“حقائق فارغة” عنوان المعرض التشكيلي الذي تنظمه «غاليري زمان» للرسام التشكيلي السوري نهاد عبد القادر، يتضمن مجموعة من اللوحات، تحفل بالمشاعر والأحاسيس من خلال المرئي والمسموع.
في لوحات الرسام التشكيلي نهاد عبد القادر، تضيع الحدود وتأخذ الأمور أبعاداً مختلفة عما هي عليه في الواقع، ولا يمكن الولوج إليها إلا من خلال الإحساس بعمق ما يعتري الشخص من حالات بين الغربة والموت والحضور والوداع والصمت والجزار والضحية…
في لوحات نهاد عبد القادر، ظلال من رماد تعكس ما يشبه الضياع، وسط ما يشوب الساحة العربية والسورية اليوم من أزمات وحروب، ولا عجب فهو ابن سورية ويعاني آلام الحروب، لكنه يأبى إلا أن يطير ويحلّق عالياً حتى ولو بجناح واحد…
يبدو الناظر إلى اللوحات أن الرسام التشكيلي لم يفقد إيمانه بالحب والجمال، ويبقى معناهما راسخاً في قلبه وفي وجدانه يتلمسهما حتى بين الدمار، واضعاً نصب عينيه الحرية التي منها يبدأ كل شيء ومن دونها لا شيء.
غموض وأسرار
لا يمكن تصنيف اللوحات بأنها تندرج ضمن تيار حداثوي أو غيره، فكل لوحة تضم أكثر من تيار، من هنا صعوبة تحديد إلى اي مدرسة فنية تنتمي. الواضح أنها تركز على الأصالة وعلى خطوط تذكر بتلك التي كان يخطها الإنسان القديم في الكهوف والمغاور، في محاولة من الرسام ربما للتأكيد أن التعبير الجمالي لم يتغير في مضمونه بل تغير الشكل الذي ابتعد أكثر فأكثر عن الطبيعية.
يرسم نهاد عبد القادر الوجوه والبيوت كما يراها هو بعقله ووجدانه وقلبه، ويروي حكاياتها وما تحمل من اسرار وغموض، مستخدماً الألوان المتناقضة التي تعكس حالات وجدانية يتنازعها الفرح والحزن في آن، معتمداً الاختزال والبعد عن التفاصيل ومكتفياً بالجوهر والرمز لإضفاء نوع من الإيحاء يأسر المتفرج ويدفعه إلى الولوج إلى عالمه. من هنا تبدو ألوانه مرآة تعكس هواجسه ورؤاه، لذا هي قوية تارة وهادئة تارة أخرى كأنها تعبر عن المآسي والشقاء والفرح والسعادة في آن.
يهدف الرسام التشكيلي إلى نقل المتلقي إلى عالمه بما فيه من أحلام وخيال، لذا ترسم خطوطه وأشكاله عالماً خاصاً به يجبر المتلقي على التفاعل معه والتواصل مع مشاعره واحاسيسه.
اللافت ان كائنات نهاد عبد القادر تسبح في فضاءات لامعقولة أو سوريالية، وتعتبر انعكاساً وجدانياً لما يحصل في سورية من أحداث لا يقبلها العقل والضمير مع ذلك العالم غافل عنها، فيما الحرب تشوه كل شيء حتى رؤية الفنان للأمور من حوله. لكن يبدو أن نهاد عبد القادر يهرب مما يحيط به ويحرص على الحفاظ على لغة بصرية جميلة، معتبراً أن الفن الجميل والأصيل وحده يدوم ويرتقي بمستوى الذوق والخيال وينمي لديه معنى الحب والحياة.
أصالة في التعبير
شق الرسام التشكيلي طريقه في الفن بمجهوده الذاتي وتمسك بالأصالة في التعبير، فتعمق بالتيارات الحداثوية المختلفة من بينها السوريالية، لكنه لم يسجن ريشته فيها بل اختط لنفسه نهجاً مغايراً يقوم على مفهومه الشخصي للرسم ورؤيته الخاصة له، وإذا كانت الحرب تهدم البيوت وتقتل الإنسان فهو يعمد، في لوحاته، إلى بناء البيوت وحماية الإنسان. كل ذلك يتم بالفطرة أولا ثم بإرادة التجذر بالأرض ثانياً.
يصف الرسام التشكيلي السوري محمد العكلة معرض «حقائق فارغة» بأنه «يدخلنا إلى عوالم ميثيلوجيا العبث برؤية سيكولوجية عميقة تلخص المشهد ببطولة، كائنات أسطورية موزعة على مجمل لوحاته… رغم انني لم أشاهد حيوانات ممسوخة بقدر ما شاهدت ذواتنا التي وصلت إلى هذه الهيئة من القهر… لكنها تملك جناحين مكسورين.. يحملان الأمل المفقود.. نعم تلك الحقيقة الفارغة التي اوجعتنا وما زالت.
تتوزع الألوان حسب سردية المشهد… حضور لافت للرمادي… مع تأكيد على مزاوجته باللون الحار ليشكل «كونتراست» بتدرج هارموني جميل… وهذه تحسب لعبد القادر وتدل على خبرة ودراية بعجينة اللون…
ضربات الفرشاة حاضرة في بعض المشاهد لتنضح الرؤية عبر نص تشكيلي… صاغ من حكايا الألم السوري… سرديته التشكيلية.. وهذا ليس بجديد، فنهاد عبد القادر لديه ارشيف تشكيلي كبير متعدد المذاهب التشكيلية من الموتيفات الغرافيكية الرمزية الى عوالم تجربته السريالية المحدثة… وصولاً إلى رسم الوجوه التعبيرية التي عمل عليها سنوات وأقام لها معارض… ليجد نفسه أخيرآ يحلق في حكايا الألم الإنساني والسوري خاصة باسقاطات اسطورية تستوقفنا أمام الحقيقة الفارغة…
نهاد عبد القادر
من مواليد 1978 في روزآفا في سورية، درس في معهد الفنون التشكيلية قسم غرافيك، وهو عضو في اتحاد التشكيليين السوريين وفي جمعيات ثقافية وفنية، درّس الرسم في جمعية الإعاقة والتأهيل بالرقة، أقام معارض فردية في الرقة وفي أنحاء سورية منذ 2002 تحت عناوين ومسميات من بينها: «غرافيك، سرياليات، انسانيات، وقفة مع الذات، وجوه بلون المطر، الفصل الخامس، انتماء، سبات».
****
(*) جريدة الجريدة