مَاءٌ وَسَرَاب!

maurice najjar

 مُورِيس وَدِيع النَجَّار

(شاعر وروائي وقاص وناقد- لبنان)

مَرَّ أَربَعَةٌ فِي وَادٍ مُوحِشٍ، فَأخَذَتهُمُ الرَّهبَةُ، فَأَغَذُّوا في السَّيرِ، خَوفًا، وَإِذ بِصَومَعَةٍ، وَنَاسِكٍ مُتَعَبِّدٍ يُصَلِّي. فَذُهِلُوا، وقالَ الأَوَّلُ، في نَفسِهِ: هِيَ الحَماقَةُ بِعَينِها. يَستَبدِلُ الغَيبَ المَجهُولَ بِالحَاضِرِ الوَاقِع!

أَمَّا الثَّانِي، فَناجاهُ ضَمِيرُهُ: هُوَ الخَوفُ مِن مَشاغِلِ الحَياةِ، وأَعبائِها، والهَرَبُ إِلى حَيثُ لا جُهْدٌ، وَلا عَرَقٌ، وَلا صِراع!

أَمَّا الثَّالِثُ فَسارَّهُ قَلبُهُ: هُوَ الجُنُونُ المُطبِقُ، فالحَياةُ أَجمَلُ مِن أَن تُسفَحَ، والثَّمَرُ اليَنِيعُ أَولَى بِهِ القِطاف!

والرَّابِعُ، غَمَرَهُ سَلامٌ، وناداهُ، مِن داخِلِهِ، مُنادٍ: هُوَ النِّعمَةُ تَتَجَلَّى على النَّفسِ فَتُنَقِّيها مِن أَدرانِها، وتَرقَى، بِها، إِلى مَراتِبِ القَداسَة!

ولَمَّا جازُوا المَكانَ المُوحِشَ، أَدرَكُوا حاضِرَةَ الحِكمَةِ، فَقَصَدُوا مِحرابَها، وأَسَرُّوا لِكاهِنِها، الرَّائِي، ما جالَ في خَواطِرِهِم فَقالَ:

لَمَحَ عَطِشٌ، مُسافِرٌ في صَحراءَ، ماءً يَتَلألأُ، في البَعِيدِ، فاستَبشَرَ بِهِ، ولَمَّا وَصَلَ إِلى مَكانِهِ وَجَدَهُ سَرابًا. وأَكمَلَ مَسِيرَهُ، وإذ لَمَحَ، عِندَ الأُفُقِ، ماءً مُتَرَقرِقًا، قال: تَبًّا لِهذا السَّرابِ، وضَلالِه. ولَمَّا أَدرَكَ مَوقِعَهُ وَجَدَهُ ماءً عَذبًا، يَنبُعُ مِنَ الرِّمالِ الظَّمأَى!

water

2 comments

  1. يقول صابر حجازى:

    شئ محترم وراقي

  2. يقول موريس وديع النجار:

    أشكرك، يا أخي، وأقدّر قراءتك التي تشي بفكرٍ راقٍ، وقلبٍ كبير.

اترك رد