ماذا بقيَ من بلدة الأمراء اللمعيين: الشبانيّة (2)

mouanes

البروفسور الأب يوسف مونس

حصة في حياتها

كان عندنا الحقول والكروم وكان اهلي ايام الغلال والقطاف والحصاد يتركون بعض اغصان الزيتون وبعض دوالي العنب دون قطاف او بعض ساحات من القمح من غير حصاد وكنت اتعجب واتحير واصرخ لماذا هذا، وكان اهلي يشرحون لي قائلين يجب ان نترك شيئاً مما اعطانا الله لسوانا، للعيال المستورة المحتاجة التي كانت تأتي مع حلول المساء لتأخذ حصتها، ولطيور السماء لتعيش وتسبّح الله. وكنت افرح بذلك وانا ارى انساناً حاملاً زاداً او عصفوراً ينقر تينة سوداء او بيضاء او حبة من عنقود عنب.

وكان دوماً صحن فارغ موضوعاً على الطبق او على المائدة، ليسوع او للضيف الغريب الآتي من بعيد.

اما خوابي الزيت والتين والمسمنات ومعجن الخبز والعجين فيصلب عليها لتتبارك وتزيد.

زهور لدفن يسوع

هنا تنبت اجمل الزهور التي كنا نجمعها لمذبح السيدة او لزياح الصليب المقدس يوم رتبة دفن المسيح نهار الجمعة العظيمة، عصا الرعيان، البرنجص، دويك الجبل، بخور مريم، البنفسج، الربيع، العقيق، الورد البري، الحبق، العطر، المردكوش، الورد الجوري، النرجس، الوزال، الزيزفون، ونباتات واشجار الصنوبر والسنديان والبلوط والحور والدلب والتوت والشومار والقرص عني والجرجير والرمان، والشوك والبلدان والجلبان والطيون واللزيق والشوفان والفرفحين.

الشبانية كانت منبت العديد من الاطباء والمحامين والقضاة والمهندسين والشعراء والرهبان والراهبات والكهنة والاعلاميين ومنهم الاستاذ ميشال رعد ابن البلدة «العظيمة»، والصحافيين ورجال الاعمال والمثقفين والضباط والقادة العسكريين من مسيحيين وموحدين دروز لا مجال هنا لتعدادهم خوفاً من نسيان احد اسماء ممن لهم قيمة ومركز ودور وكرامة متمنيا ان يأتي يوم ويقدم احد اولاد الشبانية ويسجل ويؤرخ لهذه البلدة الرائعة الوادعة الجميلة الهادئة ولرجالاتها واولادها العظام.

عتبة الصيدلية الاولى  في المتن الاعلى

القرية القرميدية البيوت مع روعة مند لوناتها وعتباتها الجميلة ومنهم عتبة بيت رعد ابو حيدر الكبير المنحوت عليها من هنا كانت اول صيدلية في المتن الاعلى. قرية الامراء اللمعيين ما يزال مدفنهم يستظل الصنوبرات العالية ومدرسة مار تقلا اولى المدارس في المتن الاعلى ما تزال قائمة تنتظر من يقرع اجراسها. هنا كانت ايضاً اولى الاخويات اخوية قلب يسوع واخوية الحبل بلا دنس واولى الجمعيات والرابطات الخيرية الاجتماعية

 جميل مونس جبران اميركا الجنوبية

من هنا من الشبانية رحل بعض مفكريها وادبائها وعباقرتها الى البرازيل والى لورانس والى جامعة بتروبوليس العريقة، وقد كتبت اسماؤهم وحفرت على لوحة الشرف الرخامية على مداخل الجامعة في البرازيل، او على لوحة تذكار شهداء الجيش الاميركي في مدينة لورانس في الولايات المتحدة هناك في بتروبوليس اسماء: مجيد مونس، وسعيد مونس، وكميل ومارون مونس، والجميلة جميلة مونس، واحد هؤلاء المهاجرين وهو جميل مونس يعتبر نابغة كجبران وقيمة شعرية وادبية والهاماً صوفياً ومشرقياً. وقد اقتنوا في ذلك الزمان اولى السيارات والى اليوم ما يزال شارع لورانس يحمل اسم افرام واولاد الشبانية في ماسشوست والعديد من اسماء افرام، رعد، سركيس، ضومط فارس، قرداحي، غندور، مونس ابو سمرا، ابو جواد والزير وعنتبلي وبعقليني ويمين وقصاص وطوبليان وجبيلي، ومارون، وبو مغربية وطربيه وشاهين، ومعضاد، يونان، وحيدر وابو الحسن، وحاتم، وابي يونس، وصبرا وعويل وشقرا، وابو عاصي، وشمس الدين، ومفرج ورحال، وزين الدين ودقدوق وجبيلي، ونمار ومشعلاني والذوقي وابو ملهب وقصاص، والحداد، والعنداري.

الخضر حبيب قلب الدروز

في الشبانية بقية بقيت صامدة تصلي يوم الحرب المجنونة. كباراً وصغاراً رجالاً ونساءاً فطبعت بحبها اهل البلدة وبقيت الشبانية بلدة الثقة والتعايش والمحبة والاخوة بين المسيحيين والموحدين الدروز وبالرغم من اجتياح الغرباء لها وقتل واستشهاد العديد من اولادها حافظت على العيش المشترك، ولكم اضاء دروزها الشموع واحرقوا البخار على عتبات وشبابيك «السيدة» ومار جرجس الخضر ومار الياس ومار تقلا وانا «رأيت بام العين صوراً لمار جرجس ولقلب يسوع وللسيدة، ولمار الياس ومار تقلا ومار شربل ورفقا في بيوت اهلنا الموحدين الدروز.

لئلا يصلي يسوع

ويوم كنا صغاراً والثلج يغمر البلدة في ليلة عيد الميلاد، كنا نشق باجسادنا الصغيرة الطريق ليسوع الاتي ليولد في مغارة كنيسة السيدة. كنا ننام على الثلج لنترك اثراً للدرب التي توصل يسوع الى الكنيسة حيث كانت امهاتنا واخواتنا ملتحفات بشالاتهن السوداء العريضة الكبيرة وقاية من البرد وصقيع الجبال يصلين مسبحتهن.

خاتمتها

في النهاية الوديعة بين ايدينا، الجوهرة المقدسة محمولة في قلوبنا وحياتنا وبلدتنا كباقي البلدات تحمل تراثاً واوجهاً رسمت الابداع وعظمة التاريخ والامانة للوطن ولعهد المجد والحب، انها حكاية طويلة «كطول الشبانية» كما يقول المثل. الشبانية تطل على البحر من جبل المديرج وضهر البيدر لتصل الى نبع الدلبه مصدر مياه الشفة للعاصمة بيروت مروراً بدير مار افرام للسريان الكاثوليك.

الاباء والاجداد استودعونا الوديعة المقدسة فعلينا ان نبقى امناء لعهدهم ونزيد مجداً على الامجاد التي رسموها لنا وبكثير من الصلاة والدعاء نطلب الى الرب ليحتفظ بلدتنا وكل بلدات لبنان.

لقد سقط سهواً اسم الدكتورة ريتا قرداحي وحضرة الاب الخوري طوني ابو داود مونس في أميركا، المهندس الزراعي اميليو الياس مونس

اترك رد