مخيِّلة مسكونة بالفرائِد

lara najjar

جوزيف مهنّا

أعطتْ لارا (كريمة الشّاعر والأديب موريس النّجار) فأجْزلتِ العطاء.

نجيّةُ ريشةٍ بحجمِ قِلادةِ شعر.

كلّما تدهّنتْ واكتحلتْ من مثلِ مُرَقَّقِ يقطُرُ شهدًا، اشتعلتِ اللّوحةُ شرايينَ دفءٍ وعافيةٍ ولا شكُّ اللّؤلؤِ في حاضرةِ الطّروسِ والخواطر.

لارا، الفنّانةُ المشيقةُ القدِّ كشِلْحِ زَنبَقٍ، الرّقيقةُ الحاشيةِ كأضمامةِ ياسمينِ، شديدةُ الكَلَفِ بالتّفاصيلِ والجزئيّاتِ، تغتذي من مخيِّلةٍ متساوقةِ الأغراضِ، مسكونةٍ بالفرائدِ، داخَلَها هاجسُ الصَّناعِ، فشعّتْ بالممتِعاتِ تتخطّى حدودَ المقاييسِ والمعالِم.

ذاتُ ميْسَمٍ كلاسيكيٍّ رائقِ المَشْرَعِ ينضحُ في صفاءِ الأُسلوبِ والإشراقِ النّائِرِ، كما لو بماءِ الزّهرِ طفَّتْ خوابِيهِ تُباسِطُكَ بالبِلَّةِ المِخصابِ، والزّرعةِ المَريع.

lara najjar 1

في بهرجة أحمرها شواطئُ ناسمةُ الآصالِ، مَرجانيّةٌ، مُغرِقَةٌ في الانخطافِ والتّجلّياتِ، تُفضي بكَ إلى أخدارٍ أرقُّ من مِزمارٍ، وأفكَهُ من منظومةِ نَغَم.

وماذا يا رعاها الله، لو زَرَّرتْ أخضرَ على أصفَرَ في بَوْحيّةٍ ضنينةٍ في الشّكلِ، تنسحِبُ في التعاجِ الخواطِرِ، على محصِّلاتٍ طليقةِ البادرةِ، تَشْتَفُّ من مناهِلِكَ فتذروكَ أزاهيرَ على أفانينِ الأبد ؟ أو عَقَصَتْ – بلغةِ البُحبوحةِ ومنفسِحِ الخَطْوِ – عُنَّابًا على رماديٍّ، “يكادُ باللّحظِ يُعقَد ؟”. أمّا الأَسودُ في التّوْقِ النّاهِمِ إذا أَورتْ زِنادًا، فَكَفْيُهُ في النِّسِبِ الإسناديّةِ من كيمياءِ الألوانِ، أنّه، وقد لُفَّ في برفيرٍ، وطَيلسانٍ “نجّاريٍّ” مائِزٍ، يروحُ، بالحُلّةِ القشيبةِ يَزْهَوهي، مثلما بصَوْلجانٍ وتاج !

… وإنّها، متى رَوَّأتْ في عملٍ، لَوَصّافةٌ، بعيدةُ الغَوْرِ أنيقةُ الوَشْي، تختبئُ خلفَ منعَطَفاتِ لوحتِها غِنائيّاتٌ عذبةُ المشرَبِ، تُطالِعُكَ وجوهُها باللّمْحِ الخبيءِ وقد اطمأنّتْ إلى نفثاتِ صدرِها، فضارعتْ قواريرَ العطرِ ندًى، وأُسلوبًا بهيرا.

lara najjar 2

هي هي لارا الرائعة تدورُ عَدْنًا في محابِّها، فكأنّ بلابلَ الخُلدِ سبحانها تتقلّبُ في نَقْلِها دَهْشى بين يديك، وقد تملأتْ من لطائِمِ المسكِ، فتعلو التّغاريدُ، وتتمسّحُ الحناجِرُ طَرْبى بالرِّقاع.

وأخيرًا، معكِ عزيزتي في ما أجرى البارئُ عليكِ الذي أجراهُ من خالصِ نِعَمٍ لا نكيرَ فيها، ولا شُبهةَ لناظِرٍ : الرّيشةُ، في التّمكّنِ، والبَدْعِ، والحضورِ الطّاغي، جليسةُ مُلوكٍ ! واللّونُ، في الوَلَهِ إلى الجمالِ لا مُنافرةَ، أَمتعُ من كأسٍ طِفاف. واللّوحَةُ، بدرٌ تمٌّ حَطَّ على القماشِ يُلجِّجُ في تَرَفِ البهارِ، “فأَمسى القماشُ بِرْكَةً من الفضّةِ الذائِبة”.

وعندنا، ايّتها الغاليةُ: مع مَيْعةِ وغضارةِ هذه الرّيشةِ، تِئْمِ وجودِكِ منذ دبَبْتِ في معارِجِ الحياةِ، وثيقةَ الحُجّةِ، ناصعةَ البرهان، ألفُ ربيعٍ يتّلد “دوامُهُ لا ينقطع، وخيرُهُ لا يفنى”! سلِمَتْ يداكِ، ومدّ في عمر مرسَمَكِ بما يغيب عن مرمى المدارِك.

lara najjar 3lara najjar 4

اترك رد