك .
قال العم محمود : لا مانع عندي، أعلم أن زوجتك الكبرى حامل والصغرى تركت بناتها وغضبت عند أهلها من يوم صفعتها لإنجابها البنات … وأمك مريضة … سأكلف زوجتي بالذهاب يومياً ومساعدة أهل بيتك لأن تلد زوجتك…
تنحنح أبي وقال : ليس هذا ماقصدته، أنا أريد ولدا، ولدا واحدا لا غير…. لذلك طلق زوجتك وزوجها لي… تنجب لي الولد وأطلقها وأعيدها لك ….
فغر العم محمود فاه وشخصت عيناه وقال : آه ؟؟ ماذا ؟؟ هل جننت ؟؟ بلى بلى …جننت …
قال أبي : والله أنا في كامل قواي العقلية ولم أكن جاداً في حياتي كما أنا في هذه اللحظة .
قال العم محمود : حاضر سأدخل لاستشيرها وأعود …
عاد يحمل بندقية صيده وأطلق رصاصة على أبي .
كان أبي في المستشفى ذلك اليوم الذي أخرج فيه من العناية المركزة وسمح لنا بزيارته ، وعلمنا أن الخطر ليس من الرصاصة، وإنما أزمة قلبية حادة أصابته نتيجة الصدمة والخوف الحاد ، ويجب أن نكون حذرين جدا لأنه لوتعرض لصدمة أوهلع مرة أخرى سيموت ….
لم يكد الطبيب ينتهي من الشرح حول الحالة الصحية لأبي حتى دخلت علينا جدتي من أمي تهلل وتزغرد معلنة أن أمي قد أنجبت ولدا أسمته خليفة ، شخصت عينا أبي وخرج الزبد من فمه وتجمدت عضلاته للأبد.