سليمان بختي
(كاتب ومدير دار نلسن للنشر)
شاهدت على “اليوتيوب” قصيدة للشاعر المصري مجدي مينا بعنوان “هل جرّبت مرةً أن تكون مسيحياً…. بلا مؤاخذة”. وختمها بجرأة وسخرية ومرارة، قائلاً ” والله يا مصر… مش عارف انت أمي ولا مرات أبويا”.
اخذتني هذه القصيدة الى سؤال طرحته ذات أحد على المؤرخ الراحل كمال الصليبي حول القلق على المسيحيين في الشرق، فأجاب:
“لا أعرف اذا كان ممكناً أن نسمّي العالم العربي عالماً عربياً من دون المسيحيين، هناك ثقافة مسيحية عريقة عمرها أكثر من الف عام كتبت باللغة العربية.
ولكن اذا أخذنا لبنان (والتجربة اللبنانية ومآلها سينعكس سلباً أو إيجاباً على فكرة العروبة الحضارية المدنية وعلى صورة الاسلام ومفهوم التسامح لديه) فالكل يحب المسيحيين ويريد لهم الخير، ولكن لن يصيب المسيحيين إلاّ ما يصنعونه بأنفسهم”. وأضاف : “إنّ المواطنين المسلمين يرتعبون من فكرة أن يحكم رجال الدين لبنان، لذلك هم في رباط مقدس أو حبل سري مع مواطنيهم المسيحيين لكي تستمر في لبنان حكومة لا تكون اسلامية أو مسيحية، ولكن بنمط حكم مدني. فينعم المواطن بحريته ويختار أن يذهب الى السينما أو يتناول كاساً أو يتعلق بأي ثقافة يريد. وهذه بعض أوجه الحداثة”.
والسؤال: هل يمكن عبور بوابة التاريخ الشرقي دون الحضور المسيحي فيه؟ وهل الوجود المسيحي في الشرق مهدّد فعلا بالزوال؟
إنّ غياب أي مكون من مكونات الشعب هو غياب لا يستقيم ويفقد المنطقة تنوعها الثقافي وتعدّديتها الدينية. وأرى أن ليس الوجود المسيحي هو المهدّد، بل واقع العرب ومستقبلهم ونظامهم وثقافتهم ورسالتهم ومشروعهم الحضاري ودورهم في العالم، والمهدد أكثرهو مصير المشرق برمته.
إنّ المسيحيين قيمة عددية مادية ومعنوية وروحية أساسية، وهم أهل الأرض وجزء لا يتجزأ من المشرق وشعوبه التي تملك الأوطان. وهم بانتمائهم يقدمون ويسيرون، وهم الشفيع الحضاري لكل هذا العالم المشرقي، كما عبّرعن ذلك المفكر العراقي عبد الحسين شعبان في كتابه “أغصان الكرمة…… المسيحيون العرب”.
وأخيراً، إنّ المسيحيين أهل عطاء وذوق وقدموا دائماً، كنوز النهضة للعالم العربي. وأي استهداف يطالهم اليوم فإنما يطال كل شعوب المنطقة. وأي موقف يعزّز حضورهم في أرضهم هو ليس دفاعاً عن المسيحية العربية التي لا تحتاج أحداً كي يدافع عنها، بل هو دفاع عن الاسلام العربي المعاصر.
لعل السبيل الأكثر تعزيزاً لحضور كل مكونات شعوب المنطقة هو بالانتقال من السكتوقراطية (sectocratie) (الطائفة أو المذهب) الى حالة المواطنة الديموقراطية (citizocratie).
*****
جريدة النهار 8 سبتمبر 2016