الإرهاب المسكوت عنه

د. ناتالي الخوري غريب

 (أديبة وباحثة- لبنان )

أيكون الصمت أمام كلّ فاجعة هو الحلّ الأمثل؟ أم تراه سكونًا سالبا يضيف إلى الفاجعة ذنب الاشتراك؟

أيكون الاعتراض والصراخ تفريغًا عاطفيًّا لانفعال يخبو سريعًا مع الزمن؟ أم تراه واجبًا يجب أن يُؤدّى؟

وما ينفع كلامنا إلّم يكن ثّمة من يصغي من أهل المسؤولية؟

وما ينفع سكوتنا إن  كان مرادفًا لكلامنا؟

هل لتعاطفنا وتضامننا من معنى؟ بماذا يخدم الضحايا وقد صاروا في عالم أرحب وأسمى؟! وبماذ يخدم أهلهم وأخوانهم وأحباءهم وقد وقع الفراق الأبدي؟!

الارهابي أبو مسلم الخراساني مع ولديه، قبيل ارتكابه المجزرة في ملهى رينا على البوسفور ليلة رأس السنة

يوجعني وجع الإنسان كائنًا من كان، طفلا أم عجوزا أم شابًا، وتؤلمني  مصائبه أكان لبنانيا أم سوريا أم يمنيا أم عراقيا أم اردنيا أم سعوديا أم فرنسيا أم المانيا أم…

فالإنسان هو الإنسان، بغضّ النظر عن جنسيّته وجنسه وعرقه ودينه وكل ما تحدّده الحواجز الجغرافيّة التي سيّج بها البشر أسورًا عالية من المصالح والغايات أعاقت مرور المحبّة.

وجع إنسان واحد يكفي ليجعله وجعًا كونيًّا نتشارك به جميعًا، ولكن، لم هذه المتاجرة بمواجع الناس؟!

قد لا نشكّل -في مآسينا ودموعنا- بالنسبة إلى بعض وسائل الإعلام، أكثر من مادة يملأون بها هواءهم وخواءهم، وعددًا يضيف إلى رصيدهم  نسبة المشاهدة.

الإرهابي أبو مسلم الخراساني لحظة إقتحامه الملهى في إسطنبول

قد لا نشكّل-كمواطنين- بالنسبة إلى بعض المسؤولين، أكثر من طرف يؤيّد، ليشمتوا من الطرف المعارض، وتصوير الرأي العام إلى جانبهم. والاعلام يتكفّل بذلك.

متى يدرك هذا الإعلام أنّ للحزن حميميّة خاصّة مع صاحبه، لا يجوز لأيّ كان خرقها إلا بإذن منه هو؟  فدور الإعلام إعلامٌ وإخبار وإبلاغ، وليس كتابة سيناريوهات وتظهير المأساة كفيلم سينمائي.

بالاعتراف بالآخر واحترام حقّه، نحارب الإرهاب في عديد تجلّياته، لأنّه ليس محصورًا في صور الدم والقتل والتهجير والتحريض…

يتجلّى الإرهاب في فوضانا التي لا تحترم أدنى حدود التعاطي الحضاري فيما بيننا، لنأخذ مثالا على ذلك فوضانا في بعض المطارات، والتقاتل المقيت على أسبقيّة المرور على الطرقات، والاستعداد الدائم لخلق المشاكل والشتم والكلام البذيء عند أوّل فرصة.

جانب من الابرياء الذين سقطوا في ملهى رينا ضحية الإرهاب “الداعشي”

نزعة التشاطر والتذاكي والتعاطي الفوقي مع الآخرين، وكأنّهم خلقوا لخدمتنا.

لغة النقمة والحقد في التعبير عن مواقفنا، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يكفي أن نقرأ تعليقات بعضهم على خبر ما، لنلحظ منسوب الإرهاب في التخاطب، تهديدا وتقريعا وتكفيرًا وإلغاء وشتما وو…

التعامل مع الآخر على أنّه وسيلة أو سلّم أو وحل-عدد في سبيل الوصول الى غاياتنا.

لا يحارب الإرهاب بالإرهاب، وزرع الفتنة واستغلاله في سبيل تدعيم موقف وزعامة ومنصب… لعبة الكبار لن نستطيع ايقافها، لكن بما لدينا قدرات متواضعة، يمكن ان يحارب الإرهاب بحبر الأخوّة والمحبّة، بالحوار المبني على احترام لا استثناءات لخرقه، يحارب بلغة السلام والعدالة، يحارب بتنقية الذاكرة من شوائب تحريض الكبار، والحقد المعشعش في نفوسهم، يحارب الاٍرهاب بإعلام احترافي نظيف، لا يخضع الا لضميره، ليس كلاما طوباويًّا ما أقول، يكفي أن نبدأ من هنا، ليكون كلامنا مقرونًا بفاعليّة المحبّة، بنشر ضرورة الاختلاف والتعددية في الرأي والثقافة والفكر والدين والسياسة والمواقف، لأنّها تفضي إلى التطوّر، إذ لا ارتقاء من دونها.

فالمطلوب منّا جميعًا، أمر واحد فقط، ألا نتخلّى عن إنسانيّتنا،  لنحترم الإنسان في الآخرين… فهل هذا كثير؟

ملهى رينا على البوسفور

 

 

اترك رد