السيد الأول في البيت الأبيض!

آن الأوان أن تخرق أميركا جدار التمييز ضد المرأة

nouhad hayek

نهاد الحايك

(شاعرة- لبنان)

عشية اليوم الأخير من السباق إلى البيت الأبيض الأميركي، لا شك أن أفكاراً وهواجس كثيرة مما يدور في بالي يدور في بال الكثيرين، ليس فقط من حمَلة الجنسية الأميركية، بل من جميع أنحاء العالم.

مَن يعتقد أن مرشحاً يختلف عن الآخر في ما يتعلق بالسياسة الخارجية أو أن هذه المرشحة أو ذاك المرشح سيأخذ مواقف مختلفة تجاه إسرائيل والصراع العربي الإسرائيلي لصالح فلسطين أو أي بلد عربي، يكون مخطئاً وساذجاً ويجهل مجاهل المطبخ الذي تُطبخ فيه السياسات الخارجية الأميركية. هذه السياسة يطبخها، يمسك بزمامها، ويملك وصفاتها ومفاتيحها مؤيدو إسرائيل أو ممثلو اللوبي الصهيوني الحاضرون في كل ممر من ممرات صناعة القرار، ليس في إدارات الدولة فحسب بل في القطاعات المالية والاقتصادية والصناعية والتجارية وبالتأكيد السينمائية.

ولذلك فإن تأييدي وتأييد كثيرين مثلي للسيدة هيلاري كلنتون لا يستند إلى خياراتها في السياسة الخارجية، بل لأنها امرأة وجديرة بالمنصب. فهي قد أمضت حياتها تعمل في الحقل العام. لها نجاحاتها الكثيرة ولها إخفاقاتها القليلة، لكنها بالتأكيد أفضل من منافسها السيد دونالد ترامب الذي أمضىى حياته مقاولاً يلهث وراء الإثراء والنساء. مشهود له ازدراؤه بالمرأة وكرهه للأقليات والمهاجرين وغير ذلك الكثير مما أسميه صفات قاضية على أي فرصة له للوصول إلى أرفع موقع في زعامة العالم.

hilary

دونالد ترامب وهيلاري كلينتون

بوصول كلنتون إلى البيت الأبيض يُكسر السقف الزجاجي المانع لصعود المرأة في هذا البلد الهام والمؤثر. منعطف تاريخي للشعب الأميركي ولمسيرة المرأة بل ولمسيرة الرجل والمرأة معاً نحو المساواة. صحيح أن المرأة وصلت إلى سدة الرئاسة من قبل في بلدان أخرى، وقد أثبتت جدارة. ولكن في حال وصلت كلنتون إلى البيت الأبيض ستكون ظاهرة لم يسبق أن حدثت من قبل، لأن هيلاري هي أول امرأة تنتخب رئيسة لأميركا زعيمة العالم الحر، ولأنها زوجة رئيس سابق للبلاد. آن الأوان لبلد مثل أميركا أن يلحق بالركب بعدما فاته أن يكون سباقاً.

حالة استثنائية لا سابقة لها يُقتدى بها. المرأة في موقع الرئاسة والرجل (الذي كان رئيساً) هو في موقع الزوج. ماذا سنسميه؟ في العادة زوجة الرئيس هي السيدة الأولى. هل نطلق على بيل كلنتون السيد الأول؟ زوج الرئيسة؟

لا شك أن قواعد اللعبة ستكون شائكة أقله في البداية. إذا ما قلَبنا الأدوار، من المفترض أن يكون زوج هيلاري داعماً لزوجته الرئيسة ويفعل ما تطلبه. ولكن مَن يعرف الرئيس السابق يعرف أنه لا يستطيع الجلوس جانباً وانتظار أن يُطلب منه شيء. فهو يحب أن يكون محور الحدث ولا يزال وهو في التاسعة والستين من العمر، يتمتع بدينامية فكرية وبحيوية المبادر. لن يُتوقع منه (فهو رجل!!) أن يكتفي بالدور الذي لطالما قبلت به زوجات الرؤساء حتى الآن، البقاء في الظل، والاهتمام بتفاصيل البيت، الأبيض، مثل تنظيم حفلات الاستقبال والعشاء والمناسبات الاجتماعية واختيار الديكور والأزهار وغير ذلك، أو القيام بمبادرات اجتماعية. ثمة من قال إن هذه المهمات قد تُعهد إلى ابنتهما تشيلسي (فهي امرأة)!! ولكن من المنطقي أن توظف الرئيسة شخصاً (رجلاً أو امرأة) يتولى هذه المهمات. رجل مثل بيل كلنتون لا بد من الاستفادة من خبراته ومعرفته الواسعة، وإلمامه بقضايا محلية ودولية كثيرة. ويتوقع المقربون والمحللون أن يتولى دوراً بارزاً وداعماً للرئيسة.

white-house

البيت الأبيض

ولكن لو كانت زوجة الرئيس سيدة لها سيرة مهنية مميزة وقدرة على الإضافة والفعل، فهي إن فعلت ستثير الاستياء لأنها امرأة تتدخل في عمل الرئيس!! وهذا ما حصل لهيلاري عندما كانت زوجة الرئيس. فقد تراجعت شعبيتها عندما اتخذت مكتباً لها في الجناح الغربي من البيت الأبيض ولم تكتف بالمكوث في الجناح الشرقي، سكنِ السيدة الأولى، وانهالت الانتقادات عندما كلفها زوجها الرئيس ملفَ نظام الرعاية الصحية.

وكان من الطبيعي أن يُتوقع من زوجة الرئيس الحالي باراك أوباما السيدة ميشيل ومن السيدة هيلاري عندما كان زوجها رئيساً أن تتخليا عن مسيرتهما المهنية والاكتفاء بدور زوجة الرئيس.

أما في ما يتعلق بالفضائح الشخصية، فلا حرج من أن يحمل الرجل (زوج الرئيسة) تاريخاً من المغامرات والخيانة الزوجية. ولكن يتوقع من زوجة الرئيس أن تكون ناصعة الماضي. وقد أثير كثير من الجدل وأطلقت الانتقادات عندما تسلم الرئيس الأميركي الأسبق جيرالد فورد مهام الرئاسة وذلك لأن السيدة بيتي فورد زوجته كانت مطلقة عندما تزوجها.

bill

بيل كلينتون

مسؤول بارز في إدارة فرانكلن روزفلت قال إن السيدة إيلينور روزفلت، زوجة الرئيس الأسبق فرانكلن روزفلت (التي كانت ناشطة في حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ومنظمات الإصلاح الاجتماعي) يجدر بها أن تنكفئ إلى حياكة الصوف. والسيدة روزالين كارتر، زوجة الرئيس الأسبق جيمي كارتر (التي كانت ناشطة سياسياً) قوبلت بالانتقاد وأُطلق عليها “الزهرة الصلبة” و”الرئيس الثاني” لأن كارتر كان يستشيرها في قضايا داخلية وخارجية وفي كتابة خطاباته، لا بل كانت تجلس أحياناً في اجتماعه مع الوزراء وتدوِّن ملاحظات.

الآن وبعدما كانت هيلاري متقدمة بوضوح على منافسها، ولأسابيع عديدة، وأثبتت جدارتها وتفوقها عليه في كل المناظرات التلفزيونية التي تَواجها فيها، انقلب الوضع وأصبحا متقاربين في الاستفتاءات. ماذا حصل؟ وهل يُعقل أن ينقلب الناخبون الأميركيون بهذه السرعة من دون سبب؟ من المؤسف أن يفوِّت الشعب الأميركي فرصة إيصال هذه السيدة إلى البيت الأبيض، وأن يفضِّل عليها رجلاً كدونالد ترامب. آن الأوان أن تخرق أميركا جدار التمييز ضد المرأة وأن تكون نموذجاً تقتدي به الشعوب الأخرى في ما يتعلق بدور المرأة ومكانتها، وعدم الاكتفاء بتقليد تقليعاتها التجارية والسينمائية والترويجية والانصياع إلى نفوذها السياسي والاقتداء بأكل الهامبرغر.

usa

اترك رد