مُورِيس وَدِيع النَجَّار
(آديب وشاعر ورةائي- لبنان)
رَبِّ!
فَتَّشتُ عَنكَ. فَلَم أَجِدْكَ، فَخِلتُ أَنَّكَ وَهمٌ فِي عُقُولِ النَّاسِ، وَأَنَّ الكُلَّ صِدْفَة. وَلَمَّا أَغمَضتُ بَصَرِي، وَانفَرَجَت بَصِيرَتِي، رَأَيتُكَ فِي كُلِّ نَمْنَمَاتِ الكَونِ، وَسَمِعتُ نَبضَكَ فِي جَوَانِحِي، فَأَيقَنتُ كَم حَسِيرٌ بَصَرِي وَكَم أَنَا كَلِيل! فَهَلَّا لازَمتَنِي، إِن أَنَا غَفَلتُ عَنكَ، وَمَا تَرَكتَنِي إِلَى وَهَن..
رَبِّ!
كُلَّمَا عَثَرتُ أُنَاجِيكَ، وَأُلقِي بِآلامِي على كَتِفِكَ. وَعِندَمَا تَستَوِي أَمَامِيَ الدَّربُ، وَأَظُنُّنِي إِلَى وَاحَاتٍ أَصِيرُ، أَنسَى ذِكرَكَ. فَهَلَّا أَعرَضتَ عَن ضَعَفَاتِي..
رَبِّ!
عَابَنِي مَن تَوَهَّمُوا كِبَرًا إِذْ وَجَدُونِي رَاكِعًا فِي مِحرَابِكَ، وَقَالُوا: ضَعِيفٌ سَاذَجٌ. أَمَّا أَنَا، فَوَجَدتُنِي أَقوَى مِن جَبَرُوتِهِم، وَأَعلَى مِن قَامَاتِهِمِ الخَاوِيَةِ، فَهَنِئتُ، وَرَأَيتُنِي أَطِيرُ عَلَى جَنَاحِك..
رَبِّ!
أَصَبتُ بَعضَ غِنًى، فَزَهَوتُ. وَغَمَرَتنِي الصِّحَّةُ حِينًا، فَتَجَبَّرتُ. وَأَدرَكتُ سَوَانِحَ نَجَاحٍ، فَظَنَنتُهَا بَوَاقِيَ، ثُمَّ خَلَوتُ إِلَى نَفسِي، فَوَجَدتُنِي كَئِيبًا، فَهَرَعتُ إِلَى كِتَابِكَ أَقرَأُ، فَغَمَرَنِي النُّور. فَهَلَّا عَوَّضتَنِي نِعمَةَ حُضُورِكَ فِي قَلبِي مِن كُلِّ أَوهَامِي..
رَبِّ!
كُلَّمَا دَقَّقتُ فِي شَأنِكَ، أَدرَكتُ أَنَّكَ الأَقرَبُ إِلَيَّ، وَالأَلصَقُ بِرُوحِي. أَلَم تَكُنْ هُنَاكَ، فِي نُطْفَتِهَا، يَومَ هِيَ فِي بَدْءِ تَكوِينِهَا، لِتَرَاهَا لاهِفَةً لاهِثَةً وَرَاءَك؟!
رَبِّ!
كُلَّمَا هَمَّ لِسَانِي بِقَولَةٍ غَاوِيَةٍ، أَمسَكَنِي شَيءٌ فِي دَاخِلِي.. أَوَلَستَ أَنت؟!
رَبِّ!
سَاعِدنِي كَي أَرَى وُرُودَ غَيرِي، وَأَغُضَّ عَن أَشوَاكِه.. أَوَلَيسَ حَسَكِي وَافِرًا، وَجُلُّ أَزَاهِيرِي ذَوَابِل؟!
رَبِّ!
بَدِّدِ الغَشاوةَ عَن بَصِيرَتِي، حَتَّى أَجِدَ فِي الآخَرِ غِنًى لِوُجُودِي.. أَوَلَيسَهُ غُصنًا فِي كَرمَتِك؟!
رَبِّ!
كُلَّمَا زَادَ عِلمِي، طَالَ الطَّرِيقُ إِلَيكَ، وَصَعُب. وَأَجِدُّ فِي سَيرِي، فَأَجِدُكَ أَمَامِي نُورًا يَبهَرُ. أَوَلَيسَ الوُصُولُ إِلَى المَاسِ النَّادِرِ أَشَقَّ مِنَ الوُصُولِ إِلَى أَحجَارٍ تُغوِي أَلوَانُهَا، وَلَكِنَّهَا مِن عَفَرِ الأَرض؟!
رَبِّ!
سَاعِدنِي كَي يَبقَى نُورُكَ نِبْرَاسِي.. أَلَستَ الطَّرِيقَ وَالحَقَّ وَالحَيَاة؟!