عهدا نريده جديداً

mazen aboud

مازن عبود

(كاتب- لبنان)

البارحة شعرت بأني كنت مع الرئيس الأمريكي المغدور جون كنيدي في الجامعة الامريكية في خطابه الشهير هناك في العام 1963، سمعته يقول : “كثيرون يعتقدون بأنّ السلام مستحيل وبأن الحرب قدرنا. ليست الحروب قدرنا، لا ليست البشرية مقيدة بقوى يصعب التحكم بها. انّ المشكلات التي اوجدها البشر يستطيع البشر حلها ايضا. يكبر الانسان على قدر ما يريد. الا فاعلموا ايها السادة انّ مصير البشرية لا يتخطى البشر. لقد اوجد الانسان حلولا للمستحيلات وهو قادر اليوم ان يجد حلولا لأزماته. دعونا نركز على طرق اكثر واقعية لإيجاد السلام ترتكز على تطور المؤسسات الاجتماعية بدل الثورات. لا يوجد مفتاح وحيد للسلام ولا وصفة سحرية لتحقيقه، فالسلام نتيجة نضالات شعوب مجتمعة. السلام مسار…”.

شعرت انّ خطابه كان موجها الينا كلبنانيين ايضا، وقد صرنا انهزاميين الى حدود اننا صرنا لا نصدق باننا فعلا نستطيع استيلاد رئيس او رؤساء ولا حكم بلدنا. صرنا انهزاميين لدرجة اننا صرنا نفتش عن سلام الخارج. ما حصل في مجلس النواب قد يكون نقطة تحول في تاريخ البلد ويشكل ومضة في الاتجاه المعاكس. ومضة تحول، وقد وصل الاقوياء الى مواقع السلطة، فصار ممكنا ان يستخدموا ما يمتلكون من قوة لتغذية البلد. انّ لبنان اليوم امام فرصة تاريخية يجب الاستثمار فيها، فتتحول قوة الاقوياء الى قوة للبلد فينهض من سباته، ولا عليه فيباد الشعب لا سمح الله وتدمر الارض.

 يكبر لبنان ونكبر اذا ما ادرك كل الاقوياء في مواقع القرار جميعا انّ قوتهم وحيثياتهم في الشوارع الكبيرة او الصغيرة سلاح ذو حدين، فحذار الاحتكام الى الحد الذي يدمر، فجسم البلد لا يقوى على قوتهم.

lebanon-1

لو كتب لي ان خاطبت العهد لقلت لفخامة الرئيس ودولة رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء إنّ وصول الزعيم الاكثر تمثيلا لدى المسيحيين الى سدة الرئاسة تحد كبير للبنانيين ومن غير المسموح له ان يفشل، وانّ بقاء الرئيس الاكثر قبولا لدى الشيعة مسألة اساسية ومعادلة ضرورية لدى اللبنانيين لا يجب المساس بها او التعرض لها مطلقاً، واخيراً إنّ ضمان نجاح الرئيس الاكثر مشروعية واعتدالا لدى السنة الى رئاسة الحكومة مسألة مصيرية للبنان كي يصان الاعتدال ويحفظ الشارع.

نجاح العهد تكمن في مدى قدرة رجالاته على ادارة خلافاتهم، وعدم الاحتكام الى قوتهم وشوارعهم بل الى قوة الحق، وذلك كي لا تنمو الخلافات وتصير ازمات تهدد البلد. تحديات رجالات العهد هي في جمع كل قدرات ونفوذ رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء وكل الشركاء وتوظف لخدمة لبنان، فتصير قوته ايضا.

لا يتوجب ان يتوقف احد على ما حصل من امور صغيرة او كبيرة في الجلسة، فالموسم موسم تطلع الى الغد الذي نريده مشرقا للبلد. لا يجب ان تتعكر صورة اليوم لا بل أعجوبة اليوم التي صلى وعمل من اجلها البابا فرنسيس والبطريرك كيريل وكل اصحاب النيات الحسنة من قادة محبين للبنان وللسلام، فتمت اثارة الموضوع مع الرئيس اوباما والرئيس بوتين وكل اصحاب الارادات الطيبة، وذلك كي يبقى للاعتدال مرقد عنزة في جبل لبنان وكي لا يسقط معقل او رمز من رموز حضارة قبول الاخر في هذا العالم. فكان ان فتحت القنوات بين المتخاصمين وترك للبنان قراره.

lebanon

انّ تحديكم الكبير اليوم يا فخامة الرئيس هو الانتقال من قيادة الطائفة الى قيادة البلد، واني على ثقة بانكم تستطيعون ذلك. تحديكم الكبير ان ينظر عهدكم الى الناس كمواطنين وليس كرعايا طوائف فيسلم عندها المسيحيون والمسلمون والاعتدال والمواطنون، فيفرح بكم المسيحيون والمسلمون وكل البلد. اني على ثقة بانكم تقدرون على القيام بذلك، وما حصل اليوم دليل على انه مازال للمعجزات مطارح في البلد.

تأكدوا يا صاحب الفخامة انّ الناس كل الناس سيساندون العهد على قدر ما يكون عهدا للحق والحقيقة والمحبة والتسامح والترفع والدولة المدنية وقبول الاخر. سيساند الناس العهد على قدر ما يشبه العهد القسم الذي ادليتم به اليوم. اني اشتهي ان يصير عهدكم عهدا جديدا لله، ولا اريد له ابدا ان يسقط في اسفل دركات الجحيم. احلم بعهد جديد افضل واجمل لأني احب بلدي، ولأني لا اريد ان اهجر ارضي التي هي وجه ربي. اصلي من اجلكم واجل البلد مع كل اصحاب النيات الحسنة، واني اتذكر بحسرة مع امهات وذوي كل من استشهدوا كي تسلموا ونسلم ويسلم البلد.

lebanon-2

اترك رد