تحقيق: ريما يوسف
(الوكالة الوطنية للإعلام)
عندما يتكلم التاريخ ينصت الحاضر، فمن لا جذور له لا حاضر عنده، فالذكريات مفتاح المستقبل وقد سطر التاريخ كلمات رائعة عن بلدة دوما البترونية القابعة على منخفض جبلي ومحاطة من جوانبها الثلاثة بالقمم والاودية، بيوتها مزدانة بالقرميد وسوقها اثري عامر بالذكريات.
وهذه البلدة البترونية ترتفع 1100 متر عن سطح البحر وهي خزان التاريخ ومهد الحضارات بحسب دراسات قامت بها البلدية منذ اكثر من سنة ونصف، وللتعريف بأهمية البلدة اجرت البلدية أبحاثا عديدة عن تاريخ البلدة لارشفتها منذ ايام العثمانيين وحتى العهد المعاصر وتوصلت الى عقد مؤتمر كبير يتحدث عن “دوما في التاريخ” برعاية وزير الثقافة روني عريجي يومي الجمعة والسبت في 19 و20 الحالي..
عيسى: الفكرة منذ 5 سنوات
“الوكالة الوطنية للاعلام” التقت نائب رئيس بلدية دوما ومنسق مشروع أرشفة البلدة الدكتور اسد عيسى، الذي قال: “انطلقت الفكرة في البلدية منذ أربع أو خمس سنوات من باحثين ودكاترة مهتمين الى ان اتفقنا منذ سنة ونصف مع الدكتور عصام خليفة لعقد مؤتمر “دوما في التاريخ” وبدأنا العمل الفعلي منذ سنة”.
اضاف: “هذا المؤتمر ينقسم تنظيميا الى قسمين، وأنشأنا لجنة علمية برئاسة الدكتور خليفة تضم باحثين من دوما ومن خارجها، وهي مسؤولة عن كل المواضيع المتعلقة بالبحث، وفي المقابل أنشأنا في البلدية لجنة متابعة برئاستي ويشارك فيها كل حملة الأقلام في دوما من دكاترة ورؤساء جمعيات وفاعليات، ونسقنا مع اللجنة العلمية، وبدأنا بتجميع وثائق للبلدة لترتيبهم للحفاظ عليهم، وجمعنا عددا كبيرا من الوثائق. وأؤكد ان هناك الكثير من الوثائق يجب البحث عنها وتجميعها للحفاظ عليها من الرطوبة أوالقوارض”.
وتابع عيسى: “المؤتمر بصيغته النهائية أبصر النور منذ أسبوع، وقد تم تعديل البرنامج مرات عدة حسب الوثائق التي عثرنا عليها. وهناك ثلاثة أقسام للوثائق: الوثائق الداخلية الخاصة بأهالي دوما، مثل فواتير وأوراق عديدة خاصة بسوق دوما التجاري وهو سوق قديم جدا ومشهور في محيطه، ولتنظيم الحركة التجارية في سوق دوما في الماضي، اضطرت المتصرفية أن تؤسس بلدية في دوما عام 1880 وهي من أقدم البلديات، وبالتالي المحال التجارية التي كانت موجودة والبيوتات فيها العديد من الوثائق واستطعنا جمع عدد وفير منها، فمثلا وجدنا 40 أو 50 دفتر حساب من ضمنهم عرفنا انه عام 1890 كان هناك صيرفيا في دوما ووجدنا دفتر الصيرفة، وعام 1910 شق أهلها الطريق الى الكورة على حسابهم، حسب دفتر يوميات الطريق عن من عمل وكم قبض، وأجرينا دراسة حول الموضوع”.
وقال: “إضافة الى دفتر لكاتب عدل كان في دوما وهو من دوما ويدعى ميشال بشير، وهناك وثائق رسمية وإحصاءات من الدولة اللبنانية، وحصلنا على دفتر الميري اودفتر داوود باشا 1867 ويحكي بالتفصيل على أملاك كل مواطن دوماني من تفاح أو توت أو زيتون. ومن يدفع ضرائب وهو عبارة عن 90 صفحة ويعتبر من أكبر وأقدم دفتر ميري في قضاء البترون، مما يدل على دور دوما المحوري عام 1870 في القضاء، كما وجدنا في اسطنبول احصاءات 1850، أضف الى إحصاءات 1813 وغيرها، وعدد الوفيات في المجاعةالى آخره”.
أضاف: “الشق الثالث من الوثائق هو من الجامعات والسفارات والباحثين والأديرة وفيها كم هائل من الوثائق، فمثلا حصلنا من اسطنبول على إحصاءات من القرن السادس عشر، وقد ساعدتنا كثيرا جامعة الروح القدس – الكسليك وهي أرسلت الينا صورا عديدة وإحصاءات من 1514 و1545 و1570 وغيرهم وعندها كان يضع الأتراك فقط أسماء الذكور، فمثلا من دوما كان هناك 46 ذكرا عام 1512، ومن هنا درسنا الديموغرافية فمثلا بعد 40 سنة كم أصبحوا، وإحصاءات 1700 وإحصاءات 1850 وهذه الوثائق هي قيمة جدا، ولدينا كاتب اميركي سكن في دوما من 1840 حتى 1860 ووجدنا كتابه باللغة الإنكليزية ويتحدث فيها عن عادات دوما وعن كيفية حدل سطوح البيوت وغيرها”.
وتابع: “هذه الوثائق كانت الأساس الذي انطلقنا منه لوضع البرنامج النهائي للمؤتمر، ولكن هدفنا الأساسي ليس المؤتمر، المؤتمر هو هدف قريب والهدف الأساسي هو ارشيفي، وأصبح لدينا آلاف الوثائق للأرشيف وسيخضعون لمرحلة توثيق ونحن نعمل بشكل مستمر للبحث عن وثائق، ويمكن ان نجد وثائق جديدة بعد سنتين وهو هدف علمي مفتوح، إضافة الى ذلك هدفنا الأول هو إطلاق موسوعة “دوما في التاريخ” ونقدر عدد صفحات الموسوعة 2500 صفحة، ونحن في طور العمل عليها. واستبعد ان تكون أي بلدة قد قامت بما قامت به بلدية دوما”.
أضاف: “طموحنا الوصول الى ارشيف دوما، أي كل هذه الوثائق مع الجمعيات المختصة بدوما ولديها نواة للقيام بمتحف، أي إنشاء متحف مهم لدوما”.
وقال عيسى: “لهذا المشروع طابع انساني والذي لا يقدر جدوده لا مستقبل له، جدودنا أهدونا عروسا علينا تلبيسها الثوب الأبيض، فدوما كانت مميزة منذ عام 1500 وحصلت على فرمان من السلطان العثماني، والوثيقة موجودة، بحماية كل جرد البترون لتاريخهم المشرف مقابل إعفائهم من الضرائب، أي منذ عام 1500 كان لها دور اجتماعي واقتصادي وثقافي وتاريخي”.
وتابع: “الهدف الثاني علينا إنصافهم وأيضا هناك شق قضائي وأكاديمي، فمثلا هناك فقرة عن بلدية دوما ولا يمكننا انصافها في مشروع واحد، ومن الممكن من يريد أن يحوز على شهادة دكتوراه الذهاب الى دوما والقيام بأبحاث لما للبلدة من أهمية منذ العهد العثماني مرورا بالحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية وفي الفترة المعاصرة”.
وأشار عيسى “عن وجود 13 ديرا وكنيسة للطوائف الثلاث الأورثوذكس والكاثوليك والموارنة ولدينا دير مار يوحنا يعود الى القرن الخامس”.
وختم معتبرا انه “نسي الطب لدى بحثه عن الوثائق التاريخية”، مؤكدا “ان ما قام به هو اهم إنجاز بحياته ويشعر حاليا بفخر كبير بذلك، فهناك العديد من البلدات والقرى كتبت تاريخها ولكن لا يوجد أي بلدة كتبت وأنجزت ارشيفها، مع العلم ان هذا المؤتمر يترافق مع معرض وثائق عن دوما يحتوي اكثر من 150 وثيقة”.
عصام خليفة
من جهته، المسؤول عن اللجنة العلمية للمؤتمر الباحث في التاريخ الدكتور عصام خليفة اعتبر ان “الجمعية التاريخية تأسست منذ 30 سنة وبدأنا بمشروع تاريخ مناطقي في لبنان أي ندرس القرى والبلدات ونقوم بعقد مؤتمرات علمية عنها، وندرس وضع البلدات الإقتصادي والتربوي والعلمي والديماغوجي والثقافي والجغرافي، وأقمنا مؤتمر عن بلدة لحفد وعن بلدة بشعلة”.
اضاف:”وهذه المرة كانت دوما محور بحثنا مع عدد من المختصين الباحثين في هذا المجال، وقمنا بعدة اجتماعات، فقمنا بمسودة مشروع اقترحته انا وتم اقرارها لعقد المؤتمر في 19 و20 الحالي”.
وقال: “وطلبنا من الأهالي أن يضعوا في تصرف البلدية الوثائق المطلوبة، فمثلا جلبنا مستندات منذ أيام المتصرفية وأمور اقتصادية، ووثائق بالتعاون مع مطرانيات الموارنة والأرثوذكس والكاثوليك. وناقشنا مع الباحثين المختصين عن مرحلة ما قبل التاريخ مع ريمون جاز، وعن الفترة الرومانية البيزنطية مع جان باتيست إيون، إضافة الى مختصين عن الفترة الجغرافية. وأنا سأناقش أمور تاريخية ولدي ثلاثة أبحاث من ايام العثمانيين عن دوما، تتناول الديموغرافيا التاريخية والضرائب والإنتاج في القرن 16 إضافة الى تسليط الضوء بتكليف أهالي دوما بالحفاظ على أمن المنطقة من دوما وصولا الى الساحل والحفاظ على طريق السلطانية التي ما زالت معالمها واضحة اليوم، وهي تربط دوما بالبقاع، ويتضمن المؤتمر العلاقات بين البترون والمشايخ الدكتور فاروق حبلص، وعن العلاقات بين دوما وبعض القري المتنية للدكتور بطرس لبكي وعن دوما البندر في القرن 19 للدكتور سيمون عبدالمسيح، إضافة الى ذلك فدوما مشهورة بالحديد وهناك معادن في الجبال المجاورة لدوما، وسعاد ابوالروس ستدرس الزراعة والإنتاج في دير مار يوحنا، وغير ذلك”.
اضاف: “وستتحدث الدكتورة راوية المجذوب عن هندسة الكنائس وهي من طرابلس ومن المهم أن تتحدث هي عن هندسة الكنائس، وهذه هي روح دوما الوطنية”.
وختم خليفة: “هناك معرض كتب سيقام مع حسم 50 في المئة ووثائق نطلق عليها “ذاكرة دوما التاريخية”.
وفي النهاية قيل في دوما الكثير من شحرور الوادي الى الشاعر الدوماني يوسف سمور”.