“التقليد والحداثة وما بعد الحداثة في المجال العربي”…مؤتمر فلسفي في المعهد العالي للدكتوراه – الجامعة اللبنانية

mo3tamar-falsafi

نظم المعهد العالي للدكتوراه في  كلية الآداب والعلوم الانسانية والاجتماعية  في الجامعة اللبنانية المؤتمر الفلسفي الثاني “التقليد والحداثة وما بعد الحداثة في المجال العربي”، شارك فيه باحثون من لبنان والدول العربية وطلاب الدكتوراه.

افتتح  مدير المعهد العالي للدكتوراة د. محمد محسن، المؤتمر بكلمة قال فيها:  “ان الاشكاليات التي تطرح في مجالات التفكر الفلسفي والانتاج المعرفي والواقع الفلسفي والتحول المجتمعي والمؤسساتي في العالم العربي ومدى أرتباطه بالحداثة وعملية الانتقال الى مرحلة ما بعد الحداثة هي من الضرورات الفكرية التي يجب ان تترافق مع حركة التغييرات البنوية والثقافية والمجتمعية الهائلة التي تحصل في العالم العربي. هذا الأمر يفرض علينا كباحثين جملة تحديات اهمها النظر الى الحداثة كظاهرة مزدوجة الخصائص: انها أمان واستقرار وثقة وفي نفس الوقت خطر وتهديد.

من جهة ان الحداثة تؤدي الى تطور المؤسسات وتفسح المجال امام نظم اجتماعية جديدة من الممكن ان تؤدي الى رفاهية الانسان واستقراره ومن جهة أخرى يمكن ان تؤدي الى تقويض اهمية الانتاج الاقتصادي الحديث والى نمو انظمة الحكم التوتاليراتية (Totalitarianism) والى تهديد البيئة بل الى تدمير البيئة والقضاء على عمل المؤسسات لصالح سياسات واهداف الشركات والمؤسسات العابرة للقارات.

تأسيسا على ما ذكر يجب طرح الاسئلة التالية: هل العالم العربي في هذا الوقت بالذات يعيش الحداثة (modernity)؟ وهل يمكن القول اننا بسبب التغييرات السياسة والمجتمعية والثقافية اننا في طريقنا الى مرحلة ما بعد الحداثة  post- modernity، post- modernism، post- industrial society and post- capitalism، من المفيد ان نلامس جوهر الامور في هذا الصدد عبر السؤال التالي: هل إننا فعلا ننتقل من نظم تركز على انتاج البضائع وغزو الاسواق وخلق المجتمع الاستهلاكي، الى نظم جديدة تركز على المعلومات وديموقراطية المعلومات واقتصاد المعلومات عبر اتاحتها للمجتمع؟ وأين موقع الدولة الحديثة في العالم العربي أمام التحديات الجديدة لمجتمع المعلومات؟ ربما يجب اضافة النقاش الحديث الان لمرحلة ما بعد مجتمع المعلومات والمتمثل بالمجتمع الافتراضي  virtul society؟ اين موقع المؤسسات السياسية والدينية والفكرية والثقافية والتربوية والاجتماعية من هذه الرؤى والاشكاليات والتحديات؟

اعلم ان هذه الطروحات الشائكة هي من صلب اهتمامات الفلسفة والابستمولوجيا (epistemology) آمل ان من هذا المؤتمر، واني على ثقة بأنه سيفعل، من التوصل الى تلمّس تفسيرات فلسفية اصلية لما يحصل من داخل المجتمعات العربية، والوصول عبر هذا المؤتمر والمؤتمرات اللاحقة الى الاستشراف الفلسفي للسياسة وللمجتمع والمؤسسات والفرد في هذا العالم العربي المتأرجح بين التقليد والحداثة والمتعثر في ما بعد الحداثة والغائب عن مرحلة ما بعد بعد الحداثة.

في المعهد العالي للدكتوراه نحاول بجهود الاساتذة والباحثين الافاضل ان نضع انفسنا على خريطة الانتاج المعرفي والعلمي في لبنان والعالم عبر اقامة الندوات والمحاضرات وحلقات النقاش والمؤتمرات، لدينا سنويا عشرات الانشطة في مختلف حقول المعرفة وكلها مبرمجة وفي متناول الطلاب والمهتمين والمجتمع وهي تهدف الى المساهمة في توسيع الآفاق الفكرية والثقافية وانتاج دكتوراه نوعية لطلاب الدكتوراه في الاختصاصات كافة. لذا اقمنا الشهر الماضي مؤتمرا حول الفنون وفتح المسارات مع العلوم الاخرى وكان مؤتمرا موفقا لدينا الان المؤتمر الفلسفي الثاني، والشهر المقبل في1 و2 و3 كانون الاول ستنطلق اعمال المؤتمر الدولي حول واقع اللغات في الدول العربية الفرنكوفونية والذي تشارك فيه احدى الجامعات الفرنسية (الفرانش كونته) والوكالة الجامعية الفرنكوفونية والمنظمة الدولية الفرنكوفونية والجامعة اللبنانية، وجامعات من المغرب والجزائر وتونس وطلاب الدكتوراه من هذه الدول الخمسة المشاركة. وسينظم في 12 و13 كانون الاول مؤتمر حول الاعلام بعنوان “الاتجاهات الحديثة لبحوث الاعلام والاتصال في العالم العربي” وسيشارك فيه باحثون من لبنان وفرنسا ومصر والاردن.

أخيرا اشكر الفرقة البحثية في الفلسفة على الجهود المضنية التي بذلوها في التخطيط والاعداد والتنفيذ لهذا المؤتمر وأشكر الباحثين والحاضرين الذين لبوا نداء المشاركة المجانية؟. واشكر ايضا الجسم الاداري في المعهد على مواكبته لهذا المؤتمر وللنشاطات الاكاديمية كافة. واخيرا اشكر الحضور على اهتمامهم ونتمنى لاعمال هذا المؤتمر كل التوفيق والنجاح”.

قانصوه

ثم، كانت كلمة المؤتمر القاها الدكتور وجيه قانصوه فقال فيها:  “الحداثة، ما بعد الحداثة، والتقليد: في المجال العربي” عنوان  مؤتمرنا هذا العام ظل مثارا للمفارقات في الواقع العربي، حيث ظلت الحداثة وما بعدها، بنظر الكثيرين، من منتجات ذلك الغربي المتفوق والمتجبر وحتى الشيطاني الذي ما فتئ يفرض علينا سياقاته الفكرية ويأسرنا برهاناته التاريخية. أدى الجانب العدواني الخارجي في مظاهر الحداثة إلى حجب رؤيتها من الداخل، فانصبت جهودنا على تجاهلها حينا ونقضها حينا آخر، باختلاق معارك أخروية معها، مؤثرين آخرتنا على دنيانا وخصوصيتنا على كونيتنا، مرجحين بذلك السجال على التفكر، والاتهام على الفهم، والشعار على التروي. أي آثرنا تجاهلها ورفضها قبل أن نعرفها وبتنا كمن ينكر شروق الشمس لأنها لا تشرق من قريته. فقمنا بشتم خطاب الحداثة وأسسنا لأنفسنا خطابات حتى نكون خارج خطابها ونجعل من أنفسنا ذلك الآخر الذي لا يقدر الغربي عليه، ولا حتى أن يفهمه، مستندين في ذلك إلى حصن الخصوصية وثنائية الأصالة والمعاصرة.

قراءة الحداثة تعني أن نصحبها عبر رحلاتها المتلاحقة، ليس في إنتاجها لمبادئها فحسب بل في نقدها لذاتها باستمرار، فبات تاريخها مليئا بأزمنة القطيعة حتى وصلت القطيهة أيقاع زمانها الخاص، بل ذهبت الحداثة إلى أقصى حدود القطائع لتقطع مع نفسها، بعد أن صارت الحداثة هو ما يثبتها وما ينفيها معا. هذا جعل من الحداثة لشدة دراميتها وشمولية معاناتها، تبدو كما لو كانت قصة ذلك العقل الذي يفارق الإمتثال مع أصنامه ويقرر المغامرة في مجهوله الخاص.
لكن أنَّى لهذا الفكر أن يعي مغامرة العقل هذه وهو ما يزال يطرد السؤال أو يدجنه.

أنى له أن يفهم تاريخ القطائع وهو حافل بالأجوبة عن كل الأشياء ويهاجم العالم بكل اليقينيات والوثوقيات التي لديه قبل أن يطرح على ذاته وعلى العالم من حوله من يكون هو ومن يكون الآخر. وكيف له أن ينتج حداثته وهو ما يزال خارج الفلسفة وخارج تاريخها، ولم يحقق لحظة أبستمية واحدة في تاريخه المعرفي المعاصر.

كيف له أن يفهم نصوص الحداثة وما بعدها وهو عاجز أن يكون له نص مفتوح على القراءة، لا نصا جاهزا متخما بالأجوبة تنتهي فيه القراءة قبل أن تبدأ، لا يمكن لهذا الفكر أن يتوجه إلى الفلسفة ويدخل حقلها طالما هو محمَّل بجاهزية الجواب المسبق.

رهان الفكر العربي أن يفاجىء ذاته بفكرة لم تخطر على باله من قبل، أي لا مفكر فيه، رهاننا في هذا المؤتمر أن نستعيد شرعية السؤال، علنا نكسر غربتنا وننعتق من أوهام خصوصيتنا، فلا نعود نجد خصوصية سوى في توطين القول الفلسفي الشامل في ديارنا”.

اترك رد