حلب وانشتين الصغير ورفاقه الطيبون

mazen aboud

مازن ح. عبّود

(كاتب- لبنان)

قال لي:”ما قصة هذا الطفل الذي لا يتحرك و”بو” في يده ممزق؟ اترى من رسم على وجنتي الطفل ورأسه هذه الخطوط بالاحمر والاسود؟ من ازال عينه وجزئا من رأسه، وكيف؟ من لوّنه بالاحمر والاسود، ولم شعره هكذا، اين امه، اين منزله، ولم هو مرمي مع لعبته هكذا؟ هلى يشعر بالبرد او الألم، ومن اين هو؟”.

فما كان مني الا ان بدّلت المحطة، ولم اجبه، ومن ثمّ غيّرت الموضوع. ورحت ابحث عن افلامه كي اعيد ابني الى عوالمه الذهبية. كنت افكر في ما يتوجب بي ان اقوله لطفل من عمره عن طفل قضى تحت الركام.

الا انه ما انفك يلاحقني بأسئلته عن طفل الركام ولعبته. فلعنت الشاشات ونشرات الاخبار. الا اني عدت فاستفقت، فصوبت البوصلة كي العن طمع البشر واجرامهم، ولم اجبه. أالعن الشاشات، ولماذا العن الشاشات، وما ذنب الشاشات، الا يتوجب بها نقل الخبر، ليست هي من تختلق الازمات، ومن ثمّ انّ الاضاءة على المجازر ليست مجازر؟

لكن هل يتوجب بنا رؤية كل تلك المشاهد البشعة والمقززة؟ ولم؟ وهل تنقل الينا كل الاخبار كاملة وصحيحة؟ ام انها تعتم على خبر وتضيء على آخر وفق المقتضيات؟ اني ببساطة، لا اعلم. الا اني شعرت بالغضب والحزن كأني كنت اتفرج على جثتي طفل مقتول تحت ركام ابنية حلب.

اجبته بايجاز. فأبلغته بأنّ ثمة اناس يحقدون ويطمعون ويدمرون، الا انهم لا يعيشون طويلا. وبأنّ اناسا قد تحارب من الحضارة والبشرية. فقال: “هل تحتاج الحياة الى الموت لبقائها واستدامتها؟ ولم يولد الاشرار اصلا؟ ولم يعيشون ولاي هدف؟”.

فكان ان صمت وقلت، لا يبان الخير الا ومضات في العتمات.

وتابع طفلي ديمتري الكلام، وانا اهتاج في صمتي، “قل للشاشة ان تحضر صورا جميلة عن اولاد يلهون في مملكة هانئة حيث الموسيقى والحيوانات البرية”. لكن هل من الاخلاقي ان تحضر الشاشة لنا ما طلبه ابني وتتغاضى عن كل صور حلب وسوريا؟ فعلى الشاشة ان تنقل الحقيقة، لكن بلباقة ومهنية، ونحن علينا ان نبعد اولادنا ونشرح لهم ببساطة الاولاد حقائق هذا العالم.

وتمتم ابني كلماته السحرية، وانا رحت ابحث في مكتبته عن فيلم للرسوم المتحركة يكون على قدر سحر كلماته السرية.  وتزيّنت الشاشة بفيلم عن مغامرات “انشتاين الصغير” ورفاقه الطيبين الذين كانوا ينقذون بمغامراتهم العالم من الفخاخ.  فتوقفت اسئلة ابني، من دون ان يعني ذلك بانّ المشاهد قد زالت من رأسه. وانا مضيت الى غرفة اخرى كي اتابع ما بدأته وادمنت عليه من اخبار وكي اجد الصيغة الامثل لقول الحقيقة لولدي دون ان اخدش شخصيته.

شاهدت “ترامب” واستمعت الى كل ما اورد من عنصرية وتفاهات في مناظرته.  فمن المخجل والمؤسف ان يكون مثل هذا الفكر قد دخل حلبة السباق الرئاسي على زعامة العالم بثياب رجل.  فهل تكون العولمة كما قال “فيليب ستيفن”في افتتاحية الفيننشيل تايمز في تراجع؟  كان كلام “ترامب” مروعا، ويبشر بحروب في العالم وبنهاية ما تبقى من النظام العالمي القائم على التفاوض والحوار.  كان كلام “ترامب” مهينا وعدائيا لا يقبل بالاخر ولا بالاختلاف. كان فكره فكر حوائط الفصل في عالم حدوده مفتوحة. كان كلامه ابشع من صور حلب الممزقة لا بل كان يؤدي الى ازقتها المدمرة ونيرانها. كان فيلم ابني اجمل، وكان طفلي يجيب عن كل اسئلتي حول عالمه بوضوح وصراحة. ووعدته ان اعمل كي يجلب حكام عالمنا اليه بعض الشموس والقصص الجميلة والازهار وان نصون ما تبقى من مبادئ.

ابلغته بأنّ الطفل المغدور سلبته النور طائرة الموت في حلب، كما يسلب الكثير من الاطفال الضوء في عتمات العالم. ابلغته بأنّ لامكان للاولاد في حروب الكبار، ولا مكان لفسحهم وقصصهم واحلامهم، لا محل للشمس هناك ولا حتى لانشتين الصغير ورفاقه الطيبين.  وتابعت قائلا: “لكن لا بد للشمس ان تطلع يا ولدي، فتعود حلب حلبا وكل مدائن سوريا والمشرق تستفيق من رمادها. ويعود الاولاد الى منازلهم فيصيرون يحلمون”. قلت له بأنّ خطوط الدم والنار ستزول حتما لحساب اقلام التلوين، فيسطر الصغار للكبار قصص الحياة واحلاما لمستقبل زاهر تكتب على وجوههم المضيئة ضحكة. ابلغته بأنّ الطفلة النائمة مهشمة ستستفيق معافاة وجميلة اكثر في النور، وبأنّ “بو” في يدها الدامية سيتعافى حتما ويجد يدا صغيرة تحتضنه. ابلغته بأنّ ما رآه كان كابوسا ليس الا.

وفي صمتي، وبعيدا عن طفلي صرخت، فقلت: “الا فابلغي يا دمية الطفلة المغدورة، دمى هذا العالم المتحركة كيف يكون طعم الموت والنار علّهم يدركون. اصرخي في آذانهم. قصي عليهم قصة طفلة استغاثت حتى اتتها المعونة من فوق فأبحرت في عالم النار حيث النور هو الغاية. إروي قصة حلب ومدائن سوريا التي صارت خير مخبر عن فشلهم وفشل نظام عالمي ما استطاع احقاق حق او ايجاد حل.

لكن هل يخرج من الحطام صوت السلام؟ هل يخرج من ازقة حلب المدمرة نظام جديد يعيد الى العالم بريقه؟

حلب شوارعك تصرخ للسلام وسط ازمة طالت واضحت ثقلا على الضمير العالمي. سوريا انك تتغيّرين وتغيّرين العالم معك. لقد اضحى المطلوب “انشتين الصغير ورفاقه” كما في فيلم طفلي كي تسلمي ويسلم العالم ولذلك نعمل ونصلي.

اترك رد