تحقيق: فاديا دعبول
(الوكالة الوطنية للإعلام)
تحولت جبال الكورة الخضراء من واحة غناء الى جبال شبه جرداء بفضل المقالع والكسارات ومعامل الاسمنت التي اجتاحت القضاء ولم يأبه اصحابها لتشويه الطبيعة وللاضرار الفادحة الناتجة عنها في البيئة والصحة.
فحتى اليوم ، لم تنجح اي محاولة، ليس لوقف العمل في مصانع الاسمنت ومقالعها وكساراتها بل، في الحد الادنى، الزام هذه المعامل التقيد بالقوانين والانظمة والمعايير البيئية، لحماية طبيعة الكورة الخضراء، بجبالها ووديانها من الزوال، ولتجنب المزيد من الضحايا بالامراض السرطانية.
مجلس الانماء والاعمار عمل مع التنظيم المدني على دراسة ترتيب استعمال الاراضي في الجمهورية اللبنانية، بحيث حدد موقعا واحدا للكسارات في الجبال الشرقية، ومنع وفق دراسة التنظيم المدني اقامة الكسارات والمقالع في الكورة نظرا لتنوعها البيولوجي، وبشكل خاص المنطقة المطلة على البحر من رأس الشقعة الى القلمون. كما ان المرسوم 16456 الخاص بالمقالع والكسارات تم اعتماده بناء على الدراسة المذكورة اعلاه بمشاركة فعالة من المديرية العامة لتنظيم المدني.
الا ان جبال كفرحزير تحولت لمقالع رغم تصنيفها مناطق سكنية، وحمايتها قانونيا بمرسومين، “مرسوم التنظيم المدني لمنطقة كفرحزير” الصادر عام 1970 والمرسوم الخاص ب”انشاء المقالع والكسارات” رقم 16456 للعام 2006. اما قرى برغون وبدبهون وزكرون وفيع وقلحات وعفصديق فلم يشملهم مرسوم تنظيمي سابق، لذلك تم تنظيمهم بموجب قرارات ال 2011. وهي التي تشير اليها “شركة الترابة الوطنية” في الدعوى المرفوعة من قبلها امام مجلس شورى الدولة للمطالبة باعادة العمل بقرار صدر عام 1997، ما يمنحها الصلاحية، لمدة عشر سنوات، باستخدام عقاراتها كمقلع، على ان تتقدم بالخرائط والدراسات اللازمة ودفع ما يقارب الدولار عن كل متر حفر للدولة لاعادة تأهيل المقلع وتشجيره.
وفي حين مضت عشر سنوات، الا ان الشركة لم تبادر الى تأهيل المقلع او دفع مبلغ يفوق 20 مليون دولار لوزارة البيئة لانجاز عملية التأهيل عوضا عنها، او تقديم دراسات، بل تصر على تمديد عملها بموجب القرار الصادر في العام 1997، حيث يمنعها المرسوم 16456 من التطلع لاصدار قرار يخالفه، وهو ما يجعل القرار عرضة للطعن من الجمعيات البيئية واتحاد البلديات. اذ انه من غير القانوني الغاء مرسوم بموجب قرار. هذا وقد اصدر مجلس شورى الدولة، منذ ستة اشهر، قرارا اعداديا لجهة “منع شركة الترابة من استثمار عقاراتها كمقلع”، ثم ما لبث منذ شهرين ان أصدر قرارا مخالفا، معتبرا فيه ان “من يمثل أهالي برغون وبدبهون هو هيئة القضايا في وزارة العدل وليس اهلها او اتحاد بلديات الكورة، وان عدم جواب هيئة القضايا على خطاب مجلس الشورى بمثابة الموافقة”. فيما تم الاخذ في العام 2011 برأي المخاتير، حيث لا توجد بلديات، لتصنيفها الاراضي زراعية.
وقد ركزت شركة الترابة في استدعائها على ان “العقارات التي تملكها في هذه المنطقة منذ اكثر من 50 سنة كانت من أجل توفر المواد الاولية الضرورية والاساسية لانتاج الاسمنت في مصنعها في شكا”، معتبرة قرار المجلس الاعلى للتنظيم المدني ب”اعتماد التصميم التوجيهي والنظام التفصيلي العام لمنطقتي برغون وبدبهون، المانع لاقامة الكسارات، يعيق استثمار عقاراتها ويلحق بها الضرر الجسيم”.
وتجاه اصرار الشركات على رفع عامل الاستثمار في المناطق التي تملك فيها عقارات، تقدم الاتحاد والمعنيون في بلدات زكرون وبرغون وبدبهون وقلحات باعتراضات على “اعادة تصنيف الاراضي الملحوظة زراعية او حرجية او حماية بهدف الحفاظ عليها”. كما توجه الاتحاد بكتاب اعتراض الى وزير الاشغال العامة والنقل في موضوع اعادة تصنيف الاراضي في بدبهون وزكرون وزيادة عامل الاستثمار.
كما طالب رئيس جمعية “وصية الارض” المهندس فارس ناصيف الشركات بعدم متابعة عملها بهذا الشكل، وناشد “النواب والاحزاب بعدم التجاهل، حتى لا يتم القضاء نهائيا على الكورة واهلها”. ورفع الصوت عاليا باسم الابناء ممن فقدوا اهلهم بسبب السرطان، والاهل الذين فقدوا ابناءهم به او انتقلوا بسكنهم الى المناطق الجبلية هربا من امراض الربو والتلوث الهوائي، “لانقاذ الكورة بعد ان وصلت نسبة الوفيات بالامراض السرطانية فيها الى 52 في المئة وما فوق وهي الاعلى عالميا”.
واكد ان موضوع الشركات “لم يعد تقنيا وعلميا، اذ الجميع يعلم ان الشركات تضر الحجر والبشر والشجر”. بحيث ان آخر دراسة نظمتها الجامعة اللبنانية الاميركية في جبيل في العام 2004 بمشاركة رؤساء بلديات: فيع الدكتور جان عبدالله، اميون فارس ناصيف، كفريا عوني السمروط، وبترومين كمال مليس، والدكتور جبران كرم عن الجامعة ومندوبين عن الشركات ومندوب عن البيئة في وزارة الصناعة أكدت الاضرار الفادحة التي تسببها الشركات، ما دفع ممثل وزارة الصناعة ابو جودة للاعلان عن تقديم مبلغ 70 الف دولار سنويا للجامعة لاستكمال دراساتها، تحسينا لوضع المنطقة الخطير.
الا ان الدراسات لم تستكمل، لعدم صرف الاموال للجامعة. ولم تولد حتى اليوم اي دراسة بيئية لعدم قدرة الجمعيات والناشطين البيئين على التمويل. كما انه منذ العام 2001 والوعود تتوالى سنويا لتركيب الات قياس التلوث الهوائي في الكورة، ولا سيما ان آخر مناقصة ألغيت، والبحث جار عن تمويل. وفي خضم ذلك يدرك الكورانيون حقيقة مرة يتم تداولها علنا عن ازالة جبال الكورة المواجهة للبحر متى بوشرت الاعمال باعادة اعمار سوريا.