معهد العالم العربي في باريس “يضيء” على بسكرة ملكة الصحراء

لوحات وصور توثّق موقع المدينة في الآداب والفنون

 

biskra

«بِسكرة ملكة الصحراء» عنوان معرض ينظمه معهد العالم العربي في باريس بين 23 سبتمبر و22 يناير 2017. من خلال مجموعة من اللوحات والصور الفوتوغرافية ومجالات الإبداع الأخرى، يسلط المعرض الضوء على مدينة بِسكرة (تقع في الجهة الجنوبية الشرقية من الجزائر وتبعد عن العاصمة 400 كلم)، التي تعتبر أحد أهم مراكز الثقافة والسياحة في الجزائر.

ينطلق مشروع معرض «بِسكرة ملكة الصحراء» من التجربة التي عاشها أدباء وفنانون أوروبيون زاروا المدينة، على غرار الرسام التشكيلي هنري ماتيس الذي استوحى منها لوحته الشهيرة «ذكريات في بِسكرة»، وأندريه جيد الذي استوحى من المدينة أحد أشهر كتبه L’Immoraliste ou Les Nourritures terrestres، كذلك الموسيقي المجري بيلا بارتوك (25 مارس 1881 – 26 سبتمبر 1945) الذي استلهم موسيقاه في عشرينيات القرن الماضي من الموسيقى التي كانت تقدّم في قصور المدينة.

كيف كانت بسكرة لدى مجيء هؤلاء المبدعين إليها؟ كانت واحة خلابة ومنتجعاً للسياحة مجهزاً بفنادق فاخرة، وأصبحت المدينة التي تضمّ 300 ألف نسمة عاصمة الولاية بعد الاستقلال.

يهدف المعرض إلى وضع أعمال المبدعين، من الفرنسي أوجين فومونتان في عام 1848 إلى المبدعين الجزائريين في عام 2014، في سياق علمي وثائقي يخرج إلى العلن للمرة الأولى ويفتح آفاقاً جديدة لفهم تاريخ هذه المدينة وموقعها في الأدب المحلي والعالمي، وفي الفنون…

بمساندة مستشارين جزائريين ومؤرخين، يقترح منظم المعرض روجيه بانجامان قراءة للمدينة في فترة ما بعد الاستعمار، للأعمال والوثائق التي تبيّن غنى الترابط بين الحقائق والأدباء الذين كتبوا عن بسكرة. تأخذ هذه القراءة في الاعتبار التنوع الذي يتميّز به المجتمع، أبناء المدينة الذين هاجروا إلى فرنسا، سكان بسكرة القدماء وكانوا من الإيطاليين والفرنسيين واليهود، فضلاً عن الجمهور الذي ينجذب نحو عظمة هذه المنطقة الصحراوية وسكانها.

أدباء ومبدعون

على مرّ تاريخها، تميّزت مدينة بِسكرة بأدبائها وشعرائها وعلمائها، من أبرزهم الشيخ الأخضري صاحب المنظومة المرجعية الشهيرة في سجود السهو، الشيخ الطيب العقبي، الشاعر أبو بكر بن رحمون، أحمد رضا حوحو، الشاعر عمر البرناوي، أحد أقدم رواد الحركة المسرحية في بسكرة التي ازدهرت في بداية العشرينيات حتى الثورة الجزائرية 1954، أبو القاسم خمار أول من كتب مسرحية عن الكاهنة مع الشاعرين الأمين العمودي ومحمد العيد آل خليفة، العربي بن مهيدي الملقب بأسطورة الثورة الجزائرية، محمد بكوش وبوبكر دلباني وشخاب محمد الأمين الذين أسسوا جمعية الأمل التمثيلي (1963).

ورد ذكر مدينة بِسكرة في كتب وأبحاث عربية وغربية، وأول من تحدث عنها بإسهاب من الجغرافيين العرب أبو عبيد الله البكري في كتابه «المسالك والممالك»، الشريف الإدريسي في كتابه «نزهة المشتاق»، ابن سعيد المغربي في كتابه الجغرافيا، ياقوت الحموي في كتابه «معجم البلدان»، الحسن الوزان في كتابه «وصف إفريقيا».

ومن المؤرخين والرحالة الذين زاروا بِسكرة وأعجبوا بها: العلامة عبد الرحمن بن خلدون في تاريخه المشهور، أبو سالم العياشي في رحلته «ماء الموائد»، أحمد بن ناصر الدرعي في رحلته أيضاً والحسين الورتيلاني في «نزهة الأنظار».

كذلك من الأدباء الغربيين الذين تأثروا بالمدينة وكتبوا عنها: الكاتب الإنكليزي س. هـ. ليدر في كتابه «بوابة الصحراء: بسكرة وما جاورها»، الكاتب الألماني هاينريش فون مالستان في كتابه «ثلاث سنوات في شمال غربي إفريقيا»، والكاتبان الفرنسيان ج. ماركايو داميريك وجورج هيرتز في رسالتهما «بسكرة والزيبان».

أصل التسمية

يعود أصل تسمية بِسكرة إلى كلمة «فسيرة» VESCERA الرومانية الأصل، بحسب بعض المؤرخين، وتعني الموقع التجاري، نظراً إلى تقاطع طرق العبور بين الشرق والغرب، الشمال والجنوب، فيما يرجع البعض الآخر التسمية إلى «بيسينام» PISCINAME وهي رومانية أيضاً وتعني المنبع المعدني نسبة إلى حمام الصالحين. في هذا السياق، يرى زهير الزاهري أن كلمة بسكرة ترمز إلى حلاوة تمرها (دقلة نور) الذي تزخر به المنطقة.

وبسكرة واحة ضمن واحات الزيبان، والزاب يعني بالأمازيغية واحة، أما ابن خلدون فعرف الواحة بأنها «وطن كبير يشمل قرى متعددة متجاورة جمعاً جمعاً أولاها زاب الدوسن، ثم زاب مليلي، ثم زاب بسكرة، زاب تهودة، زاب بادس، وبسكرة أهم هذه القرى كلها».

يرجع بعض الدراسات تاريخ المنطقة إلى 7 آلاف سنة قبل الميلاد، وقد خضعت للاحتلال الروماني فالوندالي ثم البيرنطي، ولا تزال الآثار تشهد على الأهمية الإستراتيجية للمدينة وطابعها العمراني المتميز، بعد ذلك شهدت الفتح العربي ثم العثماني…

خلال العصور الوسطى تميزت المدينة بالطابع الإسلامي في شتى نواحي الحياة، وبرز ذلك من خلال ما كتبه المؤرخون والرحالة العرب وما بقي من آثار لا تزال شاهدة على ذلك. ومع خضوعها للاستعمار الفرنسي عام 1844 وضعها الفرنسيون كنقطة انطلاق للتوسع في الجنوب، إنشاء حامية لتكون نواة لمدينة جديدة في المكان المسمى «رأس الماء» باعتباره موقعاً استراتيجياً حساساً.

*****

(*) جريدة الجريدة 

اترك رد