يسعى كتاب الأمن الجماعي في جامعة الدول العربية بين النظريات الواقعية والبنائية الصادر حديثًا ضمن سلسلة ترجمان عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (333 صفحة من القطع المتوسط) إلى اختبار نظريات المدرسة الواقعية القائمة على محورية الدولة في العلاقات الدولية، ونظريات بعض أنصار المدرسة البنائية الرافضين استمرارية سيادة تلك النظرة، على الرغم من الشواهد الدالة على تزايد أهمية الفاعلين الدوليين من غير الدول، والداعين إلى تصحيح هذا الوضع بطرح نظريات لا ترى هؤلاء الفاعلين متغيرات تابعة في السياسة الدولية فحسب، بل متغيرات مستقلة أيضًا.
وتختبر هذه الدراسة التي ألّفها أحمد علي سالم بالإنكليزية وترجمها إلى العربية هذه النظريات تحديدًا في المنظمات الدولية الإقليمية التي تطبق قواعد الأمن الجماعي لردع المعتدين أو دحرهم، أثناء الصراعات بين دولها الأعضاء. ويقدّم الفصل الثاني مبررات عدة لاختيار الأمن الجماعي والمنظمات الدولية الإقليمية بوصفهما أفضل مجالين لاختبار نظريات المدرسة الواقعية ونظريات المدرسة البنائية التي تنكر محورية الدولة في العلاقات الدولية.
وبحسب المؤلف، يختلف منظّرو العلاقات الدولية في تحديد الشروط الضرورية لعمل المنظمات الدولية. فمن جهة، يرى أنصار المدرسة الواقعية أنّ أنشطة المنظمات الدولية انعكاس لعلاقات القوة وموازينها في السياسة الدولية. ومن جهة أخرى، يؤكد أنصار المدرسة البنائية أنّ أنشطة المنظمات الدولية ليست انعكاسًا لعلاقات القوة وموازينها في السياسة الدولية، بل تعكس أيضًا المبادئ والأعراف الدولية وتصورات الدول والكيانات السياسية الأخرى عن هوياتها.
يتألف هذا الكتاب من ستة فصول وثلاثة ملاحق. يتناول المؤلف في الفصل الأول، وعنوانه المدرستان الواقعية والبنائية والمنظمات الدولية، المدرسة الواقعية والمنظمات الدولية، متحدثًا بإسهاب عن النظريات الواقعية في العلاقات الدولية، ورؤى المدرسة الواقعية للمنظمات الدولية وللتعاون الدولي وللمنظمات الإقليمية، ورؤى المدرسة المؤسسية الليبرالية الجديدة. وفي جزء ثانٍ من هذا الفصل، يتناول المؤلف المدرسة البنائية والمنظمات الدولية، متحدثًا عن النظريات البنائية في العلاقات الدولية، ورؤى الاتجاه المؤسسي في المدرسة البنائية للمنظمات الدولية، والمنظمات الدولية التي تشكّل تجمعات تسير بإجماع أعضائها، والمنظمات الدولية التي هي مؤسسات توجهها أجهزتها الإدارية، والمنظمات الدولية التي تمثّل مؤسسات توجّهها الأعراف والمبادئ. كما يتناول في هذا السياق بناء افتراضات عن أثر الأعراف والمبادئ في المنظمات الدولية، مجملًا الكلّ في ملخص يقارن طيّه بين الافتراضات الواقعية والبنائية.
يخصص سالم الفصل الثاني، وعنوانه الأمن الجماعي وجامعة الدول العربية، لمعالجة اختيار الأمن الجماعي، فيتناول الأنشطة العسكرية للمنظمات الدولية، والأمن الجماعي بين النظرية والتطبيق، والتمييز بين الأمن الجماعي والدفاع الجماعي، وبين الأمن الجماعي وحفظ السلام وتسوية المنازعات سلميًّا والتغيير السلمي. ثم يحصر سالم بحثه في اختيار جامعة الدول العربية، متناولًا الأمن الجماعي إقليميًّا وعالميًّا بين الواقع والخيال، ومناسبة اختيار جامعة الدول العربية منظمةً إقليميةً من العالم النامي لا توجّهها دولة مهيمنة، خاتمًا بتعريف لجامعة الدول العربية موردًا فيه مبادئها وأعرافها. يقول في هذا السياق: “كان التناقض في المبادئ والأعراف أحيانًا عقبة في طريق اتخاذ الدول العربية مواقف موحدة أو قيامها بعمل مشترك، خصوصًا حين يتمسك كلّ عضو أو تحالف بأولوية مبادئ وأعراف معينة، أو تفسير المبدأ أو العرف الواحد بطرائق مختلفة. فنظرًا إلى غياب قوة مهيمنة قادرة على فرض تفسيرات محددة لتلك المبادئ والأعراف وإلزام الجامعة بترتيب محدد لها، بقيت الجامعة تواجه صراعًا في الأدوار، وكان عليها دائمًا أن تعيد تعريف المبادئ والأعراف التي تحكم سلوكها، وتوفّق بينها، وتغير ترتيبها”.
في الفصل الثالث، وعنوانه اختيار الحالات وبناء المؤشرات، يعالج المؤلف أولًا اختيار أزمتي العراق والكويت في عامي 1961 و1990، متناولًا نظام الأمن الجماعي في جامعة الدول العربية وشروط تطبيق إجراءاته، ومناسبة اختيار أزمتي العراق والكويت في عامي 1961 و 1990 نظريًّا ومنهجيًّا، ومنتهيًا إلى البحث في القيود المفروضة على تطبيق إجراءات الأمن الجماعي في جامعة الدول العربية. يقول هنا: “تعجز الجامعة عن القيام بعمل عسكري، وتمتنع تاليًا عن إطلاق صفة العدوان على أي صراع بين الدول العربية، لأنها تفتقد وجود عضو مهيمن وقادر على فرض النظام في الإقليم. فأعضاؤها ينقسمون في الأزمات دائمًا إلى معسكرات يملك كل منها قوة تصويتية تمنع إصدار أي قرار في الجامعة، خصوصًا أن قواعد التصويت في الجامعة تعطي كل عضو حق نقض قراراتها، ما عدا الدولة التي ارتكبت العدوان من وجهة نظر الجامعة”. ويعالج ثانيًا، وتحت عنوان فرعي هو “بناء المؤشرات”، اختبار الافتراضات الخاصة بالفاعلين الأساسيين في المنظمات الدولية، واختبار الافتراضات الخاصة بأثر القوة، واختبار الافتراضات الخاصة بأثر المبادئ والأعراف الدولية.
في الفصل الرابع، وعنوانه سلوك الجامعة العربية في أزمة العراق والكويت في عام 1961، يرسم سالم خريطة توزيع القوة داخل جامعة الدول العربية وترتيب الأعضاء من حيث القوة، ويعرض الأزمة من بدايتها إلى تطورها، ومواقف الطرفين المتنازعين، أي العراق والكويت، وموقفي السعودية والمملكة المتحدة من هذه الأزمة، ثم ينتقل إلى عرض مواقف الفاعلين المؤثرين، وموقف الجمهورية العربية المتحدة، ووساطة أمين عام جامعة الدول العربية. كما يثبت المداولات المبدئية في مجلس الجامعة في يومي 12 و13 تموز / يوليو 1961، ثم المداولات النهائية وقرار مجلس الجامعة في 20 تموز / يوليو 1961، لينتهي إلى عرض النتائج والافتراضات المثبتة وغير المثبتة، وليتناول مبدأَي استقرار الأمن الجماعي وأهميته النسبية والأمن الجماعي في مقابل الأسس المبدئية لموقف العراق.
في الفصل الخامس، وعنوانه سلوك جامعة الدول العربية في أزمة العراق والكويت في عام 1990، يعيد سالم رسم خريطة توزيع القوة داخل جامعة الدول العربية وترتيب الأعضاء من حيث القوة، وبداية الأزمة وتطورها، ومواقف الطرفين المتنازعين، وموقف الولايات المتحدة الأميركية ومواقف الفاعلين المؤثّرين، والمواقف الأولية لأعضاء جامعة الدول العربية وقرار مجلس الجامعة رقم 5036 الذي طالب العراق بسحب قواته منها فورًا ومن دون شروط، وأكّد التزامه القويّ حماية سيادة الدول الأعضاء في الجامعة ووحدة أراضيها، ورفض أيّ تدخّل أو محاولة تدخّل قوى أجنبية في الشؤون العربية، ونادى بعقد قمة طارئة لقادة الدول العربية. كما يعرض سالم المواقف اللاحقة لأعضاء الجامعة وقرار القمة العربية رقم 195، والنتائج والافتراضات المثبتة وغير المثبتة، واستقرار مبدأ الأمن الجماعي وأهميته النسبية، وانتهى بالحديث عن مبدأ الأمن الجماعي في مقابل مبدأ رفض التدخّل الأجنبي في الشؤون العربية.
أمّا الفصل السادس والأخير، وعنوانه النتائج والخلاصة، فيخصصه المؤلف لإيراد ملخص للدراسة ونتائجها، وبيان مقارنة مواقف الفاعلين الرئيسين المحتملين وسلوك جامعة الدول العربية في الأزمتين، ومقارنة أثر القوة في سلوك الجامعة في الأزمتين، ومقارنة أثر المبادئ والأعراف الدولية في سلوك الجامعة في الأزمتين، والخلاصة النظرية والمقترحات البحثية، ودمج المتغيرات التفسيرية الواقعية والبنائية في إطار نظري واحد. وبعد ذلك، يورد المؤلف ثلاثة ملاحق: الأول، توزيع القوة داخل جامعة الدول العربية في عام 1961؛ والثاني، قرار مجلس جامعة الدول العربية رقم 1777 في أزمة عام 1961؛ والثالث، توزيع القوة داخل جامعة الدول العربية في عام 1961؛ والرابع، قرارا مجلس الجامعة والقمة العربية في أزمة عام 1990.
أحمد علي سالم
مؤلف الكتاب ومترجمه، أستاذ مشارك في معهد دراسات العالم الإسلامي في جامعة زايد في دولة الإمارات العربية المتحدة. حاصل على شهادة دكتوراه في العلوم السياسية. عمل في جامعة إلينوي الأميركية باحثًا ومدرسًا مساعدًا ثم محاضرًا. ألّف وحرّر وترجم أكثر من خمسين عملًا محكّمًا منشورًا باللغتين العربية والإنكليزية.